بقلم: مريم الحسن
كان جالساً كعادته في ظل اتكساراته, ملقياً برأسه إلى الخلف و مسنداً ظهره إلى حائط الغد المجهول, مغمضاً عينيه على عتم الإطمئنان و آوياً إليه مسترسلاً بأفكاره التي كانت تهمس له بحجم حلمه الكبير الخجول حين سمع الصوت يأتيه آمراً: إنهض....نهض و مشى خلف الصوت متتبعاً أثار صداه و متقفياً تردداته عبر اتساع أثير الصمت , تصحبه حطواته المتكئة على ظلّه المظلم السائر معه ملتصقاً بلون تراب الأرض... ...
ظلّه هذا الذي حمل جسده المثخن بنزف تعب الإنهزامات و شكّله الزمن امتداداً لسحنة وجهه الموشومة بخطوط آلام التجارب و تجرّع الإبتلاءات كان قد تقوس من ثقل ذاكرته المنهكة بتراجيع مشاهد الصراعات نفسها آلاف المرات فانحنى مع الوقت هيكله أكثر فأكثر لطغيان اللون الأحمر على خيارات باقي الألوان في لوحة الذكريات .. سار جسده مع ظله جنباً إلى جنب نحو الصوت الذي ناداه مسافة تفكر متأملة بحاله و بحال حجم حلمه الذي كبر حد عقم الاضمحلال و توهان التلاشي.. استمر بالتقدم خلف الصوت لمدةٍ راوحت ما بين انصياع كامل للأمر و ذهولٍ متسائلٍ عنه و بين دهشةٍ مستغربة منه و ترددٍ حذر يشكك به إلى أن سمع الصوت يأمره مجدداً: توقّف... ...
وقف فجأة متسمراً في مكانه كجذعٍ مغروس إلتلحم امتداد ارتفاعه مع امتداد اتساع المكان .. كشجرةٍ التصقت بأرضها الخالية إلا منها و اتحدت معها عارية إلا من أغصان خيباتها و عري لونها الأسمر الذي ماثل لون عري تربتها... تحتها, و على امتداد حدود الأفق الدائري من حولها انتشرت أوراقها الصفراء و تبعثرت بعد أن حصدتها رياح اليأس و الإحباط و سلّمتها لزوبعة مرارة الخذلان تلك التي عبثت بها و نثرتها على اتساع المدى أكواماً تصطف خلف أكوام و أشكالاً تنتظر أمر الريح لتعيد تشكيل تجمعاتها أكواماً تخلف أكواماً, بعض أوراقها تلوّحت صفرتها باحمرار لون الغضب , و داخل صفرة بعضها الآخر ارجوانية اللا حيلة , أما القسم الأكبر منها فاكتفى بأحادية لون اصفرار ما قبل السقوط... ...
لحظة تفكّر مرت على خاطره كأنها الدهر و هو في مكانه يحاول تحرير إرادته من تسلط الصوت عليها, يجاهد رغبته لردعها عن الامتثال لأوامر الصوت حيناً و حيناً يلوم تهور حشريته التي أغواها طمعها على معرفة نهاية خط المسير .... تلت لحظة التفكر بضع دقائق من فراغ صامت و انتظار نابض و إغماضة جفن تعبة أيقظتها فجأة نبرة الصوت الآمرة: إحفر...هوى بجسده إلى مكان قدميه... ركع فوق التراب و أخد منه قبضتين .. رفعهما حتى مستوى ناظريه و حدق بهما .. راقب انسلال حبات التراب من بين أصابعه... فتح كفيه ليرى ماذا بقى لهما.. فتراءى له حلمه قبضة تراب رفضت مغادرة أمل بقائها في بطن راحة كفه .. نظر إلى حلمه و قد تجسد تراباً أحمراً .. تأمله لبرهة حزن .. قبّله قبلةً مبهمة .. ثم نثره عالياً في الهواء فوق رأسه و بدأ بالحفر.من مذكرات مواطن عربي .. الفشل بالحلم
2016-04-13