عادت الكرة مجدداً ( وبعود غير حميد) إلى الملعب الروسي لتضع خيار " القيصر" على المحك، ولاسيما أن جملة من التطورات أرخت بظلالها على المشهد السوري، أولها الضربة الموجعة التي تلقتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لجهة مقتل ثلاثة عشرة مستشاراً في حلب، وخسارة خان طومان والتي كانت كافية لاستيلاد سيل من الغضب الإيراني، وتكاثر التهديدات والوعيد بالانتقام الذي لن يطول انتظاره مثلما هدد المسؤولون الإيرانيون ، طار ولايتي إلى دمشق ليعلن بالفم الملآن أن الأسد خطٌ أحمر بالنسبة لبلاده، قيل أن ولايتي نقل للأسد استياء إيران من الأداء الروسي " البارد" في الفترة الأخيرة الذي كان من شأنه أن يتيح للمسلحين إعادة تمتين صفوفهم وبسط السيطرة على خان طومان بحسب الإيرانيين ، ما يشي بالضرورة عن تصادم في الاستراتيجيات بين إيران وروسيا في الميدان السوري، وتالياً مايشكله ذلك من عامل رئيس لإعادة الحسابات الروسية وتغيير الاستراتيجية، تتوالى الضغوط على روسيا من جبهات أخرى, هذه المرة من مجلس الأمن نفسه، عندما أفشلت بريطانيا وفرنسا وأميركا مقترحاً روسياً يقضي بضم كل من فصيلي أحرار الشام وجيش الإسلام إلى القائمة السوداء للارهاب، إذ رأى المتحدث باسم البعثة الأميركية أن ذلك يشكل ماسماها تداعيات سيئة على الهدنة مضيفاً : ليس هذا الوقت لتغيير منحى الأمور.
كيري بدوره تابع مهمة مكاثرة الضغوط، وصياغة التحذيرات، وفي تصريحات للسي إن إن تساءل الوزير الأميركي وأجاب، ( هل الوضع السوري مثالي، لا، هل هناك مشاكل أخرى، نعم، مايحدث في سورية أكثر من حرب، لروسيا مصلحة بعدم انغماسها في سورية وعدم التحول إلى هدف بالنسبة للعالم السني بأكمله وعندها سيطاردها كل جهادي في المنطقة، الاقتصاد الروسي لايتصاعد، وعلى الطاولة الروسية يوجد الكثير من التحديات ولكي لا يقعوا في المستنقع السوري عليهم الانخراط في الحل السياسي).
لاتحتاج رؤية كيري للكثير من التحليل والبحث في دقائق أمورها وتوصيفاتها ورسائلها لإدراك أن أميركا غير الجادة وغير الراضية عن تفصيل الحلول وفق المقاسات الروسية، لازالت تتموضع في جبهة العناد، وتناطح الرؤوس الحامية، والحديث عن مستنقع سوري ومطاردة الجهاديين لموسكو إنما هو إعادة للتاريخ، وتذكير بيوميات الحرب السوفياتية في أفغانستان.
ما خلصت إليه الدراسة التي قدمها مركز الأبحاث القومي الإسرائيلي لجهة أن صناع القرار في موسكو توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الوضع في سورية لا يحمل معه الأمل فباشروا بالتفكير في إقامة ماسمتها الدراسة سورية الصغيرة أو " علويستان " بحسب تعبير الدراسة التي أضافت أيضاً : أنه من غير الواضح إلى أي حد سترغب روسيا مواصلة مواجهة الحرب ضدها، إنما يشكل جوهر المحك الذي تبدو روسيا أمامه في مواجهة كبرى وكبرى جداً.
يبدو أن المزيد الذي وعد به تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية من دبي، والذي ستعمل بلاده على تقديمه تجاه الأزمات التي تواجها منطقة الشرق الأوسط، وكذلك استراتيجية العقل العربي والمال اليهودي ( والتي نراها معكوسة تماماً عقل يهودي ومال خليجي) التي هندسها تركي الفيصل خلال مناظرة له مع الجنرال الإسرائيلي عميدرور (للمضي قدماً)، وما أعلنه رئيس الموساد الإسرائيلي الأسبق تامير باردو أن العلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية- السعودية ستستمر من تحت الطاولة ( والتي هي في اعتقادنا أشد وأدهى فوق الطاولة ) ولاسيما أن الأمين العام لحزب الله هاجم السعودية في خطابه الأخير عاداً إياها رأس الحربة في مواجهة المشروع المقاوم في المنطقة، كل ذلك يشي بالكثير ويؤكد أن " القِدر " السوري لا ولن يتوقف عن الغليان وكل تعقيداته ومآلاته والأسئلة المتكاثرة في مشهده جوابها عند بوتين.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com