بقلم: السيد شبل
الكيان الصهيوني، كيان غير شرعي، لا حق له في الوجود (أيًا ماكنت المرجعية: تاريخية أو دينية أو إثنية أو إنسانية)، لا في يافا ولا في حيفا ولا في الناصرة ولا في النقب ولا في أم الرشراش.. ولا في أي بقعة عربية (هذا مبدئيًا)، ووجوده في هذه المنطقة اليوم (ككيان محتل، غرسته أطماع ومصالح قادة غربيين)، لا يُلزم أي طرف عربي بفتح بنود أي اتفاقية قديمة جرت لترسيم “الحدود”، لاسترداد الأرض المسلوبة.
– أم الرشراش المحتلة “إيلات حاليًا”، والواقعة عند قمة خليج العقبة (غرب طابا وشرق العقبة)، كانت جزءًا أصيلا من مصر، ونقطة عند رأس خليج تمسك مصر بفضتيه، وتمتد منها إلى الشمال والشرق حتى جبال طوروس، طوال التاريخ القديم (خاصة فترات ازدهار القوة المصرية بداية من الأسرة الـ 18، التي تأسست على يد أحمس في القرن الـ 16 ق.م.، ووطد أركانها تحتمس الثالث في الـ 15 ق.م.، ولمدة أربعة قرون، وحتى سقوطها أسيرة في التفكك والضعف والاحتلال)، وطوال التاريخ الحديث على الأقل منذ القرن التاسع الميلادي وحتى 1517، حيث كانت أم الرشراش والعقبة والحجاز كله دائمًا أراضي طبيعية يمر بها الحجاج تحت سيادة مصر العربية، ولم تتهدد تلك السيادة إلا في فترة مستقطعة بسبب الحملات “الصليبية”، ثم عادت فيما بعد مع الهزيمة التي لحقت بهم في أواخر القرن 12 ميلادي، وتأكدت مع (الظاهر بيبرس) الذي قطع شأفة الغربيين “الصليبيين” من المنطقة تمامًا.
ومع الهيمنة العثمانية، تحولت المنطقة كلها إلى مجموعة من الولايات، لكن بمجيء “محمد علي”، وانتزاعه استقلال مصر وتحديدًا في 1818 مع الحملة ضد الوهابية في الحجاز، عادت سيادة مصر على شرق خليج العقبة والبحر الأحمر من الضفتين.
بعد 1841، والمؤامرة الغربية على “محمد علي” بهدف كبح جماح مشروعه، وفك عرى الوحدة بين مصر والشام، انسحبت مصر شمالًا عن الأراضي المقدسة، لكن بقيت لها السيادة، حتى محافظة الوجه “السعودية” حاليًا، ممسكة بخليج العقبة من الضفتين، وجزء كبير من البحر الأحمر.. وظل هذا قائمًا حتى بدأ الانسحاب المصري (مع الضعف والاحتلال) تدريجيًا من (1885 حتى 1892).
* وهذا معناه أن “أم الرشراش” جزء أصيل وطبيعي من مصر العربية، ولا جدال طوال التاريخ، تنسحب إليه عند ضعفها، وتتمدد بعده عند قوتها، ولا تفقده أبدًا.
– بداية من 1892 وحتى اتفاقية 1906، وقعت مشادات حدودية بين بريطانيا التي كانت تحتل مصر والعثمانيين (وهي قصة مليئة بالتفاصيل والملابسات) خلصت إلى أن حدود مصر الشرقية خط يمتد في اتجاه جنوب شرق، من رفح إلى رأس خليج العقبة، وانحسرت مصر داخل حدود مقزمة أقل في الحقيقة من حدوها الطبيعية طوال فترة ازدهارها تاريخيًا.
والتورط في التعاطي مع قضية “أم الرشراش” من “ثقب” اتفاقية 1906، فخ، ينجر إليه كثير عند مناقشة القضية، وذلك لما يلي:
أولًا: لأنه يعني حذف تاريخ مصر كله قبل هذه الاتفاقية وهو الذي يؤكد مصرية وعروبة أم الرشراش، قولًا واحدًا.
ثانيًا: أنه يتعامل مع “الحدود” الحديثة، والتي لم تكن مصر (عند ترسيمها) في حالتها الطبيعية، بل كانت فاقدة لشخصيتها التاريخية واستقلالها الوطني، تتنفس بنصف رئة وتفكر بعقل مأسور وروحها مسلوبة منها.. على أنها قدرًا لا مفر من الالتزام به.
ثالثًا: أن هذا النهج في التعامل مع “الحدود” يعكس فكرًا “إقليميًا” “ضيقًا” يتجاهل طبيعة المنطقة العربية ووحدة حوضها الحضاري والحقائق التاريخية، ويلزم مصر بحدود اتفاقية كان طرفاها الاحتلال البريطاني من جهة والعثمانيين من جهة أخرى، والتساؤل الحقيقي الذي يجب إبرازه هنا، هو: ما دخل الكيان الصهيوني في قضية 1906 والترسيم الحدودي، أم هو خليفة العثمانيين في حكم الشام، مثلًا!.
رابعًا: أنه يتعاطى مع إسرائيل باعتبارها “كيان شرعي” له محل من الإعراب، أو وريث طبيعي للمنطقة له الحق في الأخذ والرد.
وعلى كل فهناك، طابور طويل من الدراسين لملابسات 1906، وما جرى بعدها، يؤكدون، أن القضية قد انتهت بتبعية أم الرشراش لمصر، وخسارتها للعقبة “الأردنية”.. ورغم ذلك يجادل آخرون (ممن لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، في تهميش الصراع مع الطرف الصهيوني) بخصوص النقطة التي ينتهي عندها الطرف الجنوبي من الحد الشرقي.. وأيًا ما كان فالثابت أن “أم الرشراش” مصرية بالتاريخ، وعربية بالأصالة، وروت الدماء ثراها.. جرى اغتصابها، ولا شرعية لوجود المحتل بها.
أما قصة الدماء التي روتها..
فتعود إلى أنه بعد 1948، واحتلال الصهاينة لفلسطين، وهزيمة الجيوش العربية، وقّعت مصر على هدنة رودس، في الوقت الذي كانت ترابط به قوة من الشرطة المصرية في أم الرشراس عددها (ما بين 300 إلى 350) فرد، تقدمت إليهم العصابات الصهيونية بقيادة “إسحق رابين” في عملية “عوفيدا”، وانتهت العملية باستشهاد كامل القوة المصرية في مارس 1949، ووقعت المنطقة تحت الاحتلال، في هذا التاريخ، ثم شرعت سلطات الاحتلال في تحويلها إلى ميناء “إيلات” في يونيو 1952.
– جمال عبدالناصر، هو الرئيس المصري الوحيد والزعيم العربي الفريد، الذي طالب بها، ورفض عروضًا أمريكية بإقامة جسر بري يصل بين مصر والأردن، مقابل تجاهل “أم الرشراش”، وعدم المطالبة بها.
– كقوميين عرب، وكواعين بتاريخ مصر القديم والحديث، لا نرى مصر أبدًا داخل تلك الحدود المفروضة عليها.
وباعتبارنا بشرًا نملك ضميرًا ووعيًا وعقلًا، قبل كل شيء نرى أن أي حصار للكيان الصهيوني باعتباره رأس حربة مشروع غربي إمبريالي “استدماري”، أمر مطلوب وضروري ونضال مفروض علينا ويُحمد من يُنجزه، ومن جملة هذا الحصار حرمانه من الإطلالة الوحيدة على البحر الأحمر عبر مينائه الوحيد “إيلات- أم الرشراش المحتلة”.
وإعادة الاتصال البري بين شرقي الوطن العربي وغربه، وإعادة البحر الأحمر كبحيرة عربية استراتيجية، تصل المسلمين من شتى البقاع بأراضيهم المقدسة.لنعيد للأذهان قضية أم الرشراش (المصرية العربية) المحتلة
2016-04-14