دخلت العلاقات الأمريكية التركية بمرحلة حرجة جدا ً, وذلك عملا ً بالطبيعة التي تعودت عليها الاستراتيجية الأمريكية ومفادها لا أحد يمكنه الشعور بالأمان حتى النهاية , والسياسة المغلوطة التي تتبعها الإدارة التركية في الآونة الأخيرة , تجلى ذلك بالسيطرة على مفاصل الدولة وإزاحة بعض الشخصيات التي ساعدت في كثير من اللحظات هذه السياسة , ولواشنطن الدور الكبير بدعم أردوغان على خصومه من المعارضة التركية .
الإدارة الأردوغانية لا تفهم ولا تقرأ التاريخ جيدا ً , ولا تع ما تقوم به من علاقات خاطئة مع دولة كبيرة كالولايات المتحدة , هذه الدولة التي لا تعمل إلا وفق المصالح الإسرائيلية في المنطقة , وللأمانة لم تقصر إسرائيل في إهانة تركيا برمتها دولة وقيادة , وحادثة الكرسي المنخفض , وسفينة مرمرة , والطلب إليها الاعتذار للكيان الصهيوني الذي يمعن في إهانتها , واشنطن بدورها مارست كثيرا ً من الأعمال التي تُهين الإدارة التركية وآخرها , السيطرة على القاعدة الجوية إنجرليك جنوب تركيا وحرمانها من استخدامها .. والمضي قدما ً بالعلاقات الأمريكية الكردية إلى أبعد مدى بالرغم من المطالبات التركية برفضها جملة وتفصيلا ً .
وبالحديث عن المرتكزات الأمريكية الخمسة , نذكر فقط الخامس والذي يقول : التخلص من الأجناس الصغرى , حين تتطلب ذلك خدمة للأجناس الكبرى ! ومع ذلك تُبقي أنقرة على علاقتها مع واشنطن بالرغم من معرفتها أن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها إلى أبعد مدى , وقول ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر ماثلا ً وحاضرا ً في المقام حين قال : صداقة أمريكا أخطر من عداوتها . معنى ذلك أن واشنطن تقيم علاقاتها على مبدأ الابتزاز والغطرسة .. وأنقرة تعي ذلك ولكن تتجاهل أو تتظاهر أنها خارج المرتكزات الأمريكية .
تهنئة أردوغان لروسيا بالعيد الوطني , هو استيقاظ متأخر , وندم لم يعد ينفع , وذلك بعد التقزيم المستمر من واشنطن لأردوغان الذي يتجنب التجول بمقربة القاعدة العسكرية التركية المذكورة حتى لا يرى الطائرات الأمريكية وهي تقلع محملة بالصواريخ الثقيلة التي تلقيها في العراق واليمن وربما في سوريا , وبدورها روسيا تلقت هذه التهنئة بالفتور , والطلب من أردوغان العمل على عدة نقاط والتي كانت بمثابة نقاط الخلاف وحادثة الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا , والاعتذار علنا ً للدولة الروسية ودفع التعويضات كاملة لأهل الطيار .
إن الوضع الحالي لتركيا , وضع يمكن تسميته , بالصفيح الساخن من الداخل والخارج , وتعثر العلاقات مع الكثير من دول الجوار التركي , حيث العزلة تطارد النظام التركي , وحتى حلفاء اليوم كالسعودية وقطر لاتسير وفق ما يشتهي أردوغان فورقة الإخوان المسلمين تبقى العقبة الكأداء , والإصرار على دعم الإخوان قد يطيح بالتحالف وساعتئذ تكون القشة التي قسمت ظهر البعير التركي , وبالتالي فرصة بقاء أردوغان بالحكم تبقى ضعيفة وربما تطيح به وبحزبه .
استراتيجية واشنطن ثابتة , وشواهدها حاضرة , وهي تكذب بكل شيء إلا بأمن إسرائيل , فهي مستعدة لخوض حرب عالمية ثالثة دعما ً للكيان الصهيوني , وتركيا بنظر واشنطن بالأداة التي يمكن استخدامها في أي وقت متناسية الأحلام والأراجيف التركية وحلم عودة السلطان العثماني فهذا يخص الأوهام التركية , أما ما يخص واشنطن فهو حماية الكيان الصهيوني والتعهد بالاستمرار في خلق الفتن والصراعات والصدامات الدموية التي تشهدها المنطقة برمتها .
آن الأوان للتغيير في تركيا , فالشعب التركي لا يستحق قيادة مغامرة مقامرة بمصيرها , فهي دولة إسلامية نريدها وطاقاتها للمعركة المصيرية مع الكيان الصهيوني , ونحتاج شعبها المظلوم الذي يعاني من تهورات الحكام , ونحتاج نجاحات الشعب التركي التقنية والفنية , ونحتاجها دولة جارة لتعزيز العلاقات الأخوية والاستفادة من تجربتها الاقتصادية الهائلة بعيدا ً عن حكام يرهنون أنفسهم للإدارة الأمريكية التي تتفنن في إهانتها وآخر الإهانات , طرد أردوغان من واشنطن بمناسبة وفاة بطل الملاكمة الأمريكي محمد علي كلاي . لم يبق أمام المشاهد للملف التركي سوى سيناريو التخلص الأمريكي من أردوغان , وهو ما تبقى من العلاقات الأمريكية التركية والأيام بيننا .
مرتكزات واشنطن لا ترحم أردوغان
2016-06-18
بقلم: محمد عياش*