2025-05-30 07:23 ص

دعوا الثَكْلَى وشأنها

2016-05-11
بقلم: حسام الكحلوت
علي اثر واقعة الحرق الأليمة لأطفال في عمر الزهور بمخيم الشاطئ ، تعالت الأصوات شجباً وتنديداً وذهب كلا يرمي بدلوه بالتحليل والتأصيل بالواقعة وأسبابها ومسئولية شركة الكهرباء وكلاً كان يري الأمر من الخانة التي يقف عليها تاطيراً وتحزيباً ، إلي أن ظهرت أصوات بالأعلام تحمل الأم مسئولية ما جري لأبنائها بل وطالب البعض بمحاكمتها علي ما آلت إليه الأمور أسوة بما هو معمول به بالدول الاخري ، وأنا اختلف تماما مع هذه الأصوات غير أن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية ، وطالما نحتكم باختلافنا للرأي للحجة والدليل والبرهان فلا باس بذلك . اولاً كان الله بعون تلك العائلة المكلومة الحزينة والمفجوعة والموجوعة بفقد أبنائها وعظم الله أجرهم ، أما ردّنا لمن تعالت أصواتهم بتحميل المسئولية الجنائية للعائلة نفسها وهكذا هي عادة مجتمعاتنا العربية في تحميل الذنب للضحية ولومّه وترك الجاني يفلت من عقوبته ، فان ما انتهيتم إليه به عوار بيّن بالروية وقصور بادراك أمور القانونية وإنزال الوقائع في غير محلها وتكييف قانوني خالف صحيح القانون بعد لّي نصوص المواد أو كما يقول أهل الفقه قياس مع الفارق . فالفعل الذي يستوجب المسائلة القانونية هو الفعل المجّرم بحد ذاته أو الفعل الذي تكون مالأته خطيرة أو جسيمة أو نتيجته متوقعة في الظرف الطبيعي خطيرة باعتبار ذلك احد أركان الجريمة >الفعل المادي < كأن تسمح الأم أو الأب لابنهما القاصر بإلقاء نفسه من علو أو السباحة في بحر لجي هائج أو تسلق لأعمدة كهرباء للضغط العالي ففي هذه الحالات الفعل خطير ويترتب عليه ضرر، أو هكذا نتيجة متوقعة فهاهنا تكون المسئولية الجنائية وتستوجب إلقاء التهم ، وقد يكون الفعل باعتباره ركنا ماديا للجريمة هو الامتناع سلباً عن القيام بواجب ، كان تمتنع الأم عن إرضاع أطفالها أو إصلاح شانهم فيكونوا عرضة للأمراض الخطيرة والمستوطنة فهنا أيضا تستوجب المسائلة القانونية أي أن الفعل الذي يعد جريمة ما كان ايجابياً بسلوك مادي أو ما كان سلبياً بالامتناع عن الإتيان بفعل أن يعرض حياة الأطفال القصر أو من تعول للخطر؛ والركن الثاني للجريمة أي الركن المعنوي (القصد الجنائي ) منتفي تماماً هنا فكيف نحمل تلك العائلة المكلومة والحزينة المسئولية عن شي لم تقترفه أصلا ... وبهذا التوصيف فانه لا مجال لتلك الأصوات التي نخالفها بالرأي باستنتاجها إلي تحميل العائلة مسئولية وفاة أطفالها ؛ فليست جريمة أن تضئ الأم لأطفالها شمعة لتزيح ظلام حالك خيم و أرعب أولادها القصر ، فلا إضاءة الشمعة جريمة ولا الاتجار بالشمع محرماً وهو يجبيّ عليه ضرائب ومكوس ورسوم . بل سأذهب إلي ابعد من ذلك فرجالات القانون يعرفون نظرية السببية وهي من أهم النظريات القانونية وقد تصدي لها شراح القانون تأصيلاً وتفصيلاً لأهميتها في تحديد الجرم و تبعاته الجنائية وحدود المسئولية الجنائية ؛ وباختصار شديد يُقصد بعلاقة السببية أن النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة ؛وبناء عليه فإن هذه النظرية تعتد بالسبب الأول عادة الذي حرّك التسلسل السببي للأحداث بعد ذلك ، فلولا أن شركة الكهرباء أو الانقسام ما كان قطع الكهرباء و لما كان الحاجة إلي إضاءة الشموع ولما تعرض الأطفال لخطر الحريق الذي زهقت أرواحهم فيه،وحتي لو تعددت الأسباب فان السبب الأقوى هو الأول ، فإذا وجد أكثر من سبب وكان أحداها أقوى من الآخر بحيث كان كافيا لإحداث النتيجة بذاته، فإن علاقة السببية تقوم بينه وبين النتيجة ؛ فإذا أطلق شخص الرصاص على المجني عليه في صدره وأطلق عليه شخص آخر الرصاص نحو كتفه ،نقل إلي المستشفي فكان هناك إهمال طبي من الطبيب المعالج وتفاقم الإصابة ثم اندلع حريق هائل و مدمر ومفاجئ بغرفة المريض مما أدي إلي وفاته حرقاً ... فإن الفعل الأول أقوى في إحداث النتيجة عن الفعل الثاني والثالث والرابع ، وبالتالي يُعتبر الأول مسئولا عن الوفاة دون الآخرين ، مادام لم يثبت توافر المساهمة الإجرامية بينهما؛ وبذلك فأنني اترك للقارئ أن يعمل رأيه فيمن هو السبب القوي الذي أدي إلي وفاة الأطفال الأبرياء.. وأخيرا فلنترحم علي أطفالنا الشهداء ولنترك تلك العائلة المفجوعة بأبنائها في أحزانها و شأنهم ؛ فلَيسَت النائِحةُ الثكلى كالنائحةِ المُستأجَرة وسيأتي يوم الحساب حيث سيسأل المرء حتي عن النقير والقطمير .