قامت الإدارة الامريكية بإرسال 100 جندي من قوات المارينز الى الأراضي اليمنية بحجة مساعدة "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية "لمحاربة الإرهاب" في اليمن من أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكانت الامارات العربية التي شكلت قواتها العسكرية رأس حربة القوات التي ارسلت لغزو الأراضي اليمنية، قد طلبت من الولايات المتحدة التدخل العسكري في اليمن لمساندة هذه القوات في محاربة تنظيم القاعدة في اليمن الذي بدأ يتمدد على الأرضي اليمنية مستغلا حالة عدم الاستقرار والفوضى التي خلقها العدوان السعودي على اليمن. ولقد وصل الحد الى إقامة امارتهم على مساحات واسعة من إقليم حضرموت مع السيطرة على شريط ساحلي يمني يؤهلهم في عمليات التهريب التي تدر عليهم دخلا الى جانب تلك الأموال.
المشهد اليمني والساحة اليمنية لم تكن بحاجة الى مزيد من التعقيدات ومزيد من العقبات تجاه خلق بيئة ملائمة تبعث على الامل بقرب انتهاء الحرب المجرمة على اليمن الذي دمرت مقدراته وبنيته التحتية بالكامل هذا الى جانب عشرات الالاف من مواطنيه الذين ذهبوا ضحية هذا العدوان الهمجي والحصار البري والبحري والجوي الجائر على البلاد الذي وضع أكثر من 12 مليون يمنيا على حافة الهاوية بسبب نقص المواد الغذائية الأساسية.
كما كان الحال مع تنظيم داعش في العراق الذي كان قد انكفأ واصابه الوهن وكان في طريقه الى الاندثار الى أن جاءت الحرب العدوانية على سوريا حيث مكنت له هذه الحرب الكونية على سوريا من إعادة بث الروح في هذا التنظيم الإرهابي التكفيري ونمى وترعرع وأصبح الأداة الضاربة للمشروع الصهيو-أمريكي في منطقتنا، كذلك هو الحال مع تنظيم القاعدة في اليمن الذي أتاح له العدوان السعودي المدعوم أمريكيا على اليمن التمدد والسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية. ولقد حرص "التحالف العربي" تحت القيادة السعودية على عدم استهداف المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم لأنه وببساطة كأن متحالفا وما زال مع القوات الغازية لليمن في القتال ضد الجيش اليمني الشرعي واللجان الشعبية ومقاتلي أنصار الله من الحوثيين. ولقد بينت المعارك التي دارت وما تزال في مدينة تعز ومحيطها أم عناصر القاعدة تقاتل جنبا الى جنب مع القوات السعودية وقوات الرئيس الفار.
الولايات المتحدة التي قامت بإرسال جنود من القوات الخاصة لمساندة القوات الغازية السعودية والاماراتية تحت ذريعة محاربة الارهاب، هي التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تمدد الارهاب من المجموعات القاعدية التكفيرية في اليمن عن طريق دعم العدوان منذ اللحظات الأولى حيث قامت بإنشاء غرفة عمليات مشتركة في الرياض لإدارة الحرب على اليمن. وقامت بتقديم كل الدعم اللوجيستي وتحديد احداثيات المواقع التي قصفت الى جانب المشاركة والاشراف على الحصار البحري على اليمن وكذلك تزويد الطائرات السعودية والاماراتية الغازية بالجو بالوقود لتمكينها بزيادة عدد الغارات التي تشنها في اليمن. كما قامت الولايات المتحدة بتزويد السعودية بكل أنواع الأسلحة ومن ضمنها القنابل العنقودية التي استخدمت ضد المدنيين كما شهدت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية. ومن هنا نقول بأن الولايات المتحدة أسهمت مساهمة ميدانية في التمدد المتسارع لتنظيم القاعدة في اليمن مما أصبح يشكل خطرا حقيقيا ليس على اليمن فحسب بل على الجزيرة العربية بأكملها ان أردنا أن نستثني الخطر الذي يشكله على الدول الأوروبية كما حصل في التفجيرات التي حدثت في باريس على سبيل المثال لا الحصر.
اليوم نرى عودة البساطير الامريكية الى الأراضي اليمنية تحت ذريعة محاربة الإرهاب التي شاركت في نموه من خلال الدعم الكامل للعدوان على اليمن الذي بدء منذ شهر مارس من العام الماضي. الولايات المتحدة تريد ان تبقي على موطىء قدم في اليمن نظرا لأهمية اليمن الجيوسياسية. هذه القوات الخاصة بكامل عتادها وان كانت قليلة العدد فهي تشكل بؤرة للتجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية عن القرن الافريقي بالإضافة الى انها تشكل نواة لتدخل أكبر وأوسع إذا ما لزم الامر.
ارسال قوات أمريكية خاصة تحت ذريعة "محاربة" الإرهاب لا تقتصر على اليمن بل تتعداها الى دول المنطقة أيضا. فقد قامت الإدارة الامريكية بإرسال قوات خاصة ومدربين وخبراء عسكريين الى سوريا مؤخرا أيضا تحت ذريعة محاربة داعش عن طريق الدعم لجزء من المكون الكردي السوري الى جانب قوات سوريا الديمقراطية. وهذه القوات وصلت الى سوريا دون أي ترتيب مسبق مع الدولة السورية وهو ما يشكل خرقا واضحا للسيادة السورية. الولايات المتحدة تتصرف بمنطق القراصنة لتأمين مكان لها ولقواتها على الأرض في محاولة لضمان مصالحها التي تستدعي القضاء أو على الأقل تحجيم الدول الوطنية والتي من الممكن أن تشكل في مرحلة مستقبلية خطرا على مصالحها أو تهدد الكيان الصهيوني التي ترعاه. الإدارة الامريكية التي تدعي "محارب" الإرهاب لا تجد حرجا من التصويت في مجلس الامن الدولي ضد المقترح الروسي من وضع جيش الإسلام واحرار الشام في قائمة المنظمات الإرهابية وتسعى الى وضعهم في قائمة "المعارضة المعتدلة" لا بل وأكثر من ذلك فيه تسعى الى وضع جبهة النصرة القاعدية خارج إطار المجموعات الإرهابية.
وتحت نفس الذريعة نرى تزايد أعداد الجنود الامريكيين من المارينز والقوات ذات المهام الخاصة الى المستشارين العسكريين الى المدربين. وفي معظم الأحيان يتم هذا دون استشارة الحكومة العراقية التي عادة ما تبلغ بقرار الإدارة الامريكية. اليوم نرى ان القوات الامريكية التي خرجت من العراق عام 2011 بدأت تعود ادراجها تدريجيا الى العراق لضبط المسار السياسي في البلاد والتشكيلات الحكومية وبشكل فج ومفضوح. ومن الواضح ان القوات المتواجدة تعمل على تأخير تحرير المدن والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش من قبل الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي. وللأسف ما زالت بعض النخب السياسية تتآمر على الشعب العراقي والدولة العراقية بالتساوق والتناغم مع الإدارة الامريكية وأجندة القوات الامريكية في العراق.
أما ليبيا فحدث ولا حرج فقد تركت المجموعات الإرهابية تسرح وتمرح بها وأسس تنظيم داعش له موطىء قدم هام في ليبيا وسيطر على امتداد واسع من السواحل الليبية والمناطق الغنية بالبترول والمشتقات النفطية والتي يستخدمها في تمويل التنظيم كما هو الحال في سوريا. لقد سمح للتنظيم بالنمو والتمدد تحت أعين الاستخبارات الامريكية والغربية دون التدخل. وكما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق نرى ان الولايات المتحدة تنادي بالتدخل العسكري ولو بقوات صغيرة في ليبيا وهذه القوات متواجدة الان في ليبيا ، أيضا تحت ذريعة محاربة الارهاب. دول المغرب العربي مثل الجزائر وتونس تدرك جيدا ان التدخلات العسكرية الغربية في الساحة الليبية لم يأتي ولن يأتي الا بمزيد من الخراب وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار وغياب أو ضعف السلطة المركزية، وهذه العوامل مجتمعة تشكل التربة المناسبة لنمو مثل هذه الجماعات التكفيرية، ومن ثم فانهم وقفوا ضد التدخل العسكري الغربي في ليبيا.
ولقد صرحت القيادة العسكرية الامريكية في أفريقيا أفروكوم التي تشكلت عام 2007 عن نيتها لنشر قوات أمريكية في دول المغرب العربي "لمحاربة" المجموعات الإرهابية. وهنالك دلائل كثيرة تشير الى امتداد الإرهابيين من ليبيا الى تونس والجزائر. ولقد دللت أحداث مدينة بن قردان التونسية في شهر مارس الماضي على التحضيرات للمجموعات الإرهابية التي أجرتها لإقامة امارة واستخدامها قاعدة للانطلاق الى المناطق الأخرى. الولايات المتحدة تستخدم وتوظف الارهاب التي ساعدت في ايجاده اما مباشرة أو عن طريق ادواتها وحلفائها، فما نراه هو بالأساس مواليد مسخة من النسخة الاصلية التي أوجدوها في أفغانستان في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات الا وهي القاعدة لمحاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان والذي جاء بناء على طلب رسمي من الحكومة الأفغانية الفتية آنذاك.
لقد قامت الإدارة الامريكية بعرض "خدماتها" في محاربة الارهاب في مصر وذلك بالقيام بإرسال قوات خاصة أمريكية وخبراء ومستشارين الى القاهرة، ولكن مصر رفضت هذا الطلب الأمريكي لغاية الان. ولكن الذي يبدو أنه عاجلا أم آجلا ربما ترضخ وخاصة مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في الداخل المصري عدا عما يدور في سيناء التي تبدو وأنها تفرخ الإرهابيين القادمين من المغرب العربي وربما من مناطق أخرى. والمزعج التصريحات الأخيرة التي صدرت من وزارة الخارجية المصرية ان مصر على استعداد للتعاون في مكافحة الارهاب حتى مع "إسرائيل" وهي الدولة التي تمارس كل أنواع الارهاب في فلسطين وتجاهر بعلاقاتها مع المجموعات الارهابية في سوريا وتحتضنهم وتقدم لهم دعما كبيرا في منطقة الجولان السوري المحتل وغيره، ولا يجد المجرم نتنياهو حرجا في زيارة بعض جرحاهم الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية.
ولا بد أن نؤكد هنا ان ارسال قوات خاصة أمريكية هنا وهناك في منطقتنا ليس بالأمر الجديد على هذه الإدارة الامريكية أو غيرها، فهنالك قوات خاصة تعمل في احدى وثمانين دولة في العالم بحسب وول ستريت جورنال الامريكية وهذه القوات تضاعف عددها وزادت ميزانيتها الى خمسة أضعاف منذ عام 2001 ( مؤسسة رون بول 27 ابريل 2015). لقد صرفت الولايات المتحدة ترليونات الدولارات وأزهقت أرواح ربما ما يقارب من 2 مليون انسان في حربها المعلنة على الارهاب. ويحق لكل منا ان يتساءل هل أصبح العالم في وضع أكثر أمنا؟ الاجابة طبعا على هذا السؤال لا، بل زاد الارهاب والعمليات الإرهابية وأصبح الارهاب ظاهرة عالمية.
ولا بد ان نؤكد أيضا أن المستفيد الوحيد من كل هذا هي مجمع الشركات المصنعة للأسلحة وتجار السلاح الذين باتوا يحققون مليارات الدولارات من صفقات الأسلحة للدول في البؤر الملتهبة كما هو الحال في منطقتنا. ان ارسال قولت أمريكية بأعداد قليلة هنا وهناك عادة ما يتم دون ابلاغ أعضاء الكونغرس الأمريكي وبالتالي فهو يجنب الإدارة الامريكية التساؤلات التي قد يثيرها أعضاء الكونغرس والتي من الممكن أن تضع قيودا على الرئيس الأمريكي ومصاصي الدماء في البنتاغون الذين ما زالوا يحلمون بالسيطرة الامريكية على العالم، والتي يعتبرها البعض أنها إرادة الهية كما انبئنا بها المعتوه بوش الابن الذي صرح بانه سمع صوتا يناديه ويأمره بالترشح للرئاسة، أو الرئيس أوباما الذي يؤكد في كل خطاب له على الاستثنائية الامريكية والرسالة والمهمة الامريكية لهذا العالم الذي يلجأ الى أمريكا عند كل مشكلة من مكافحة الامراض الى الحروب وما بينها!!
تلاقي الارهاب والقوات الخاصة الامريكية أصبح ظاهرة سائدة في منطقتنا
2016-05-13
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني