أن تجري الانتخابات التشريعية في سورية بالتزامن مع تجدد العملية التفاوضية غير المباشرة في جنيف بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة، وفي وقت أعلن فيه ستيفان ديمستورا أن جدول أعمال المفاوضات سيركز على عملية الانتقال السياسي مع مسألة الحكم والدستور، إضافة لتأكيده أن موسكو وطهران تدعمان هذا الانتقال، وكذلك أعلن كيري لجهة إمكانية التوافق على الانتفال السياسي بما يتوافق مع إعلان جنيف في العام 2012،فإن ذلك يؤشر إلى أن الدولة السورية وحلفائها ستكون لهم رؤيتهم الخاصة والأطر الناظمة للانتقال السياسي، والذي سيكون فيه الرئيس الأسد الخط الأحمر، وإن التغيير لن يطال سوى الحكومة والدستور، هذه الانتخابات وبرغم كل التوصيفات التي أطلقها خصوم الأسد ابتداءً من المعارضة التي عدتها مسرحية، مروراً بالخارجية الفرنسية التي وجدت فيها مهزلة وكذلك كانت رؤية المتحدث باسم الحكومة البريطانية، إذ عدها مؤشراً على مدى انفصال الاسد عن الواقع، وأنه لا اتتخابات إلا التي تجريها هيئة الحكم الانتقالية على حد تعبيره، إلا أنها ( أي الانتخابات) قد بعثت بجملة من الرسائل السياسية عالية اللهجة، وشديدة المدلولات أولها أن الاسد في قلب الواقع ذاته، وإن الصراخ والعويل لن يؤثر في صلابة الجسر السوري الايراني الروسي، وليس آخرها الدعم الروسي للخطوات السياسية التي يخطوها الأسد، ولاسيما بعد الثمرات الميدانية المتتالية التي جناها السوري وحلفائه على الأرض إذ وجد لافروف في الانتخابات التشريعية حيلولة دون وقوع فراغ في السلطة مضيفاً ( هذه نظرتنا للأمور).
في جزئية بناء التحالفات يبدو الأسد متفوقاً على خصومه، ولاسيما السعودي الناشط كثيراً هذه الأيام وعلى العين الاسرائيلية ( بحسب ما أعلن يعالون وما سربته وسائل الاعلام الإسرائيلية) لجهة جذب الجانب المصري لتدعيم الأفكار السعودية، ولافرق هنا على الاطلاق سواء أبقيت الجزيرتان تحت السيادة المصرية أو انتقلتا للسيطرة السعودية، لطالما أن اتفاقية كامب ديفيد لن تُمس، وكذلك المصالح الإسرائيلية، السعودي اللاهث وراء جمع الرأسين التركية والمصرية على وسادة واحدة لبناء تحالف عربي إسلامي لمواجهة إيران، لن يحصد في اعتقادنا ذات الثمرات التي جناها الأسد من تحالفه مع الروسي، ولاسيما بعد الارباكات والاهتزازات التي ضربت زعامته وادارته للحرب اليمنية، وفشله في مواقع عدة في الميدان السوري، فتركيا المأزومة داخلياً، ومصر التي ليست بالحال الأفضل واسرائيل التي لا ترى ضرورة ملحة لمواجهة ايران حالياً ويسرها بقاء الوضع السوري كما هو إضافة للتطمينات الروسية الواردة لها تباعاً بماهية التطورات الحاصلة في سورية، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة لن تسمح بنسف “نضالها” للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران والذي كان في اعتقادنا نصراً اقتصادياً لايران، لكنه كان بشكل او بآخر نصراً سياسياً لأميركا على قاعدة ما قاله روحاني بعد توقيع الاتفاق لجهة انقشاع ظلال الحرب المشؤومة في المنطقة، كل ذلك لن يوصل المراد السعودي لمبتغاه ولن تؤتي تحالفاته الثمار المطلوبة.
بعيداً من العواطف واعتقادنا أن نصراً لطرف بعينه في سورية لن يكون ذا” نشوة “، سيما مع الدمار الحاصل، وحجم الدماء النازفة، إلا أن الأسد يزأر مرة أخرى من دمشق ويدلي بصوته في الانتخابات التشريعية ويؤكد ثباته وحلفاؤه ميدانياً وسياسياً، مديراً الظهر لكل ما يجري خلفه في جنيف، ولسان حاله يقول: الانتقال السياسي مني وإلي واللي مش عاجبو يشرب من بحر اللاذقية.
*كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83@gmail.com