بقلم: رابح بوكريش
إن شمال شرقي آسيا هي منطقة حساسة من الناحية الجيوسياسية، تجابه فيها
الدول الكبرى في العالم وجها لوجه، وتعيش على العلاقات المتناقضة منذ زمن
بعيد بسبب مسألة السيادة على الأراضي ومن بينها، كانت شبه الجزيرة
الكورية ولا تزال تشكل أخطر المنطقة الساخنة في العالم، نظرا لأنها تعيش
حالة الحرب الدائمة بسبب عدم التوصل الى وضع حد نهائي للحرب .
تم عقد اتفاقية الهدنة بعد 3 سنوات من الحرب في الخمسينيات من القرن
الماضي. وتعني الهدنة وقف اطلاق النار المؤقت بكل معنى من الكلمة وليس
بوضع حد نهائي للحرب .
ومنذ ذلك الوقت، تشهد شبه الجزيرة الكورية حالة غير مستقرة لا للحرب ولا
للسلام على مدى أكثر60 عاما. الحقيقة الأولى الواضحة تماما هي أن :
الدول الكبرى، سعت وتسعى بشكل دائم الاستفادة من أي خلل داخلي في أي
منطقة من العالم ، وتستغله لصالحها اقتصاديا وسياسيا، بعدما ولت مرحلة
الاستعمار المباشر للدول. بالطبع الدول الصناعية القوية، تبحث لها عن
اسواق لبيع منتجاتها العسكرية والسلمية والغذائية فيها، وهدفها إبقاء هذه
الدول مجرد أسواق مستهلكة لبضائعها، وتكون تابعة لها سياسيا. وحسب " ري
يونغ بيل "
نائب رئيس القسم لمعهد دراسة الولايات المتحدة الأمريكية لجمهورية كوريا
الديمقراطية الشعبية: فإنه يعتقد أنه بعد أن أصبحت كوريا الشمالية دولة
نووية " تغيرت طبيعة علاقات الحرب الكورية الأمريكية من حيث الأساس، كما
أدخلت تعديلات كبيرة على الخارطة الاستراتيجية لشمال شرقي آسيا المحيطة
بشبه الجزيرة الكورية، تتطلب بإلحاح أكثر من أي وقت مضى تبديل اتفاقية
الهدنة باتفاقية السلام واقامة نظام ضمان السلام الثابت في شبه الجزيرة
الكورية، أخطر المنطقة الساخنة في العالم " . والحقيقة الواضحة الثانية
تماما هي : إن الذين يتحدثون في الصحافة الغربية على الخصوص عن خطر
الانتشار النووي لم يفهموا أن الذي دفع كوريا الشمالية للبحوث في المجال
النووي العسكري هو التهديد النووي الأمريكي الشرس ضدها . إن ما يجب أن
يتفطن إليه العالم هو أن النظام المدهش الذي تلتزم به الجماهير الكورية
الشمالية منذ أكثر من 60 عاما لا يعني أن هذه الجماهير لا تهتم بالحالة
السياسية وبالتطور الذي عرفته بلادهم ، وليس من شك أن دخول كوريا
الشمالية ضمن الكبار في المجال النووي جعلتهم يشعرون بالارتياح ويخرجون
ما كان في قلوبهم قبل أن تصبح بلادهم دولة نووية . على كل حال لا تتوقعوا
إبرام السلم بين الكوريتين بصفة مستعجلة إذ أن السلم يتطلب من الوقت ما
يتطلب ثم لا تنسوا ان السلم لا يمكن الاتفاق عليه بين الكوريتين بل هناك
اطراف أخرى " الصين ، أمريكا ، وحتى اليابان " . وكما قالت إحدى الكاتبة
اليابانية : " ... " لن تتمكن بلدان شمال شرق آسيا من إنشاء بنية دائمة
حقا من السلام إلا عندما يصبح بوسعنا أن نناقش الماضي من دون تعريض
المستقبل للخطر" .أحاديث عن السلم في شمال شرقي آسيا
2016-07-09