2025-06-04 09:53 م

وتبقى فلسطين حاضرة.... والتآمر على القضية مستمر

2016-04-18
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
تتسارع الاحداث في المنطقة بشكل مذهل والكثيرون يحاولون ان يكون لهم موطىء قدم في اية حلول قادمة لازمات المنطقة من سوريا الى اليمن الى العراق الى ليبيا، وخاصة بعد أن فشلت كل المحاولات والسبل في كسر شوكة محور المقاومة أو تطويقه أو تطويع هذا الحلف المتين الصلب الذي وقف وما زال امام هجمة إقليمية وعالمية متناغمة النوايا والاهداف الاستراتيجية. نقول فشل المحور المعادي للمقاومة بالرغم من ممارسة كل الضغوطات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والتدخل العسكري الهمجي المباشر وصرف أكثر من مئة مليار دولار طيلة في السنوات الماضية مما سبب نزيف مالي للصناديق السيادية لبعض الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر والامارات التي انخرطت كلية بالهجمة على الدول الوطنية في المنطقة خدمة للمخططات الصهيو-أمريكية. هذا الفشل الذريع تفاقم حتى في الدول التي ظن المحور المعادي انه نجح في عملية تغير النظام بها بسهولة الى حد كبير عندما تدخلت قوات الناتو بغطاء عربي من جامعة الدول العربية وبمشاركة فعلية عسكرية لدولة الامارات وقطر. فبعد سقوط النظام في ليبيا على ايدي هذه القوات الغازية وقتل الرئيس العقيد معمر القذافي فاذا بليبيا تتحول تدريجيا الى كابوس أمني لدول الاتحاد الأوروبي من خلال الهجرة الغير شرعية حيث وصل الالاف من المهاجرين على قوارب الموت من الشواطئ الليبية. الى جانب تحويل الأراضي الليبية الى ملاذ آمن للمجموعات الارهابية التكفيرية وانتشار تنظيم داعش ومجموعات من تنظيم القاعدة على الأراضي الليبية بحيث أصبحت تهدد الامن الأوروبي وأمن الدول المجاورة في المغرب العربي والدولة المصرية. جميعنا يدرك ان أحد الأهداف وربما أبرزها واهمها من هذه الهجمة على المنطقة وبالتحديد على الدول الوطنية كان وما زال هو تصفية القضية الفلسطينية وعلى وجه التحديد القضاء على حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين اللذين ما يزالون يعيشون في مخيمات في دول الجوار وحتى داخل الوطن المحتل. ومن هنا تبرز أهمية الاحداث المتتالية والتي لم تنقطع منذ بداية الازمة السورية باستهداف المخيمات الفلسطينية وخاصة مخيم اليرموك وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، بالإضافة الى المخيمات المتواجدة على الأراضي اللبنانية. بعد فترة من الهدوء النسبي عادت احداث مخيم اليرموك في دمشق الى الواجهة نتيجة الاقتتال بين تنظيم داعش وجبهة النصرة وتمكن تنظيم داعش من السيطرة على ما يقرب من 80% من المخيم بعد ان قام بطرد ومحاصرة مقاتلي جبهة النصرة من المناطق التي كانت تسيطر عليها. ومن يرى حجم الدمار الذي لحق بالمخيم خلال السنوات الماضية ولغاية الان، بالإضافة الى فشل كافة الجهود التي بذلت لتحييد المخيم عن الصراع القائم في سوريا وذلك لتدخل أطراف عربية وإقليمية في خواتيم المفاوضات التي دارت بين المسلحين واللجان الوطنية في المخيم، يدرك بشكل واضح ان الهدف هو افراغ المخيم من قاطنيه وتشتتهم وخلق ظروف معيشية صعبة مما يضطر البعض منهم التفكير بالهجرة الى الخارج. ولقد استغلت بعض الأطراف الدولية والمحلية والإقليمية هذه الظروف لتدبير هجرة اعداد من أهالي المخيم الى الدول الغربية في محاولة لإفراغ المخيم والعمل على عدم اعماره وهو الذي يشكل رمز من رموز العودة الى فلسطين. كل هذا يدلل على الدور المشبوه الذي تلعبه المجموعات الإرهابية التكفيرية مع بقية الأدوات الإقليمية والعربية في هذا المخطط الاوسع والاشمل الا وهو القضاء على حق عودة اللاجئين فبدون المخيمات ينتهي الوجود المادي الفاعل للاجئين الفلسطينيين مما يسهل تصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني الذي ينادي بيهودية اسرائيل. ان بعض الدول العربية مثل السعودية وقطر على وجه التحديد بالإضافة الى تركيا ضالعة في هذا المخطط وبالتنسيق مع الكيان الصهيوني. لا يغرنك ما تتناقله وسائل الاعلام عن إصرار أردوغان على العمل على إقامة ميناء عائم أو غير عائم في غزة كأحد الشروط التي وضعتها تركيا لإعادة العلاقات (التي لم تنقطع أساسا) مع الكيان الصهيوني. ان دخول تركيا على الخط في هذا الشأن يأتي من ضمن تقديم الدعم لحركة حماس التي آثر جناحها السياسي تغليب كونه جزء من حركة تنظيم الاخوان المسلمين العالمية على انتمائه الفلسطيني كما هو واضح من التصريحات العديدة وخاصة بالنسبة للأوضاع وطبيعة الصراع على الساحة السورية واليمنية. ومن ثم فان تركيا أردوغان تعمل وبشكل مباشر على تعميق حالة الانقسام والتشرذم في الساحة الفلسطينية وعلى ان يكون لتركيا موطىء قدم في حل الازمات في المنطقة والعمل على اضعاف الدور المصري. الى جانب ذلك تناقلت بعض وسائل الاعلام على ان هناك مباحثات بين إسرائيل وتركيا بشأن إقامة محطات على سفن مقابل شواطئ غزة وذلك لإمداد غزة بالكهرباء. نحن لا نرى ان ذلك نابع من حسن نية تركيا أو تنازل إسرائيلي فيما إذا ما تم هذا بالفعل. ويجدر بنا هنا الى التنويه بان هنالك العديد من رجال الامن والاستخبارات الإسرائيلية الذين أشاروا على الحكومة الإسرائيلية على ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في غزة لان الأمور قد تنفجر وسيصعب السيطرة عليها. ان أية اجراءات لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي مرفوضة قلبا وقالبا لأنها ببساطة لا تتناول جوهر الموضوع الا وهو الاحتلال. ان الشعب الفلسطيني لا يريد تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية على حساب الأرض التي تبتلع يوميا ويتم تهويدها. شعبنا لا يريد سلاما اقتصاديا بل يريد التخلص من الاحتلال الجاثم على أراضيه وهو كفيل عندئذ بالنهوض لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بحرية. ما زلنا نذكر قول أحد كبار الجنرالات الإسرائيليين الذي قال ان على الحكومة الإسرائيلية المساعدة في بناء ميناء في غزة وعندما سأله البعض مستغربا من هذا التصريح قال بالحرف الواحد قد يأخذ بناء الميناء بضع سنوات وإذا ما أردنا تدميره فان ذلك لن يأخذ منا سوى بضعة دقائق باستخدام سلاح الجو الإسرائيلي. ان ظهور اردوغان بمظهر المدافع عن الشعب الفلسطيني لهو مسرحية وخدعة كبرى لا تنطلي الا على من هم من البسطاء اللذين تبهرهم المظاهر ولا يريدون الغوص في بواطن الأمور وخفاياها. أما السعودية ممثلة بآل سعود وليس بالشعب السعودي فان تآمرهم على القضية الفلسطينية لم ينقطع ولسنا بصدد سرد هذا الملف بل نكتفي هنا بما يصرح به الإسرائيليون ووسائل اعلامهم وبشكل قد يكون يوميا حول العلاقات الدافئة بين آل سعود والكيان الإسرائيلي وعن زيارات متبادلة وعلى مستويات رفيعة بين الطرفين. وربما ظهر هذا التنسيق والترابط بين الطرفين بشكل واضح بما يخص الملف النووي الإيراني وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والعمل على حرف بوصلة الصراع باعتبار ان العدو الرئيسي أصبحت إيران وليس الكيان الصهيوني الغاصب. ولقد استطاع آل سعود ومن خلال دفع المليارات هنا وهناك من شراء ذمم بعض القيادات السياسية في الدول العربية والإسلامية الى جانب استخدام ضخ اعلامي موسع ومكثف ومبرمج الى اثارة النعرات الطائفية والمذهبية بحيث انه أحدث شرخا واضحا بين المذاهب على الرغم من ان طبيعة الصراعات والخلافات هي في جوهرها سياسية بالدرجة الأولى. وكان من الطبيعي ضمن هذه الجو المسموم ان نجد ان الكثيرون للأسف قد انجروا وراء هذا الصراع المذهبي المقيت، وأصبحت وسائل الاعلام الصفراء الإقليمية والدولية تكرر عبارة الصراع بين السنة والشيعة لتؤجج الحساسيات الطائفية والمذهبية وتصور الصراع السياسي القائم في المنطقة على انه صراع ديني. والان يعود آل سعود لطرح "المبادرة العربية للسلام" واعتبارها المرجع المعتمد من قبل النظام العربي الرسمي المتخاذل لحل الصراع العربي الإسرائيلي. تلك المبادرة التي كتبت بأيدي أمريكية وقدمت على انها مبادرة من قبل السعودية في مؤتمر القمة العربية التي عقد في بيروت عام 2002 والتي رفضتها الحكومة الإسرائيلية آنذاك مع انها من الناحية العملية الغت حق العودة للاجئين الفلسطينيين بالرغم من الديباجات التي قدمت وحتى من أطراف فلسطينية متنفذة التي حاولت ان تحسين الوجه القبيح لمثل هذه المبادرة. وحتى بعض القيادات في الكيان الصهيوني أصبحت تتحدث عن احياء هذه المبادرة بعد اجراء التعديلات عليها. وبالطبع فان الكيان الصهيوني يشعر بكثير من الاريحية الان وهو يرى مصالحه الإقليمية بدأت تتقاطع مع مصالح النظام العربي الرسمي فيما يخص بتحويل بوصلة الصراع واعتبار إيران وليس إسرائيل هي الدولة العدوة. وللأسف الشديد فأن هنالك أطراف فلسطينية متنفذة على استعداد للتساوق والتناغم مع طرح آل سعود بالنسبة لما قد يكون عليه حل القضية الفلسطينية بالإضافة الى اعتبار إيران دولة عدوة "تتدخل" في الشؤون العربية. والأدلة والمؤشرات على هذا كثيرة جدا. فالسلطة الفلسطينية تؤيد العدوان العسكري الذي تقوده السعودية على الشعب اليمني. ولقد رأينا السفير الفلسطيني لدولة الامارات يذهب ليعزي بسقوط قتلى من جنود الاماراتيين الذين شكلوا الجزء الأكبر من القوات الغازية للأراضي اليمنية. ورأينا "السفير" الفلسطيني في الرياض يتحدث عن احباط محاولة لإيجاد "فصائل تخريبية" في الضفة. وفي تصريح له نشر في جريدة الشرق الأوسط السعودية قال السفير السيد الاغا أن "إيران على مدى تاريخها لم تبنِ مدرسة أو مستشفى في أي مدينة فلسطينية، بل سعت لإذكاء التفرقة، ومحاولة السيطرة على القرار السياسي، وأخرجت للساحة أخيراً فصيل الصابرين في قطاع غزة، كي يتحرك لخدمة مخططها هناك، الذي يطال أمن مصر"، مشيراً إلى أنهم "خططوا أيضاً لصنع فصائل تخريبية في الضفة الغربية لكنهم فشلوا" ( صحيفة دنيا الوطن 01 04 2016 ). الى هذه الدرجة من الصفاقة السياسية وصلنا لنردد ما يقوله آل سعود من أجل حفنة من الدولارات. وهذا طبعا ليس مستغربا ونحن نرى رأس هرم السلطة الفلسطينية يصرح باننا مع السعودية بكل ما تفعله لأنه صحيح. وما يدور من الاعتداءات على مخيم اليرموك في دمشق لتفريغه من سكانه دار ويدور أيضا في المخيمات الفلسطينية المتواجدة على الأراضي اللبنانية، وان كانت الأهداف أكثر تعقيدا وتشابكا ربما من تلك التي تدور على الساحة السورية. وفي الأيام القليلة الماضية تم اغتيال العميد فتحي زيدان المنتمي الى حركة فتح في مخيم عين الحلوة بسيارة مفخخة. وعلى الرغم من ان التحقيقات ما زالت مستمرة الا ان أصابع الاتهام موجهة الى التيارات السلفية الجهادية مثل تنظيم "فتح الإسلام" وهو تنظيم موال للقاعدة وأصبح يتخذ من عين الحلوة مقرا له بعد احداث مخيم نهر البارد 2007 عندما حدثت اشتباكات بين عناصر التنظيم والجيش اللبناني وتم تدمير أجزاء كبيرة من المخيم والتي لم يتم تعمير العديد منها لغاية الان. ومع ان الكثيرون ذهبوا الى الاعتقاد من أن حادث الاغتيال قد يكون نابع من عمليات تصفية حسابات بين التنظيمات السلفية وفصائل المقاومة الفلسطينية الا أنه من الضروري رؤية الامر بشكل أوسع وربطه بما يدور على الساحة اللبنانية والسورية وبشكل أشمل على ما يدور من صراعات في الإقليم. فتنظيم "فتح الإسلام" الذي تسلل الى نهر البارد وهو احدى التيارات السلفية الجهادية كان تيارا ممولا ومدعوما من قبل السعودية وكذلك جماعة الشيخ الأسير التي عاثت في طرابلس الفوضى واقامت مربعها الأمني قبل ان يتم القضاء على الظاهرة على ايدي الجيش اللبناني وقام الأسير مع افراد من مجموعته الى الهروب واللجوء الى مخيم عين الحلوة بحسب بعض التقارير الإخبارية آنذاك هي أيضا جماعة كانت لها ارتباطات بالمخابرات السعودية التي كانت تمولها مع وجود غطاء سياسي لبناني لها. بمعنى ان المخيمات الفلسطينية أصبحت ملاذا لهذه المجموعات الإرهابية التكفيرية التي بدأت تتنامى داخل المخيمات الفلسطينية مثل مخيم عين الحلوة وتفرض مربعاتها الأمنية. ولقد ازدادت الأوضاع الأمنية سوء داخل المخيمات مع بدء الازمة السورية وانقسام المجموعات والفصائل الى مؤيد ومعارض وقام البعض بالاشتراك الفعلي في الصراع الدائر في سوريا بانضمامه الى المجموعات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري. ان ادخال هذه المجموعات الإرهابية التكفيرية الى الساحة اللبنانية ودعمها تم منذ فترة طويلة وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعدم تمكنه من القضاء على المقاومة التي صمدت صمودا اسطوريا وكبدت العدو الصهيوني خسائر كبيرة واجبرته على إيقاف عدوانه دون ان يتمكن من تحقيق أي من أهدافه السياسية التي وضعها منذ بداية عدوانه. وكان المعول على هذه المجموعات الإرهابية خلق نوع من عدم الاستقرار في لبنان وخاصة في طرابلس وصيدا بالإضافة الى المخيمات الفلسطينية وذلك لتحقيق هدفين أساسيين أولهما هو جر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله الى حروب جانبية وإنهاك قواه على الساحة اللبنانية خدمة للمصالح الإسرائيلية ومحاولة زعزعت محور المقاومة. ولقد عبر عن هذا بشكل واضح أمير الارهاب بندر بن سلطان الذي تسلم الملف السوري بعدما فشلت قطر وتركيا من اسقاط النظام السوري والدولة السورية من خلال ادواتهم من المجموعات الإرهابية. فقد قام بتهديد حزب الله واشعال نار الفتنة في لبنان وتدمير البلد في حالة مشاركة حزب الله في المعارك في القلمون مع "جيش الإسلام" الذي انشاته ومولته السعودية للقتال على الساحة السورية ضد الدولة السورية. وانه من الطبيعي ان اية احتكاكات بين هذه المجموعات الإرهابية والفصائل الفلسطينية داخل المخيمات قد تؤدي الى دمار مثل ذلك الذي شهدناه في مخيم اليرموك. أن الأوضاع المتوترة في هذا المخيم والتي هي ليست بجديدة توحي بالانفجار ربما بعد ان تتسلم هذه العناصر الإرهابية الإشارة من الدول الإقليمية المشغلة لها والتي تعمل على تفجير الأوضاع في المخيمات الفلسطينية وتهجير قاطنيها تمهيدا لتمرير المبادرات لتصفية قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين والقضية برمتها. كل هذه الاحداث تأتي متزامنة مع تقليص الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الى سكان المخيمات الفلسطينية لتزيد من سوء الأوضاع المعيشية لسكان هذه المخيمات والضغط عليهم ومن خلال اغراءات التي تقدمها بعض المؤسسات المشبوهة للتفكير جديا بترك المخيم والهجرة الى الخارج. نختم بالقول ان الهجمة التي تقودها قوى إقليمية خدمة للمخططات الصهيو-أمريكية في المنطقة لا تستثني التواجد الفلسطيني في ارض الشتات وخاصة المخيمات الفلسطينية وهذا جانب رئيس من التآمر على الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة. ومن الضروري التنبه الى المحاولات المشبوهة المغلفة بالطابع الإنساني الخادع من قبل بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا التي تسعى بالتنسيق مع الكيان الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية لصالح هذا الكيان.
bahij.sakakini@gmail.com