سورية اليوم تحدد النظام الإقليمي الجديد وتعيد رسم خارطته السياسية، ومعركة حلب ھي التي تحدد مستقبل سورية وترسم خارطتھا، إذ أكد الرئيس الأسد في مقابلة لوكالة فرانس برس إن المعركة الأساسية في حلب هدفها قطع الطريق بين حلب وتركيا وليس السيطرة على المدينة بحد ذاتها، وأوضح أن المعركة في حلب ليست معركة إستعادة حلب لأننا كدولة موجودون فيها، مشيراً إلى أن تركيا هي الطريق الأساسي للإمداد الآن بالنسبة للإرهابيين.
تمثل حلب نقطة هامة نحو طموح إستراتيجي رئيسي لدى تركيا، يتمثل في فرض منطقة عازلة شمال سورية، كونها ستتمكن في حال تنفيذها بالسيطرة شبه الكاملة على منطقة الشمال السوري، مما يمكنها من تهديد الحزام الكردي في الشمال السوري، وتحجيم قدرته العسكرية قبل أن يتحول لتهديد حقيقي واسع نتيجة قربه من التركبية الكردية داخل تركيا، خصوصاً بعد التقارب الروسي الكردي من جهة، ومن داخل تركيا نفسها من جهة أخرى، ولعل السؤال المهم هنا، هل حقا باتت تركيا مستعدة للتدخل العسكري في سورية؟.
تركيا لها أهداف محددة وجميعها لتحقيق مصالحها فقط، لكنها على الجانب الآخر لا تريد القتال والدخول في مستنقع الصراع في سورية وهى تعلم تماماً أنها تجر إلى الحرب، فإذا فكرت تركيا في تدخل عسكري سيكون من أجل تأمين حدودها، بالتالي تخشى من إنعكاس الصعود الكردي في سورية على وضع قضيتها الكردية في الداخل خاصة في ظل تعثر عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، ويتزامن ذلك مع إستئناف التراشق التركي- الروسي- الإيراني حول إحتمال التدخل البري في الشمال السوري، فجاء رد رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف أنه: " لا أحد يرغب في إندلاع حرب جديدة، وان عملية برية ستقود إلى حرب شاملة وطويلة"، أما طهران فقد حذرت تركيا من مغبة إرسال قوات إلى سورية، وقال نائب رئيس ھيئة الأركان الإيرانية العميد جزائري "نحن لن نسمح أبداً بأن تسير الأمور في سورية كما تريده الدول الشريرة التي تريد تنفيذ سياساتھا، وسنتخذ الإجراءات اللازمة في حينھا".
من الواضح أن تركيا وحلفاؤها باتوا يعوّلون على معركة حلب، كبوابة عبور للإخلال بالتوازن مع قوات الجيش السوري وحلفاؤه، حيث يحاولون إستباق الظروف وتجاوز كل التفاهمات والإتفاقيات الخاصة بوقف الأعمال العدائية، وإطلاق معركة الإستيلاء على حلب وصولاً إلى فرض تسوية وفق منهج الركوع، فما شهدته حلب خلال الأيام الماضية كان عنوانه الأساسي تنفيذ الخطة "ب" إذ أوكلت أمريكا مهمة تنفيذها الى تركيا بتنفيذ جزء منها على قاعدة التفاوض تحت النار من أجل دفع سورية الى التنازل والإستسلام، وضم هذه المدينة الى تركيا، لذلك بذلت تركيا جھوداً كبيرة لفرض منطقة آمنة قي الشمال السوري، وترجم التھديد التركي على الأرض بعمليات قصف مدفعي ورفع حجم ومستوى المساعدة العسكرية للمجموعات المسلحة وتعزيز قدرات الجماعات الارهابية بشتى أنواع الأسلحة والتدريبات بما يفضي الى تمكينهم من إمتلاك زمام المبادرة في الميدان وتعويض الخسائر التي تكبدوها خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، فضلاً عن كسب الوقت لإجهاض إنجازات الميدان للجيش العربي السوري، بشكل يمكّن تركيا من فرض الشروط التي تناسبها، وبذلك تكتسب معركة الإستيلاء على مدينة حلب أهمية قصوى لكل الأطراف الإقليمية والدولية المتصارعة، فتداعيات هذه المعركة لن تقف عند تحديد دفة الصراع ووجهته بين المجموعات المسلحة والجيش السوري فحسب، بل ستتجاوز ذلك إلى التأثير المباشر على العديد من المعادلات الإقليمية الحساسة في المنطقة.
شك أن العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري وحلفاؤه في الشمال هي بالغة الأهمية من حيث توقيتها، وتؤكد على جهوزية الجيش السوري للتحرك على مختلف الأراضي السورية، وتدحض كل الأقاويل التي تتحدث عن إستنزافه بعد مضي أكثر من خمس سنوات على بدء الأزمة، وبالتالي فإن تقدم الجيش السوري وحلفاؤه في مختلف المناطق السورية، شكّل ضربة قوية للدور التركي في سورية فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة لأن إيران لن تسمح لتركيا بالدخول إلى سورية مهما كلف الأمر، وكذلك روسيا هي الأخرى ستبذل كل ما بوسعها لدعم الجيش السوري بالأسلحة والعتاد، في هذا الإطار تعتبر معركة حلب معركة حاسمة بالنسبة لجميع الأطراف ونتائجها ستنعكس بشكل كبير على نتائج المفاوضات السياسية، و كذلك على مستقبل سورية، فإضعاف الجيش السوري وحلفاؤه للمجموعات المسلحة يعني المزيد من التنازلات على طاولات المفاوضات وفقدانها لأبرز أوراق اللعبة، أما بالنسبة لتركيا فإن هذه المجموعات هي أملها الوحيد في منع إقامة الدولة الكردية وتقسيم سورية.
مجملاً.... إن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من الشمال السوري لم تكن سارة لتركيا وحلفاؤها، وبإختصار شديد إن تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري.
Khaym1979@yahoo.com