تمر السنين وتتعاقب الأيام، مثقلة بثناياها بالأوجاع والأحزان، وحسرة على ماض كنا فيه ذات زمان، أمة يجمعها المصير والهدف المشترك، وحدنا حينها عدو واضح، كان ولا يزال لا يخفى على العيان! وإذا كنا نستلهم من الماضي ذكريات كي نعزي بها أنفسنا، حين كنا أمة إذا اشتكى منها عضو، تداعت معه سائر الأمة بالتضامن على درء الخطر أو اي عدوان, فإنه وإزاء هول المصيبة وتكالب الأمم من كل حدب وصوب، لا يعقل أن لا يتحرك في هذه الأمة ساكن ووجدان، أو أن تبقى بمنأى عما يدور حولها ويهدد مستقبلها، وهي اللتي كانت يوما إذا خرجت للشارع تسقط أنظمة وتهزم أحلافا وتعري كل خوان!
بالأمس القريب نقلت شبكة مرأية أمريكية (CNN)، الحوار الذي نظمه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان "الأمن والسلام في الشرق الأوسط"، استضافت فيه الأمير السعودي تركي الفيصل والجنرال الصهيوني يعقوب عميدور. وإن كانت مصافحتهم العلنية لم ترعى إنتباه كل مطلع على خفايا الأمور، فإنهم لم يفاجأوا كذلك أحدا عندما أكدوا على اتفاقهم، حيال أهمية الدور الأمريكي كشريك إستراتيجي في المنطقة، فيما أسموه محاربة التطرف الإسلامي والإرهاب وحزب الله والتحديات الإيرانية، إذ لا يخفى على أحد مدى الدعم اللامتناهي لذلك الشريك للكيان الصهيوني، ووقوفه وراء كل ما حل من خراب ودمار في ليبيا واليمن وسورية، اللذي تقوده
!السعوديةومن يقف معها
الحوار وإن شكل مناسبة لإنطلاق خطوات التطبيع من الخفاء إلى العلن، إلا أنه لم يخلو من استخفاف الجنرال الصهيوني بنظيره المحاور السعودي، عندما قال عما يسمى بالمبادرة العربية "لقد تغيرت الظروف عن عام 2002 وهل كانت سورية ستقبل بها ولبنان"، وهي الشهادة اللتي يحق لكل من سورية ولبنان وكل عربي أن يعتز بها، وإن كنا لاندري إن كانت قد سقطت سهوا، أم عمدا بغرض تحجيم الأمير اللذي راح يغمز من قناة تزاوج "العقول العربية والمال اليهودي" من أجل تسويق المبادرة، واللتي هي في الأصل سعودية، ما لبث الصهاينة أن رفضوها قبل أن ترى لها نورا!
وبالأمس الأقرب منه وبمناسبة "يوم جريح المقاومة الأسلامية"، كان لنا عبر شاشات المرئي موعدا، مع سماحة السيد حسن نصرالله اللذي قال في كلمته "إن ما يحصل اليوم هو النكبة الكبرى وإذا سمحنا لها أن تنجح ستضيع فلسطين وكل الأمة" مضيفا "أن مشكلة الغرب ليست مع قشور الدين بل مع كل من يرفض احتلال فلسطين ويتمتع بثقافة المقاومة". موقف سواء اتفق البعض أو اختلف معه من أي موقع له، فإنه لا يعقل لأحد أن لا يسلم أن ما جاء على لسانه هو حقيقة الواقع ولب كل ما يدور من أجله الصراع القائم في المنطقة كلها!
بالأمس زفت لنا الأخبار نبأ استشهاد أحد أعمدة وقادة المقاومة، الشهيد مصطفى بدر الدين، وسواء عن دراية أو عن غفلة منه، جاء تصريح الجنرال الصهيوني يعقوب عميدور للإذاعة الصهيونية، اللذي قال فيه "إن مقتل بدر الدين هو بشرى إيجابية وجيدة للكيان العبري"، مضيفا "كلمّا اختفى الأشخاص ذوي الخبرات، الذين جمعوا خبرات كثيرة، من قائمة المطلوبين، فإنّ الوضع يكون أفضل"، حتى يؤكد لنا مرة أخرى على حقيقة ما هو حاصل في المنطقة, واللذي يتناقض تماما عما يروج البعض عنه, من أنه صراع طائفي أو مذهبي!
تستوقفنا الأحداث, ثم لا نلبث أن نمر عنها مرور الكرام، عسى أن ما يخفيه قادم الأيام هو خير وافضل مما عليه الحال كان! فيا أمة خير الأنام, فهل بعد أكبر من دليل, على من رضوا على أمتهم هذا الذل والهوان؟! أم أنها الجاهلية اللتي لا ترى في المزايدة على عقولكم, وتجيير أموال عائدات خيرات بلادكم لليهود, غير انكم لا تعقلون ولا تتفكرون, حتى تضيع فلسطين وكل الأمة, قبل أن نستيقظ على الجريمة اللتي يرعاها بنوا صهيون وأعوانهم آل سعود؟!
فلسطيني-مغترب واشنطن