"سيدنا علي", هي قرية فلسطينية تم تشييد مدينة يهودية على أنقاضها, تعرف اليوم بمدينة "هرتسيليا", تيمنا بإسم مؤسس الحركة الصهيونية, ثيودور هرتزل. تأخذ هذه المدينة أهميتها, من المؤتمر المكنى باسمها, واللذي أسسه ضابط الموساد هرتسي هليفي والمستشار السياسي السابق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني الحالي, بهدف تعزيز الاستراتيجية الأمنية والسياسية والاقتصادية بغرض حماية الأمن القومي للكيان الصهيوني.
يستضيف المؤتمر عادة, النخبة الحاكمة في الكيان الصهيوني إلى جانب متخصصين أجانب في شؤون الشرق الأوسط, يتقدمون بأبحاث ودراسات بحيث تصبح توصياته ومقترحاته, دليل عمل لحكومات العدو المتعاقبة, أيا كان تركيبها أو كانت توجهاتها.
يستضيف المؤتمر في دورته الحالية, إلى جانب آخرون عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, أحمد مجدلاني إلى جانب عصام زيتون ممثلا عن "الجيش السوري الحر", إضافة إلى سفيري الأردن ومصر, وقد حل هنري كيسنجر ضيف شرف عليه.
افتتح مؤسس المؤتمر أعماله بكلمة, زاعما أن جيشه هو الأقوى في المنطقة, و واصفا حزب الله بأكثر التنظيمات تهديدا لأمن كيانه المحتل, وأن أي حرب قادمة معه, ستحول لبنان إلى دولة لاجئين!
ولم يغفل في معرض كلمته الافتتاحية على التعريج على الهبة الفلسطينية, حيث أشار إلى تراجعها وأنها تفتقر إلى إطار تنظيمي, وأن الشارع الفلسطيني لن ينجر وراءها, منوها بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ورفضها لمبدأ الكفاح المسلح.
كلمات ضيوف المؤتمر ومن أبرزها فيما يخصنا, كانت كلمة السيد أحمد مجدلاني, اللتي استعرض فيها الجوانب الإنسانية للحل السلمي, واللتي أكد فيها أن القوة وحدها لا يمكن لها أن تصنع السلام, وأن المبادرة العربية للسلام, لا تزال الحل الأمثل "للصراع", ومناشدته أولئك اللذين يتصفون بالحكمة والرؤية الثاقبة, أن ينظروا إلى ما وراء الماضي ورواسبه من أجل انطلاقة جسورة نحو آفاق جديدة.
أما كلمات سفراء الاردن و مصر فقد عكست التحول الجاري من موقف هذين البلدين, لناحية اعتبار أنفسهم وسطاء يحاولون جمع "الطرفين" معا وجسر الفجوات, على حد تعبير السفير الأردني, أو كما أشار السفير المصري "بدفء"هذه العلاقات اللتي تهيأها لأن تلعب دور الوسيط!
وإذا كان الهدف الإستراتيجي المعلن عن هذا المؤتمر, هو حماية الأمن القومي للكيان الصهيوني, فإننا لن نتوقف عما جاء على لسان ممثل "الجيش السوري الحر " للقناة الصهيونية العاشرة, اللذي لا يملك من إرادته شيئا, ولكن الشيء اللذي يجب لفت الانتباه إليه, أن المشاركون الحقيقيون بفعاليات هذا المؤتمر, وهم كما اسلفنا من المتخصصون بشؤون الشرق الأوسط, و يعتمدون في رؤيتهم واستنتاجاتهم على دراسات وأبحاث تعززها استطلاعات للرأي, فإنه لا يعنيهم الكلمات العابرة سواء اللتي جاءت على لسان عضو اللجنة التنفيذية, اللذي غفل فيها عن أن الانطلاقة الجسورة نحو آفاق جديدة, هو ليس بإنكار الحق التاريخي للشعب الفلسطيني, من أجل تجاوز الماضي ورواسبه, وليس باللجوء إلى المبادرة العربية اللتي عفا عليها الزمان, ولكن أقله التمسك بقرارات الشرعية الدولية, حتى لا تلغي تلك المبادرة كل ما أكدت عليه تلك المقررات من حقوق دفع شعبنا ثمنا غاليا من أجلها! وبالمثل كذلك, فإن العقلية اللتي عبر عنها السفيرين المصري والأردني, بالتنصل من المسؤولية القومية اللتي هي جزء من أمنهم القومي, فإنها لن تعيد لمصر كامل سيادتها على أجزاء من وطنها, أو مياهها المسلوبة إلى سابق مجاريها, ولن تكلل للأوصياء على مقدساتنا, إعادة الإعتبار لمكانتهم "التاريخية والدينية"!
المتحدث الصهيوني في بداية المؤتمر, كان قد وضع النقاط على الحروف, بل جعل منها جدولا لأعمال مؤتمره, ليتم من خلالها رفع التوصيات على اعتبار: 1. أن جيش الاحتلال هو صاحب اليد الطولى في المنطقة. 2. أن التهديد القائم حاليا لأمن إلاحتلال هو حزب الله. 3. أن التنسيق الأمني بما يمليه من عدم تأطير الانتفاضة الفلسطينية, هو الأساس اللذي تقوم عليه العلاقة بين المحتل للأرض والمحتلة أرضه.
ولعل ما جاء على لسان ضيف الشرف, هنري كيسنجر هو لب الحقيقة, اللتي تأتي من الخبير والعالم ببواطن الامور, حين عبر عن ذعره إزاء مستقبل إلاحتلال عندما سيواجه التحديات الكبيرة على المدى البعيد!
ويبقى السؤال: هل وصلت هذه الرسالة لمن يعنيهم الأمر, إذا كان عميد السياسة الدولية يوما, رغم كل الدراسات والمزاعم, لا يخفي مخاوفه من المستقبل اللذي ينتظره إلاحتلال, ونحن أصحاب الشأن الأدرى بأن ما قام على باطل فهو باطل, وأن الحق يعلوا ولا يعلى عليه؟!
كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن