في خضم الأحداث المتلاحقة وتطورات الإقليم من حولنا بعد هبوب رياح الخريف العربي بكل مجرياته المتوالية وما عصف بالإقليم من أحداث ينسي المرء أحيانا توجيه الشكر لمن يستحقه، فمصر التي ما انفكّت تناصر قضية الشعب العربي بفلسطين فقدمت التضحيات الجسام من خيرة شباب أبنائها بمعارك التحرير منذ نشأة الاحتلال واغتصابه للأرض العربية ، فكانت حروب العرب التي تزعمتها مصر بالعام 1948 ضد العصابات الصهيونية المسلحة في فلسطين و العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 و نكسة 1967 و حرب الاستنزاف التي استمرت بعد النكسة لعدة أعوام وحرب أكتوبر المجيدة لعام 1973 ؛ فقدمت مصر كوكبة من الشهداء الأبرار ما زالت دمائهم الزكية تعطر الأرض الفلسطينية برائحة المسك وشواهد قبورهم شهادة حية علي التضحية والفداء من اجل فلسطين، ومازالت أثار تلك الحروب التي خاضتها مصر من اجل فلسطين تئن بوطأتها الشديدة علي الاقتصاد المصري إلي يومنا هذا .
وتمر مصر حاليا بمرحلة صعبة أراد المتربصون بها أن يشغلوها بنفسها عن قضايا الأمة العربية وهي التي طالما تزعمت وساندت حركات التحرر العربي والإفريقي من الاستعمار ؛ ولان مصر بشخصيتها الإقليمية هي قلب ورأس الأمة كانت المؤامرة علي قدر حجمها فإذا _لا قدر الله _فرغوا من مصر سّهل عليهم غيرها إلا أن الأمة المصرية بكافة مكوناتها وفئاتها وجيشها قادرة بإذن الله علي تحطيم تلك المؤامرة والنهوض مجددا لريادة الإقليم ؛ وقد لخص الراحل العظيم الدكتور جمال حمدان العلاقة بين مصر وفلسطين في كتابه الشهير «شخصية مصر- دراسة فى عبقرية المكان» بقوله: «إذا كانت القيادة والزعامة مسئولية تمارس وواجباً يحقق، فلعل الاختبار النهائي لزعامة مصر يرفد من أن ترتقى إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب. وإذا صح أن نقول إنه لا وحدة للعرب بغير زعامة مصر، فربما صح أن نقول إنه لا زعامة لمصر بين العرب بغير استردادها فلسطين للعرب».
وتاريخيا فان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أول من دعي إلي إنشاء كيان فلسطيني، غايته: "مواجهة نشاط إسرائيل لتصفية المشكلة الفلسطينية وإضاعة حقوق شعب فلسطين". و إبراز الشخصية الفلسطينية فكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ووصف الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطيني ذلك بقوله: إنه "لولا الجمهورية العربية المتحدة، ولولا الرئيس عبدالناصر بالذات، لما قامت منظمة التحرير الفلسطينية"فقد قدمت مصر كلَّ التسهيلات اللازمة لقيام المنظمة،و استعدت بلاده لتقديم كلَّ شيء لدعم المنظمة. وكان أبرز الإسهامات: إقامة جيش التحرير الفلسطيني في قطاع غزة، بل إن مصر في عهد الملكية أرسلت جيشها رسمياً للاشتراك في الحرب بفلسطين فسافر جمال عبدالناصر في 16 مايو 1948ليقاتل ويجرح مرتين أثناء حرب فلسطين و يمنح نيشان "النجمة العسكرية" في عام 1949لشجاعته ،واستمر دعم مصر للقضية الفلسطينية في عهد كل الزعامات الرئاسية التي توالت علي حكم مصر ؛ وأكثر النخب الفلسطينية الموجودة علي الساحة الفلسطينية قد تعلموا بجامعات مصر بعهد عبد الناصر والذي ساوي بين المصري والفلسطيني في التعليم والتوظيف الحكومي ورسوم المعاملات أمام الجهات الرسمية والي غير ذلك ؛ولن ابالغ اذا ما قلت ان عبدالناصرالزعيم المحبوب قد مات وهو يدافع عن فلسطين بسبب الجهد الخرافي الذي بذله لكي يتوسط لوقف إطلاق النار بين ياسر عرفات والملك حسين عاهل الأردن في القمة العربية الطارئة في القاهرة بالعام 1970، وتوفي بعدها الزعيم ناصر مباشرة في اقل من 24 ساعة .
. واستمر هذه العلاقة المتينة بين مصر وفلسطين حتي أوائل الزعيم الراحل السادات والتي توترت فيه العلاقة قليلا بسبب اغتيال يوسف السباعي في قبرص وتداعيات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وتخلف القيادة الفلسطينية عن ركب كامب ديفيد ومع ذلك فأن سحابة الصيف تلك ما لبثت أن انقشعت وزالت بسبب أواصر الأخوة العربية فلا حرب أو سلم بدون مصر وهي معادلة وعاها جيدا الراحل عرفات الذي دائما كان يردد انه فلسطيني مصري الهوى .
وبذلت مصر في عهد الرئيس الأسبق مبارك جهودا خارقة في أعقاب حرب لبنان والاجتياح الإسرائيلي لبيروت بالعام 1982وأستضافت الجرحى بالقاهرة لعلاجهم وظهر الرئيس الراحل عرفات فجاءه بالقاهرة في ضيافة الرئيس مبارك بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية بموجب اتفاق فيليب حليب المبعوث الأمريكي في حينه وكان هذا الظهور مفاجئا لقوي الثورة الفلسطينية اليسارية التي انتقدته انحيازا لسوريا التي توترت علاقتها مع مصر بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بالعام 1978 والمقاطعة العربية بعدها ؛ولن أطيل في العلاقة الإستراتيجية بين مصر وفلسطين ومسئوليتها التاريخية عن فلسطين وادارتها لقطاع غزة ونتذكر كيف أعلن الرئيس مبارك في عيد الشرطة المصرية انه لن يسمح بتجويع غزة بالعام 2008 عند اجتياز الفلسطينيين للحدود بفعل الحصار الخانق الإسرائيلي وسماح الأجهزة الأمنية السيادية المصرية لحركة العبور علي الحدود لعدة أيام بفعل النداء الإنساني لأهل القطاع ، ومصر هي التي استطاعت بعد كل عدوان إسرائيلي إن توقف الحرب علي غزة بالعام 2008 و 2012و2014 وتجبر الاحتلال الإسرائيلي علي عدم التمادي وذلك بعد أن تستضيف مصر مباحثات وقف إطلاق النار بين القوي الفلسطينية والاحتلال بحكم دورها الأساس بالمنطقة و القرب الجغرافي مع قطاع غزة حيث البوابة الشرقية لمصر.
وبعد قيام ثورة25 يناير2011 وثورة يونيوا2013 لم تنسي مصر القضية الفلسطينية بالرغم من مضاعفات تلك الثورتين فكان اللقاء الأول للمشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري للرئيس أبو مازن وما حمله ذلك من دلالة واضحة علي اهمية فلسطين وقضيتها للقادة المصريين بالرغم من تسابق الرؤساء والملوك والأمراء بعد الثورة المصرية للقاء المشيرالمصري أَوَّلا .
ومن الظلم والإجحاف وعدم الإنصاف الحكم علي العلاقة الاسترايجية بين مصر وفلسطين من خلال بوابة معبر رفح التي تحكمه اتفاقيات دولية بالعام 2005 والتي طالمت نادت مصر بعهد الرئيس مبارك والرئيس السيسي أن يأتي الفلسطينيين موحدين ويأخذوا معبرهم ، ولا شك أن الانقسام الفلسطيني والإرهاب الذي يضرب جوانب سيناء القي بظلاله علي فتح أو إغلاق تلك البوابة المشتركة ، وتراعي مصر بالرغم من ذلك فتحه كلما سنحت الفرصة لعبور الحالات الإنسانية والمرضية .
ويسجل لمصر أنها الدولة الوحيدة من دول الطوق التي لم تتورط بسجالات أو معارك فرعية مع الثورة الفلسطينية ؛ كما أنها لم تعمل علي إنشاء فصيل سياسي أو حزبي موال لها وإنما كانت دائما ترعي الكل الفلسطيني وحريصة علي توحيد صفوفهم ولم شملهم وهي التي استضافت وما زالت حوارات المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين فكانت اتفاقية القاهرة للمصالحة الوطنية الفلسطينية عام2011 .
إن فلسطين هي بوابة مصر الشرقية و أرتبط تاريخها بتاريخ مصر أكثر من ارتباطه بتاريخ أي قطر من الأقطار التي تجاورها منذ الأزل والعلاقة بين الشعبين المصري والفلسطيني وثيقة وممتدة يجمعهما التاريخ والجغرافيا وهي علاقة عمدت بالدم الذي امتزج دفاعاً عن الأرض ومن خلال المصاهرة والنسب علي مر السنين والعصور فحقائق التاريخ والجغرافيا لا يختلف عليها اثنان فعاشت مصر وعاشت فلسطين وشكرا لمصر شعبا وقيادة.
شكرا مصر!!
2016-04-26
بقلم: حسام الكحلوت