الخطوة المنفردة والمدانة بكل المقاييس والأعراف التي أقدم عليها رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس بقطع المخصصات المالية للجبهة الشعبية من الصندوق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية ليست بالقضية التي يمكن السكوت عليها لأنها تأتي في السياق العام لمزيد من خنق الكلمة الحرة على الساحة الفلسطينية والكلمة الجريئة للجبهة الشعبية وغيرها من الفصائل الوطنية الفلسطينية التي نبهت وما زالت تنبه من الانهيار والتمادي في التطاول على جميع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والآليات القانونية لاتخاذ الاجراءات والقرارات ضمن هذه المؤسسة التي من المفترض ان تمثل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.
لا شك ان هذه الخطوة تأتي في محاولة لعقاب وابتزاز رخيصة للجبهة من قبل السلطة الفلسطينية التي نصبت نفسها عمليا ومنذ تأسيسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن مؤسساتها الدستورية بحيث أصبح تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الشرعية هو الامر السائد وليس الاستثناء. ان الاستمرار في هذا النهج المدمر الذي طال والذي نبه اليه الكثيرون من الشرفاء ومن خارج إطار الفئوية والحزبية والمصالح الضيقة آن له ان يتوقف. ان السكوت على هذا النهج وافرازاته أو التساوق معه أو إيجاد المبررات له وتعليق الشماعة على الانقسام بين فصيلي فتح وحماس الذي يتحمل مسؤوليته كلا التنظيمين لان كلاهما يستقوي على الاخر بقوى عربية وإقليمية لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية بل تعمل جاهدة مع الكيان الصهيوني الغاصب على تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، نقول ان هذا لم يعد مقبولا على الاطلاق وخاصة ضمن الأوضاع القائمة حاليا.
لنكن واضحين وصريحين ان القضية ليست بقضية مالية على الاطلاق مع تأكيدنا ان المخصصات المالية من الصندوق
القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية لأي فصيل فلسطيني منضوي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ليست منة أو مكرمة "رئاسية" من أحد، بل هو حق لكل فصيل بحسب اللوائح الداخلية المتفق عليها ضمن إطار المنظمة والتي عمل بها منذ عقود. بالإضافة الى أن المبالغ المالية المخصصة للفصائل الفلسطينية هي مبالغ زهيدة إذا ما قورنت بتلك التي تدفع الى "السفراء" و "الوزراء" و "المستشارين" وطواقم وأجهزة الامن المتعددة والتي تفوق في عددها أجهزة الامن في الولايات المتحدة ربما على سبيل المثال، بحيث أصبح العديد منهم من ذوي السيارات الفارهة والفيلات والخدم والحشم، بعدما كانوا من الناس البسطاء أو متوسطي الحال أو حتى المعدمين قبل دخول السلطة.
ان استخدام أموال الشعب الفلسطيني للضغط على هذا الفصيل أو ذاك أو هذه المؤسسة أو تلك للحصول على بعض التنازلات انما هي محاولات بائسة ومدانة من قبل شعبنا الفلسطيني. ان هذا القرار الذي هو في جوهره قرار سياسي بامتياز، يجب ان يجابه من كافة الفصائل الفلسطينية وشعبنا وقواه الحية في الداخل والخارج لان السكوت عليه هو بمثابة إعطاء دفعة للسلطة للامعان في تطاولها على الفصائل المقاتلة والمقاومة وتلك التي تقف بكل جرأة لانتقاد المسار التدميري الذي انتهجته سلطة أوسلو وتملك من الشجاعة والجرأة السياسية والأخلاقية أن تقول "للأعور أعور بعينه" كما يقول المثل. ما أخد من قرار فردي جائر وذو ابعاد خفية ضد الجبهة سيطال الفصائل الأخرى الواحدة تلو الأخرى، إذا لم يكن هنالك حركة احتجاج جماهيرية على مثل هكذا قرار.
ان اسكات الصوت الحر المقاوم أصبح الظاهرة التي تميز المرحلة الحالية وعلى نطاق الإقليم. ولقد دخلت السلطة الفلسطينية طرفا بشكل مباشر أو غير مباشر تحت ذرائع واهية ومدانة في هذا النهج والظاهرة السائدة. فلقد وافقت السلطة على قرار وزراء الدفاع العرب ووزراء الخارجية على اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية لان امينه العام السيد حسن نصر الله قال كلمة الحق فيما يجري خاصة في اليمن من قبل آل سعود ووضع النقاط على الحروف بكل جرأة ومصداقية ومسؤولية أخلاقية وسياسية. ولم نرى اية ادانة لإسكات صوت المنار الفضائية على القمر الاصطناعي نيل سات وسبق وان اسكت صوت الميادين الفضائية على عربسات ولم نرى أحد من السلطة ينبس ببنت شفة لدعم محطة فضائية بوصلتها فلسطين قولا وممارسة وقامت بإيصال صوت فلسطين الى جميع انحاء العالم بشكل لم يسبق له مثيل. وصمتت السلطة على المجازر التي ارتكبها العدوان العسكري التي يقوده آل سعود على اليمن، تلك المجازر التي فاقت في وحشيتها وبشاعتها وشدتها ما ارتكبه الكيان الصهيوني في قطاع غزة. وغضت النظر على المجازر التي ارتكبت بحق الشعب السوري والعدوان الكوني والإقليمي على سوريا متذرعة تحت شعار "النأي بالنفس"، هي التي لم تنأى بنفسها عن تأييد ما ارتكبته السعودية في اليمن من مجازر ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشهادة منظمات إنسانية وحقوقية تابعة للأمم المتحدة، حيث قال الرئيس عباس بملىء فيه في احدى كلماته في بيت لحم اننا مع السعودية بكل ما تفعل لأنها على حق ولأنه صحيح، موحيا بأن ما تقوم به السعودية في اليمن يأتي ضمن محاربة الارهاب.
لا نريد الاسترسال في توجيه الانتقادات للسلطة فلقد كتبنا وكتب الكثيرون في هذا المجال وخاصة فيما يختص بما سمي زورا "بمفاوضات السلام وحل الدولتين"، الى جانب التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وقمع التحركات الجماهيرية والسعي الى التضييق على المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي تحت ذريعة حماية أرواح المتظاهرين الفلسطينيون من جنود الاحتلال الإسرائيلي. هذا عدا عن الوقوف ضد المقاومة المسلحة والتصدي للعدوان الإسرائيلي على غزة الى درجة تحميلها مسؤولية الدمار الذي لحق بالبنية التحية للقطاع الى جانب الالاف الشهداء من ابناءه.
ولكننا نود ان نؤكد ان الإقدام على هكذا خطوة من شانه ان يزيد الانقسام في الشارع الفلسطيني في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة الى رص الصفوف في مفصل تأريخي يتزايد فيه حجم التآمر على القضية الفلسطينية من أطراف عربية وإقليمية وعالمية لتصفيتها كان آخرها ما سمي "بالمبادرة الفرنسية"، وما زال البعض يحلم الحلم الرومانسي حلم "حل الدولتين" ويركض نحو السراب ونحو المفاوضات التي لم تحقق الا مزيد من ضياع الأرض ومزيد من الخنوع للمحتل وإعطاء الانطباع للعالم ان المفاوضات ما زالت جارية وانها أفضل السبل لتحقيق "السلام" في المنطقة.
نحن لا يمكننا الفصل بين هكذا خطوة وما يجري على الساحة الإقليمية من محاولة ضرب محور المقاومة والممانعة. ان العمل على إيجاد مزيدا من الشروخ والانقسامات في الصف الفلسطيني لن يصب الا في خدمة المخططات الانهزامية والرجعية لصالح الكيان الغاصب ومحور الرجعية العربية الذي تقوده وتترأسه السعودية التي أصبحت متحالفة استراتيجيا مع الكيان الصهيوني.
السلطة الفلسطينية والسير قدما مع محور الاعداء
2016-04-14
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني