ما أن ظهر حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف عن الحرب في اليمن وسوريا حتى تداولته المواقع الإخبارية على نطاق واسع ، ووصفته بالمثير . الحديث ظهر الخميس الماضي في موقع " الوطن " السعودي الذي يتخذ أبها مقرا له . وذكر أن الأمير ابن نايف أفضى بحديثه ذاك على هامش اللقاء التشاوري لقادة مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد الثلاثاء الماضي في جدة . وبعد قليل ، اختفى الخبر من الموقع ، وتعطل الموقع نفسه ساعات ، وقيل إن ابن نايف لم يصرح بذلك الحديث ، وأنه نسب إليه في اختراق للموقع . ولم يقنع النفي أحدا ، والنفي في العالم العربي ، حيث تنعدم الشفافية والمحاسبة ، لا قيمة له ولا مصداقية فيه ، ويؤكد صحة المنفي . وترتيبا على هذه الصفة للنفي العربي ، سننظر إلى هذا الحديث على أنه صدر فعلا من الأمير ابن نايف في لحظة بث ومصارحة لأشقائه من قادة الخليج بحقيقة المآل الذي انتهى إليه تدخل السعودية في اليمن وسوريا . ويؤكد صحة هذا الحديث مؤكدات منها موقف الأمير ابن نايف من حرب اليمن ؛ إذ ذكر سابقا أنه غير راضٍ عنها ، وتؤكده نوعية الكلام توجها وصياغة ، إنها مألوفة من المسئولين السعوديين . ويؤكد صحته أيضا أمران : الأول : ما قاله حسين عبد اللهيان مساعد وزير خارجية إيران للشئون العربية من أن السعودية أرسلت وسيطا إلى طهران للدفع باتجاه حل سياسي في اليمن . الثاني : الزيارة التي قام بها إلى السعودية يوم الجمعة محمد عبد السلام رئيس وفد الحوثيين في محادثات الكويت .
الأمران يكشفان جنوح السعودية إلى انتزاع نفسها من مستنقع مأزقها في اليمن الذي هوت فيه بتسرع ودون نظر في مآلاته الخطرة . ونعود إلى حديث ابن نايف ، فنقول إنه آية جلية على خداع النفس والتنكر للأخطاء الذاتية ، وإلصاقها بالآخرين . وهذه ثقافة عربية تتفاوت قوة وحدة من بلد عربي إلى آخر ، وتتبدى في السعودية وفي بقية دول الخليج في أقصى قوتها وحدتها . فالأمير يرد طول مدة " عاصفة الحزم " إلى " عدم قيام دول التحالف بالمهام الموكلة إليها " . هذا تهرب خالص من المسئولية ومخادعة للنفس . السعودية كونت التحالف وبدأت به الحرب ، وهي ممولة معظم الدول المشاركة فيه ، وقائدته ، فلم تلقي مسئولية القصور والفشل على أطرافه الأخرى وتبرىء نفسها منها ؟ الأمانة مع النفس تلزم السعودية بتحمل مسئولية القصور والفشل في اليمن وحدها . وما قاله الأمير عن دور بلاده في سوريا أسوأ مما قاله عن دورها في اليمن . قال : " كان المتوقع إزاحة نظام الأسد بمساعدة تركيا والولايات المتحدة ، عولنا كثيرا على هذه التطمينات ، ولكن لم تتحقق هذه الوعود على أرض الواقع " . لم إزاحة رئيس دولة عربية بمعونة دولتين أجنبيتين ؟! وهل ترضى القيادة السعودية أن يعمل أحد على إزاحتها ؟ في اليمن تقول السعودية إنها تحارب دفاعا عن الشرعية ممثلة في هادي ، وفي سوريا لا تحترم شرعية رئيس دولة عربية ، وفي الحالين نرى الاتكال كاملا على الآخرين . في اليمن يلوم من جرهم للحرب لعدم حسمها لبلاده بسرعة ، وفي سوريا يريد من تركيا وأميركا أن تزيحا نظام الأسد ، وأين بلاده في الحالين ؟ لا وجود لها ولا مسئولية . وبعد أن يعزو القصور والفشل في اليمن وسوريا إلى الآخرين يرى أنه " تحتم علينا أن نراجع سياساتنا وحساباتنا ، وإن تطلب الأمر فعلينا تقديم تنازلات حقيقية ومؤلمة في الملفات الآنف ذكرها " ، ويواصل خداع النفس ، فيقول : " إذا ما أردنا جر العالم العربي إلى بر الأمان ، وتخليصه من الاقتتال والتناحر " ، هو يبرر التنازلات بالرغبة في المحافظة على سلامة العالم العربي ، ولا يريد أن يجهر بالحقيقة ، وهي أنه يريد سلامة وديمومة حكم أسرته الذي تهدده أخطاء القيادة السعودية الكبيرة في سوريا واليمن والعراق وليبيا . ويجيء نفي الحديث ليوضح التباين في مواقف رموز القيادة السعودية من هذه الأخطاء ، وأنه لا أحد فيها لديه شجاعة المجاهرة في الاعتراف بها اللهم إلا سرا . وهذه طريقة لا تصلح لإدارة مصائر الأوطان ، والأخطاء لا تزول بالتنكر لها ، بل تشتد خطورتها ، والشواهد كثيرة على هذه الخطورة في حالة السعودية ، وأحدثها إدراج الأمم المتحدة لها ولتحالفها العربي في القائمة السوداء للجرائم ضد الأطفال .
ولي العهد السعودي والحرب في اليمن وسوريا
2016-06-04
بقلم : حماد صبح