2025-05-26 02:50 ص

ازدحام الشمال السوري .. الأسد سنحرر كل شبر

2016-06-14
بقلم: ميشيل كلاغاصي
لك أن تتخيل مساحة الشمال السوري الصغيرة قياسا ً لمساحة سوريا , و مساحة سوريا في العالم ..! ومع ذلك تشهد إزدحاما ً محليا ً و إقليميا ً و دوليا ً غير مسبوق , و تحوّلت أمتاره المربعة الصغيرة إلى مفاصل و مقاصل وهاويات يمكنها أن تُطيح بسياسات ِ دول ٍ و عروش ٍ و إزاحة السلاطين .. أمتارٌ لا تعترف إلاّ بسياسة " من حضر". فالإزدحام كبير وخطير و بلغة العدوان والإعتداء و الدخول غير الشرعي للأراضي السورية , وخرقٌ فاضحٌ لسيادتها كدولة ٍ عضو في منظمة الأمم المتحدة . أمريكان و فرنسيون و بريطانيون و أتراك و غرباء و إرهابيون اختلفت أسماء تنظيماتهم و شعاراتهم , لكنهم يتمتعون بالجوهر ذاته و بالمرونة الكافية لإنزال علم ٍ أو شعار و رفع غيره . فبعد فشل التحالف الدولي الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, والتحالف الخليجي الإسلامي الجوي - البري الذي تقوده السعودية.. ها هي دول العدوان على سوريا تهبط أرضا ً و تختار أمتارها المربعة و تربط مصيرها بنتائج الصدام و الإقتتال المباشر ليعلو صوت الميدان في وقت ٍ يكاد يختفي فيه صوت العمل السياسي و الحل السياسي المزعوم . و يدفعنا السؤال البديهي للقول مالذي يجري في الشمال السوري لريف مدينة حلب و عموم مدن الشمال و الشمال الشرقي و خصوصا ً الرقة و ريفها ؟؟ فسنوات الحرب على سوريا و التي شهدت صمودا ً تاريخيا ً , دفعت أجندات الدول المشاركة بالعدوان إلى الإصطدام و فضح النوايا وسقوط الأقنعة و ظهور الخلافات و تضارب المصالح , وانفراط عقد الثقة , وبدأت تتضح لهم الصورة شيئا ً فشيئا ً , فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن يوما ًحليفة ًحقيقية للسعودية ولتركيا و لفرنسا وغيرهم إلاّ من خلال مصلحتها الخاصة, ولم تكن لتتوان عن دفعهم إلى النهايات المسدودة والغرق في المستنقعات , والأهم أنهم بدأؤوا يصحون على حقيقة مشروعها و يكتشفون أنهم ليسوا سوى طبق الهات دوغ في مأدبتها .. إن ما يحصل على الأراضي السورية خطيرٌ للغاية , كإقامة قواعد عسكرية أمريكية و فرنسية و تحصينات و جدر عزل تركية و تواجد مستشارين عسكريين لدول ٍ عديدة , بالتوازي مع قصف ٍ جوي أمريكي و لبعض دول تحالفها الأوروبية من فرنسيين و بريطانيين و إلتحاق بلجيكا و النروج و السويد . فالإزدحام يعكس إزدحام مشاريع لا تقف عند تلك المعلنة , كمشروع الشرق الأوسط الكبير و المشروع الإخواني – العصملي و المشروع البديل لسايكس- بيكو , و مشاريع تقسيم المنطقة و إقامة الكانتونات الجديدة و مناطق الحكم ذاتي و مناطق التوحش الإرهابي ( مشروع الخلافة ), و مشاريع إزاحة أنظمة و ممالك وعروش - دون استبعاد تركيا و نظام أردوغان -, و تهيئة الأرضية المناسبة لحصار روسيا و إيران و التقدم نحو الصين و منطقة الشرق الأدنى . يبدو أن الإزدحام يقترن بشدة مع واحدة الزمن .. فالإدارة الأمريكية الحالية و الرئيس أوباما فقدا كل إمكانية اللعب على الزمن , فالإستعجال أصبح عنوان التحركات السريعة و بإظهار كل الرغبة في القضاء على تنظيم داعش في سوريا , والذي استدعى نشاطا ً عسكريا ً لدول التحالف الدولي انعكس في عدم التركيز و قصف المدنيين عن طريق الخطأ في الشمال السوري , و كشف العداء المباشر للمشروع التركي وللرئيس أردوغان الذي تأخر في فهم النوايا الأمريكية و لم يستشعر رحيل داود أوغلو بعد النصيحة التي قدمتها له الإستخبارات الفرنسية و انتقل إلى صفوف الصوفيين اللذين يملكون مفاتيح تحريك الداخل التركي المتطرف بالإضافة إلى كافة عوامل الحقد والكراهية التي حصدها أردوغان نتيجة ً لسياسته الرعناء في إدارة البلاد وعدوانه على سوريا و وقوعه فريسة الإنتقام الروسي , ناهيك عن علاقات تركيا التي تدهورت في عصره أكثر مما كانت عليه سابقا ً , و فقدانه كل أمل ٍ في إمكانية دخول تركيا في الإتحاد الأوروبي , و لم يعد يستطيع الحراك لقد أسر نفسه بأخطاؤه الإستراتيجية , و لم يعد من السهولة بمكان العودة إلى الوراء , فلجأ إلى المؤسسة العسكرية و لجنرالاته اللذين سبق وعزلهم عن السلطة , على أمل مساندته في حروبه تحت العنوان القومي و التي لن تسلم البلاد منها . إن مراهنة أوباما على القضاء على تنظيم داعش في سوريا قبيل مغادرته السلطة أصبح هدفا ً شخصيا ً تطلب منه دعما ً و تفويضا ً جديدا ً من الكونغرس الأمريكي و تمويلا ً جديدا ً بعد أن أضاع ما حصل عليه سابقا ً في تدريب 500 معارض سوري "معتدل" عُرف منهم خمسة مقاتلين ُفقد أحدهم بمجرد وصولهم إلى سوريا ... لقد تطلب الأمر حالة تأييد ٍ شعبي و حكومي جديد , احتاج معه إلى حدث ٍ جدي أتاه سريعا ً و بدون مقدمات فوقعت أحداث أورلاندو والتي لم تجد الاداره الأمريكية حرجا ً باستغلالها و استغلال الدم الأميركي مجددا ً في سبيل إقناع الرأي العام الأميركي و بصوابية محاربة الإرهاب خاصة تنظيم داعش الذي سارع إلى تبني العملية ,.فقد سبق لهذه الإدارة أن تاجرت بدماء 3500 أميركي قضوا في أحداث البرجين , يبدو أن تنظيم داعش المنقذ الدائم للولايات المتحدة الأمريكية و الذي يمكن اعتباره كوزير ٍ رئيسي في حكومتها ..فتح الباب مجددا ً لتبدأ قصة جديدة الكل فاعل ٌ فيها - عدا المواطن الأمريكي - وأن أوباما حصل على تفويض شعبي جديد لمحاربة "داعش" على غرار أحداث أيلول الشهيرة.. إن تبني داعش للعملية يدعم اسمه كإحدى أدوات الاستثمار الأميركي في الإرهاب و يبدو مناسبا ً لتغطية ألاعيب وكالة الإستخبارات المركزية و لتأكيد خطر داعش على الأمن القومي الأميركي وانه لا بد من المشاركة الفعالة في محاربته، لاسيما أن الحلف الروسي عرّى تماما ً السياسات الأمريكية السابقة , وذهب بعيدا ً في القضاء على الإرهاب دون إنتظار الموقف الأميركي. إن دعم الرئيس أوباما للسيدة كلينتون في الإنتخابات الأمريكية لن يزيح عن كاهله عاره الشخصي فقد قال يوما ً لشعبه عشية نزوله عن شجرة الكيماوي السوري :" أنتم استثنائيون " و ها هي وزيرة خارجيته السابقة تقول :" نحن نصنع التاريخ " .. فيما تقول مسؤولة الأمن القومي رايس :" أن تحرير الرقة و الفلوجة لا يمكن أن يتما في عصر هذه الإدارة " , و كأننا بها أنها توجه رسالة إلى القيادة السورية و للرئيس بشار الأسد بأن أعطت موافقتها على تحرير حلب مقابل التوقف عند حدود تقدم الجيش السوري نحو الرقة , يبدو أن تصريح الرئيس الأسد" سنحرر كل شبر ٍ" أرّق مضاجعهم و ما تلاه من إجتماع ٍ لوزراء دفاع إيران و سوريا و روسيا في طهران .. لقد بدت إدارة أوباما كمن يطرح مقايضة ً مع سوريا , لكن الرد السوري أتى على لسان اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني الذي كرر موقف بلاده الثابت بقوله :" لا يمكن لدمشق أن تقبل بتعاون من طرف واحد مع أي جهة غربية ما لم يتحقق شرط سوريا بإعادة فتح السفارات" . في ظل هذه التعقيدات يبدو أن زيارة ولي ولي العهد السعودي لأمريكا تنضوي تحت نفس العنوان الأمريكي – الفرصة الأخيرة – فإنهيار الموقف السعودي سياسيا ً في مفاوضات جنيف , و فشلها في المفاوضات اليمنية , وخسارة أدواتها في الداخل اللبناني , وتضعضع إرهابييها على الأرض السورية , دفع ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف للإعتراف بالفشل الكامل" في الإطاحة بالرئيس الأسد وأن عاصفة الحزم طال أمدها , و أنه يترتب عليها تقديم تنازلات مؤلمة "... و تبقى فرصتها الاخيرة في إحياء أدواتها في لبنان فمن تصريح الحريري ردا ً على كلام الرئيس الأسد على التويتر و بروز مشكلة الخضار و الفاكهة فجأة و تصريحات الوزير أكرم شهيب و رفيقه في اللقاء الديمقراطي اللبناني صبي النائب وليد جنبلاط وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور , و ما تلاها من تفجيرات في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق , والإنفجار الذي حدث في وسط بيروت في فردان و طال أحد المصارف فإنه يوحي من حيث التوقيت والمكان أن من يقف خلفه يريد إيصال رسائل ظاهرها اقتصادي و باطنها أمني لوزير الداخلية مشنوق لبنان , وقد سبق التفجير تحذير بعض العواصم الغربية التي طلبت رعاياها عدم التواجد في وسط بيروت في نهاية الأسبوع.. لكن الأمر يبدو واضحا ً فاليد المنفذة لا تبدو بعيدة ً عن رجل السعودية الأول أشرف ريفي الذي سعى لتنفيذ مهمته على خلفية حقده و كرهه للنظام السوري ولحزب الله , لا سيما أن المصرف المستهدف كان سبّاقا ً في تطبيق العقوبات الأمريكية بحق حزب الله , وسط حديث ٍ سعودي عن سحب الودائع السعودية في لبنان , وكعشية أي إجتماع لمجلس الأمن بشأن لبنان .. يكون التفجير و الإتهام لحزب الله و سوريا حاضرا ً, ومهما كانت طبيعة الدول التي تقف وراء التفجير تبقى الأدوات الداخلية معنية , ولا نستبعد كلام المشنوق عندما قال السعودية تدفعنا لنقوم بما لا نريده , في وقت يسعى سعد الحريري لشد عصب جماعته المتهاوية , كذلك لا يمكن استبعاد الطرف الإسرائيلي بأدوات لبنانية سواء طلب منهم أم لا .. إن كل ما يحدث على الأرض السورية و محيط المقاومة اللبنانية و إشعال أي جبهة لا يمكن تفسيره إلاّ على قاعدة تأخير أو إيقاف تقدم الجيش العربي السوري و حلفائه في الشمال السوري في محيط مدينة الطبقة و الرقة و منبج و الباب . إن أهداف واشنطن تبدو حاليا ً تتلخص في القضاء على تنظيم داعش في الشمال السوري ما يعني القضاء عليه في كل سوريا , و تعوّل على قوات سوريا الديمقراطية في فرض حزام كردي – أمريكي يعيد أردوغان إلى الداخل التركي و يقضي على مشروعه العصملي , و يحول المشكلة الكردية – التركية إلى مشكلة داخلية , تضمن الإطاحة بأردوغان , و تؤمن لأوباما فرصة الخروج بماء الوجه كبطل أمريكي قضى على تنظيم داعش و تؤهله لتسليم مهمة المتابعة للإدارة الجديدة .. لا نعتقد أن الدولة السورية ستعيق عملا ً عسكريا ً يسعى للقضاء على تنظيم داعش على أراضيها , لكنها ستحاول سياسيا ً فرض التعاون معها كي يكون وجود هذه القوات شرعيا ً على أرضها .. في الوقت الذي يعلن الرئيس الأسد عزم بلاده على تحرير كل شبر ٍ لكنه خص حلب بالذكر , في إشارة منه لفرض الأولويات السورية و للتحكم السوري بقرار سوريا السيادي في تحركات الجيش الوطني , يبدو أن الدولة السورية تخطط للتحرك نحو سد الفرات للإمساك بكل الملفات و يبقى تحرير الرقة و دير الزور على سلم الأولويات الإستراتيجية وهدفان محتملان لعمليات الجيش.