2025-05-25 12:08 م

ماذا تبقى لكم..... ؟

2016-07-06
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
وزير الامن الداخلي الإسرائيلي يريد ان يسجن أبو مازن في المقاطعة على غرار الرئيس الراحل أبو عمار. أما نائب وزير الامن الإسرائيلي فانه يصرح بانه يجب اجتثاث أمل العرب بقيام دولة فلسطينية. جيش الاحتلال يقتحم البيوت والامن والقرى أكانت "تحت سيطرة" السلطة المزعومة أو خارجها وتقوم بالاعتقالات الواسعة وتقتل بدم بارد الفلسطينيين ولا تخجل أو تشعر باي حرج من القيام بعمليات اعدامات ميدانية. مدينة الخليل يفرض على سكانها وهم 700000 مواطن حصارا كاملا وشامل فالطرق الرئيسية والفرعية كلها مغلقة أمام المواطنين في الوقت الذي يسمح للمستوطنين من اليهود بالتجول بحرية وتحت حراسة جنود الاحتلال ويقومون بالتنكيل بالعائلات الفلسطينية. مزيد من تهويد الأرض أو بالأحرى ما تبقى منها ومزيد من جزر الأرخبيل التي لا تتواصل جغرافيا في الأراضي المحتلة عام 1967. القوى الأمنية الإسرائيلية تحتجز حتى جثامين الشهداء أسابيع وأشهر. مدينة الخليل أغلقت بالكامل بالمكعبات الاسمنتية والبوابات الحديدية الكهربائية كعقاب جماعي لعملية فدائية مسلحة. ومن غير المنتظر ان يفك هذا الحصار وربما ستتحول مدينة الخليل الى ما يشبه الوضع في غزة. الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استخدمت وما تزال الإجراءات الأمنية لقمع أي عملية احتجاج على سياسة الاحتلال وان تكن سلمية بامتياز. هذه الإجراءات الأمنية تزداد في وحشيتها ومداها في حالة اية عملية يستخدم بها السلاح ولو كان بدائيا. منطق التعامل مع التحركات الفلسطينية ضد الاحتلال بالإجراءات الأمنية واتخاذها كذريعة للاستيلاء على مزيد من الأراضي وعدم وجود اية نية لتقديم اية تنازلات للفلسطينيين منذ بدأ اتفاق أوسلو وما تلاها من اتفاقيات وتفاهمات، من التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية وغيرها من اتفاقيات وتفاهمات والتصريح علنا بانه لن يكون هنالك دولة فلسطينية، أن دل على شيء فهو يدل على جوهر الصهيونية وجوهر الكيان الصهيوني باعتباره كيان كولونيالي استيطاني اقصائي يسعى الى السيطرة على الأرض وطرد سكانها الأصليين. هذا الجوهر والسياسة والاستراتيجية لهذا الكيان الغاصب لم تتغير منذ اغتصاب فلسطين عام 1948. فسياسة التهجير التي يتبعها في النقب أو سياسة التهويد التي اتبعها ويتبعها في الجليل ومصادرة الأرض العربية داخل الخط الأخضر هي نفس السياسة التي اتبعها ويتبعها في بقية الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. كل هذا وما زال الكثيرون في السلطة الفلسطينية يؤمنون بإمكانية وجود "حل الدولتين" ويلهثون وراء أي تصريح من هنا أو هناك لوزير خارجية لدولة غربية أو إقليمية ويتعلقون بقشة على أمل أن تأخذهم الى شاطئ النجاة. يلهون أنفسهم وشعبنا بالوعود الكاذبة والاماني الوهمية التي لا أساس لها على الاطلاق على أرض الواقع. لا نبالغ ان قلنا إن السلطة الفلسطينية قد تأقلمت على العيش مع الاحتلال وما زالت تبحث عن وسيلة لإعادة المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني لتدخلنا في متاهات أخرى وكأن ما يقرب من ربع قرن لم تكن كافية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. فهي هللت "للمبادرة" الفرنسية والتي في مضمونها لا تتعدى أن تكون وسيلة لإحياء المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني والتركيز على اسقاط حق العودة من خلال وضع الصيغ المبهمة والفضفاضة كما كان الحال في المبادرة العربية التي طرحت في مؤتمر القمة الذي عقد في بيروت عام 2002. هذا عدا عن التلميح بإمكانية الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية ان لم يكن من الطرف الفلسطيني فمن "المجتمع الدولي" حتى لا يتم احراج السلطة الفلسطينية. نعود هنا لنؤكد انه لعل السلطة الفلسطينية أو بالأحرى الجهابذة وجوقة المستشارين وهم كثر ما شاء الله لا يدركون طبيعة هذا الكيان الغاصب، ومن ثم فانهم لا يدركون أهمية وضرورة تقديم استراتيجية فلسطينية مغايرة تماما للاستراتيجية التي اتبعت من أوسلو ولغاية الان وهي بالضرورة تستدعي استنهاض للشعب الفلسطيني وتمسكه بالمقاومة كخيار وحيد لمقارعة الاحتلال ورفع كلفته المادية والبشرية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية الى الحد الذي لا يجد مفرا أمامه سوى بالتخلي عن احتلاله. والاحتمال الاخر أن السلطة الفلسطينية والطبقة السياسية الملتفة حولها ترى انها لا تستطيع أن تجابه الاحتلال الصهيوني للأرض ومن ثم فهي تسعى بشكل أو بآخر على بث الروح الانهزامية وأنه لا حول لنا ولا قوة وأننا لا نستطيع مجابهة دولة الكيان الصهيوني وتتحجج بأن الوضع العربي لا يساعد وكأن النظام الرسمي العربي لم يسعى سابقا ولا يسعى لتصفية القضية الان من خلال حرف بوصلة الصراع في المنطقة. ويساعدها في ذلك جوقة من الكتبة "والمفكرين" فلسطينيين كانوا أم من الاعراب وخاصة في الدول الخليجية. وعامل تثبيط آخر لهذه الطبقة السياسية المقربة من السلطة الفلسطينية هو أنها وبحكم الواقع الذي تواجد مع عودة العديد من قياداتها الى الضفة الغربية بناء على تفاهمات أوسلو قد حققت أرباحا طائلة من سيطرتها على اقتصاديات الأراضي المحتلة عام 1967 من خلال المشاريع والأنشطة الاقتصادية والاحتكارات التي سمح لها الاحتلال بممارستها وتسهيل الحصول عليها. هذه الطبقة السياسية والاجتماعية تتكالب على ما حققته ومن الصعب عليها التخلي عن كل هذه الامتيازات والثروات ومستوى المعيشة التي لم يحلموا بها من خدم وحشم وسيارات فارهة ومعاشات خيالية وعطلات سنوية مدفوعة ومحسوبيات. لقد تولدت طبقة سياسية واجتماعية طفيلية ضمن الاحتلال وارتباطها بالسلطة بشكل أو بآخر وهذه الطبقة تقف عائقا وسدا منيعا أمام التحركات الجماهيرية والمقاومة بجميع اشكالها لأنها ترى فيه تهديدا حقيقيا لمصالحها وبالتالي من الخطأ التعويل على هذه الطبقة الفاسدة حتى النخاع في المساهمة بإنهاء الاحتلال. كما ان انتشار المنظمات الغير حكومية وما أكثرها قد سمح للعديد من أفراد الطبقة الوسطى الشابة الانخراط في مثل هذه المؤسسات ووجدت فيها وسيلة للارتزاق وتكوين ثروة لا بأس بها وتحسين وضعها الاقتصادي. وأصبحت هذه المؤسسات أكثر من الدكاكين في المدن والقرى. ونعتقد جازمين بأن هذه كانت سياسة مدروسة ومبرمجة عملت على امتصاص العديد من جيل الشباب وحرفه أو تمييع موقعه على الخارطة الوطنية الفلسطينية. المطلب الان هو وضع استراتيجية مختلفة كلية ومتضاربة كلية مع المنحى السياسي الانهزامي الذي تجذر على مدى السنوات السابقة منذ أوسلو ولغاية الان. هذه مهمة الفصائل والقوى الوطنية كافة التي يجب ان تعمل خارج إطار السلطة الفلسطينية لان السلطة بمكوناتها قد اثبتت فشلها وعقمها السياسي وعدم تفهمها لطبيعة الصراع منذ أن تأسست وارتضت الانخراط في مشاريع التسوية التي لم تجر على شعبنا سوى التراجع والتنازلات وتخفيض السقف السياسي الفلسطيني باستمرار. على القوى والفصائل الفلسطينية أن ترتقي لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها في هذه المفاصل التاريخية وان لا ننتظر المصالحة بين فتح وحماس فهذه المصالحة من الواضح انها لم ولن تأتي في المستقبل القريب هذا ان أتت. فكلا التنظيمين على ما يبدو يشعر بأريحية في الوضع الذي هو عليه ولا يغرنك الكلام المعسول الذي يطلق بين الحين والأخر واللقاءات هنا وهناك. كلاهما آثر المصالح الفئوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك وهنالك قوى إقليمية ودولية تسعى لإبقاء هذا الحال على ما هو عليه لان ذلك بحسب تقديرهم يجعل الموقف الفلسطيني ضعيفا ويساعد في الانقضاض عليه في محاولة لتصفية القضية.