اليوم أصبحت تركيا الداعمة لداعش وأدواتها في سورية تتخبط في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأهم مشاهد التخبط على الساحة التركية لما حدث في تركيا من تهديدات وتفجيرات إرهابية، وتغييرات سياسية نجمت عن الموقف الدولي والإقليمي والنظرة إلى ما يحدث في المنطقة برمتها.
إلى وقت قريب كانت تركيا تتدخل بعمق في مفردات الصراع في سورية، لكنها اليوم ثبت بالدليل القاطع أن تركيا لاعب رئيسي من وراء الأستار والحدود، إذ تتلاعب بالأحداث والأوراق وتخفي ورائها أطماعاً مؤجلة في سورية يصعب في ظل تداعيات الأوضاع بالمنطقة من تحقيقها الآن، وهي لكي تبعد الأنظار عنها فيما حدث في حلب، تعمل بكل ما تملك من خبرة ودهاء على خلط الأوراق من جديد بين الساحات لكي يخلوا لها الجو في النهاية كما تتصور، و تكون لها اليد الطولي في الهيمنة على المنطقة الشمالية من سورية، لكنها تقف عاجزة بعدما انفلتت داعش عن مساراتها التي رسمتها لها.
من الطبيعي أن يعيش النظام التركي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائه وسندان تمويله لتنظيم داعش"الدعم المالي وتسهيلات عبور الحدود وتسليم أسلحة " الذي ساهم بتعزيز إرتباك دول المنطقة، وإنعكاس ذلك على الداخل التركي، ومع ذلك إستمرت تركيا بدعمها للفوضى وعدم الأستقرار في سورية, إلا أن إرتداد الإرهاب على أنقرة, بعد أن قامت داعش بإعتداءها الإرهابي في مطار "أتاتورك" بإسطنبول وذهب جراء هذا الإعتداء أكثر من 36 شخص,وإنطلاقاً من ذلك يمكن القول أن هناك عامل جديد دخل الى معادلات الداخل التركي, وهو الإرهاب بكل أبعاده والذي بدء يضرب تركيا، على خلفية هذا المناخ يسجل اعتداء إسطنبول تغييراً في الاتجاه في إستراتيجية تنظيم داعش، فتحركاته في تركيا ركزت حتى الآن على أهداف كردية، وقد استهدفت للمرة الأولى السياحة التي تعد قطاعا رئيسياً للاقتصاد التركي وبالتالي للدولة التركية ومسؤوليها.
في سياق متصل طرحت الإعتداءات التي تعرض لها مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول أسئلة حول الأسباب التي تجعل تركيا هدفا مركزيا لهجمات الإرهاب، في هذا الإطار يمكن القول أن استهداف إسطنبول ومطارها بالذات يتقصّد منه إلحاق أضرار بشرية ومادية ومعنوية كبيرة، بما يراه خبراء الجماعات الإسلامية إنتقاماً واضحا تمارسه تلك الجماعات ضد حكومة أردوغان التي قد تكون بدأت بالتخلي عن حلفائها القدامى، وبذلك يتوقع الخبراء هجمات اخرى على أراضي تركيا التي وفرت تربة خصبة للتنظيم أزالت الصعوبات أمام تجنيده عناصر جديدة.
وفي السياق ذاته أكد الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية روكميني كاليماشي أن تركيا بدأت بحصاد نتائج الإرهاب الذي دعمته وموّلته في سورية وأن الهجوم الذي وقع في مطار أتاتورك الدولي أكبر دليل على ذلك، إذ قام أردوغان على مدى سنوات طويلة بتسهيل عبور الإرهابيين إلى الأراضي السورية وحول تركيا إلى ملاذ وقاعدة لانطلاق التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش، كما لعب دوراً رئيسياً ومحورياً في نشأة وتمدّد هذا التنظيم ، وذلك لتحقيق مكاسب سياسية من خلال تدمير سورية، وبالتالي بمعنى إن تصاعد هذه العمليات الإرهابية يأتي نتيجة للسياسات التي اتبعها النظام التركي في دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية في سورية، فكان أردوغان أول من رفض الدخول في تحالف مع قوى الغرب ضد داعش، تحت زعم أن التحالف ضد القوى الإسلامية مرفوض ولا يعد إرهاباً، وخرج كثيراً في المحافل الدولية يدافع عن التنظيم، وإزاء ذلك الدعم منقطع النظير، شهدت تركيا خلال السنوات الماضية عمليات إرهابية ضخمة، بعدما انقلب سحر أردوغان عليه، لينقلب هو الآخر على وليده الذي ظل يطعمه سنوات عديدة، ويشن غارات عسكرية على معاقل داعش تحت اسم بداية حرب متزامنة على الإرهاب.
وسط هذه الأجواء يواصل الجيش السوري مهمته الوطنية في ملاحقة القوى المتطرفة ونفذ سلسلة عمليات قضى خلالها على عشرات الإرهابيين ، إذ دمرت وحدة من الجيش وكراً لهم مقابل جامع الرحمن في بلدة عربين وأوقعت أعداداً منهم ، كما تستمر المعارك بين الجيش السوري والقوات المرادفة له من جهة، والكتائب الإسلامية من جهة أخرى، قرب المدخل الشمالي لمدينة حلب شمالي سورية، وسط ضربات جوية روسية – سورية، وقد نجح الجيش من التقدم نحو مزارع الملاح الشرقية وطريق الكاستيلو وبلدة حريتان، فالمئات من الجهاديين من بلدات زربة وخان طومان وزيتان وبرنة الواقعة جنوب حلب توجهوا إلى شمال حلب، التي تعد الطريق الحيوي وهي تشكل آخر منفذ للأحياء السكنية الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلحة شرق مدينة حلب، حيث سيتم إكمال طوق الحصار تماماً على الإرهابيين داخل مدينة حلب وستدخل المواجهات فيها مرحلة حاسمة.
مجملاً.. إن القتل والترويع لن يغير حلم السوريين وتطلعاتهم إلى وطن مستقر آمن خال من التطرف، فالشعب االسوري قادر على مواجهة مخططات الإرهاب والمؤامرات المشبوهة وإفشالها بوحدته الداخلية وبإرادته وجيشه العربي التي لن تستطيع اي قوة أو إرهاب أن تكسرها، والآن وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة فإن تركيا أمام وضع من إثنين إما أن تقر بأن الإرهاب ليس سلاحاً يعتمد عليه وهو يرتد على من يحمله، وعند ذلك تنخرط في حرب عالمية حقيقية جدية ضد الارهاب كما تفعل سورية وحلفاؤها، أو إنها تستمر في الإزدواجية والتغطية وتبقى ضحية لهذا الارهاب.
*كاتب سياسي
khaym1979@yahoo.com