بقلم: أشرف الفائز
ليست المسألة تخوفات مبالغ فيها، بل حقائق وأوضاع تتراكم، وتنذر بالأخطر.. صحيح أن الشارع المصري اليوم، مليء بجماعات وحركات لا تشارك المصريين الهم الوطني (وأولهم الإخوان عملاء السعودية القدامى وقطر مؤخرًا)، لكن ما لا يمكن إغفاله أن نظام السيسي لو سار على هذا المنوال فلن يترك حتى لخصومه ما يتآمرون به عليه، وسينفذ بيديه المؤامرة كاملة.
ولكن هل تتركه المؤسسة العسكرية؟
لا نظن، لكن يبدو أن حجم الضغوط الإقليمية والخارجية التي تتعرض لها الدولة، كبيرة، فـ"السعودية" تلوح بداعش من جهة وقطع الإمدادات الاقتصادية من جهة ثانية، وإمكانية دعم غريم السيسي اللواء المرضي عنه من أمريكيًا سامي عنان، وكانت قد استقبلته من مدة، من جهة ثالثة؛ والطرف (الإسرائيلي الأوروبي ) يلوح بحصار محكم على النظام إن لم يتخذ قرار السير وفق المخطط.
إذن على ماذا يعتمد الجيش في تعطيله للمخطط، و"فرملة" حجم التنازلات، وإيقاف قطار الضغوطات؟
الإجابة، على: الرأي العام.. الرأي العام المحتج اليوم والثائر في الميادين هو سند المؤسسات الوطنية، في معركتها من أجل الحفاظ على ما تبقى من أرض ووجود ومستقبل الوطن؛ أو هكذا نتوقع.
صفقة الجزيرتان
خاطئون، من تناولوا قضية الجزيرتين، من "ثقب" الملكية والخرائط والاتفاقات الدولية، والتي طبعًا تؤكد ليس تبعية الجزيرتين وحدهما إلى مصر بل منطقة تبوك ذاتها، لكن الحقيقة أن كل ذلك لا يعني شيئًا، لو كانت السعودية اليوم، قد ألقت عن كاهلها مهمة خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، وتخلت عن وظيفتها القديمة.. لكن الحقيقة أن السعودية لم تتخلَّ عنها، ولا يبدو أن هذا وارد على يد أي من ملوكها!.. المهم، أن انتقال الجزيرتين، يعني اليوم إمساك السعودية وحليفتها "إسرائيل" بخليج العقبة، وهذا يعني بالتبعية أمرين:
الأول: أن الجيش المصري لم تعد له سيادة كاملة على المضيق (طبعا مع الالتفات لوجود قوات دولية)، لكن ما نعنيه، هو حتى السيادة الاسمية، ومعنى ذلك أن مصر لم تعد تملك الاحتجاج على ما يغضبها، وأول ما سيغضبها، هو القناة الجديدة التي تشرع "إسرائيل" في تمديدها.
ومشروع القناة الإسرائيلة التي يطلق عليها مجازًا " suez israel canal (وهو ذاته الاسم الذي من الممكن أن تبحثون به في جوجل لمزيد من الأخبار).. قد بدأ في العام 2014، بإنشاء وتوسعة موانيء "تل أبيب"، ويفترض أن يتم ربط موانيء إسرائيل على ساحل المتوسط مع ميناءها بإيلات (التي هي قرية مصرية محتلة) عبر خط سكة حديد، ينقل البضائع بين السفن التي ترسو على المينائين، لكن في 2015، بدأ الحديث عن شق قناة ملاحية بين عسقلان وإيلات، وتوسيع المشروع، واستبدال القطار بالمياه، وتم الحديث عن مميزاتها عن قناة السويس، كونها ستكون أقصر وأحدث!.
كانت مصر تملك فيما مضى، يوم أن كان المضيق في حيازتها (ولو اسميًا) المناكفة، أما اليوم فاقرأوا على روحها الفاتحة، أو كما نقول نحن المصريون "لقد انتهى كل شيء"!.
لكن هل تظن الأمر يقف عند ذلك؟
لا.. لأن مفكرين إسرائيلين، قد خططوا منذ 2015، استرضاء مصر في هذا المشروع بتحويل شرم الشيخ السياحية، إلى ميناء يقدم الخدمات التي ستمر في القناة الصهيونية، وعند ربط ذلك بتفجير الطائرة الروسية، والذي تأكدت أجهزة المخابرات المصرية والكي جي بي، بتورط دولة خليجية " السعودية!" فيه، تصبح الرؤية مكتملة.
الثاني: أنه في 2015، صرحت دوائر عسكرية إسرائيلية، أن السعودية قد تعهدت بإفساح مجالها الجوي أمام الطيران الاسرائيلي، في حال احتاج الأمر لشن حرب مشتركة ضد إيران، لكن السعودية التي تعاونت مع اسرائيل من قبل ضد عبدالناصر وثوار اليمن في (62- 67) تجد حرجًا في فتح قناة اتصال صريحة، ومن هنا، تأتي اهمية الجزيرتين، كونها تظهر السعودية وكأنها "متورطة" أمام شعبها في التحاور مع إسرائيل!.
وهذا ما يفتح الأبواب على مصراعيها للتعاون بين الكيانين!، خاصة وأن الشعب العربي قد استأنس "صهونيًا" بدرجة ما، ولم تعد قضة "إسرائيل" تعنيه.. وقد مرر أحد المؤرخين المعورفين، وهو عاصم الدسوقي، وفي التليفزيون المصري الرسمي، إشارات لذلك، رغم ذلك لم ينتبه إليه أحد!!، وانشغل المشاهدون بحديثة عن سعودية الجزيرتين، ولم تنتبه للقضية سوى جريدة الإهرام المصرية، والتي عنونت تصريحات الدسوقي بـ "إسرائيل كلمة السر في الاتفاق".
على كل فلم يعد خافيًا، أن الاتفاق قد تم بمشاركة من أطراف أربعة هم (السعودية – أمريكا – إسرائيل - ومصر)، وذهبت الصحافة الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل تستغل هلع السعودية بسبب نية أمريكا الانسحاب من المنطقة، والذي يتزامن مع الشمروع النووي الإيراني، وتحاول تسويق نفسها كحامية لملك أبناء سعود، وتقود تحالف من الدول المعتدلة، "تتجرجر" إليه مصر.
أما على الهامش: فقد استفاد محمد بن سلمان وفريقه، في تسويق قضية جزر خليج العقبة، شعبيًا، وقدمه إعلامه على أنه "سوبر مان" السعودية، الذي يجلب لها حقوقها ويرغم دولة بحجم مصر على الإتيان راكعة!، وهذا مفيد جدًا للأمير الشاب، الذي يواجه بفشل في ملفات كاليمن، ومهم جدًا في إطار الصراع العائلي، على الحكم (فهل هذا واضح؟)!.
التوطين في سيناء
بحسب مراقبين، فإن نجاح النظام في تمرير قضية الجزيرتين، سيضعف موقف المخابرات المصرية الرافض لسعودة الجزيرتين، والأهم لتوطين الفلسطينين في سيناء.. بل سيضعف موقف النظام نفسه في مناورته مع الخارج الغربي وإسرائيل.
قصة التوطين، تترد من مدة في الإعلام الإسرائيلي، وقد التقطت أخبارها بعض الصحف العالمية، وعدد من الجرائد المعارضة للنظام في مصر، لكنها لم تعطها الاهتمام الكافي... والحقيقة، أن هذا العرض ليس جديدًا، وهو قائم منذ الخمسينات، وكان عبدالناصر قد رفضه في 53 (يسمى بمشروع جونسون) بعد احتجاجات شعبية غزاوية فلسطينية رفضت التفريط في أرضها أو الاستعاضة عنها بغيرها، وأيدت مصر احتجاجات الفلسطينين الذين أرداوا الحفاظ على أراضيهم، وبقاء قضيتهم.. ثم حاولت إسرائيل أثناء احتلالها لسيناء، لكن المشكلة الغزاوية لم تكن تعقدت كما هي اليوم، فلم تكن حريصة، ثم عادت إسرائيل، وكررت العرض على مبارك، وألحت في الطلب، في 2004، لكن مبارك والمخابرات وجدوا طرق للخروج من الضغوط، سواء بالاتكاء على الرفض الشعبي لإسرائيل، أو عبر ورقة الأنفاق التي كانت ترعاها المخابرات، وتمرر منها (دون تورط مباشر، بإغماض العين) أسلحة (بحساب) للمقاومة الفلسطينية، وتناور بها مع إسرائيل، تعطلها وقتما تريد، وتفرج عنها وقتما تريد، بحسب مصلحة الدولة المصرية، وليس انطلاقا من عقيدة داعمة للمقاومة.
على كل، تغيرت الأحوال الآن، والدولة صارت أضعف، كما أن الجنرال السيسي، يحظى بشعبية تجعله يمرر ما يريد، ويبدو أن شعبيته قد تحولت وبالا عليه، عند مفاوضته مع الاسرائيلين، حيث يضغطون عليه بهذه الورقة، باعتبار أن الأجواء مهيأة لرغباتهم، ولا يمكنه المناورة كما كان يفعل مبارك، أو كما كانت تشير عليه مخابراته.
ويبدو أن الهوة آخذة في الاتساع بين الأجنحة داخل النظام المصري، خاصة بعد أن استشعرت، ما يحلو للخبراء تسميته بـ"الدولة العميقة" أن ما أزاحوا شديد البلاهة "محمد مرسي" عن الحكم بسببه، يتكرر هو نفسه على يد الجنرال، وأن كل خصومهم من رموز يناير، وجدت ما تعود به إلى المشهد.
عدد من الصفحات والأفراد القريبين من الجنرال الراحل عمر سليمان، مثل سامح أبو عرايس، والذي يعبد معبودًا خاصًا يسميه "حورس"، تحدث وبكل قوة عن رفض التفريط في الجزيرتين، وهذا إلى حد ما يعكس رأي جناح داخل الدولة يرفض ما يحدث، ويشم رائحة الخطر،وطبعًا ليس "أبو عرايس" وحده، ولكن هناك طابور طويل، يفهم منه ذلك.. وهذا طبعًأ، يختلف عن جناح الإمارات الرافض لذات المسألة، والذي ينطلق من أرضية مختلفة تتعلق بصراع السعودية والإمارات على حقل المناطق الحدودية، والمساحة التي يحتلها كل طرف في الجزيرة العربية، ووجدت الخلافات طريقها إلى مصر، عبر الأموال.. ويتزعم فريق الإمارات (احمد شفيق وسمير غطاس وتوفيق عكاشة... وآخرون)
بالعودة إلى قضية التوطين، فإسرائيل، لم تنس الرأي العام المصري، وستقدم له ما يبرر به فعلة رئيسه، بالضبط كما جرى في موضوع الجزيرتين، فالدولة المصرية ستقدم أكثر من 700 كم2 من شمال شرق سيناء (30 كم طولا، وأكثر من 20 كم عرضًا بمحازاة الساحل)، وإسرائيل ستعطي لمصر حوالي 600 كم2 في صحراء النقب، منزوعين السيادة، كما ستسمح له بمزيد من التواجد في المنطقة c وهي التي يمتنع عليه التواجد فيها بموجب اتفاقية السلام.. وهذه مبررات سيعمل عليها إعلام نظام السيسي، في محاولة لتبرير القضية.
أما فلسطين الضفة الغربية، فسيتم الضغط على أبومازن (وهو لديه قابلية من الأصل للانضغاط) للصمت تمامًا، على الحديث عن حدود 67، وسيتمتع بسيادة على بعض المدن، لكن يبدو أن عدد من الأطراف داخل السلطة الفلسطينية، وربما بتحريض مخابراتي مصري، تحرض "أبو مازن" على عدم القبول.. وهذا ما لا نعلم تفاصيله. تيران وصنافير.. خطوة توطين الفلسطينين بسيناء
2016-04-19