2025-05-25 11:35 ص

يقظة السعودية المتأخرة

2016-07-09
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
أعتقد أن ما من سوري يتابع تفاصيل العملية الإرهابية التي وقعت في السعودية إلا وتخطر له أحوالنا وما نواجهه من قتل وإجرام... فإن كانت عملية إرهابية وقعت ولها كل هذا التأثير السلبي على المواطنين لديها فما البال وشعب مثلنا في سورية يتجرع من سم هذا الإرهاب الإجرامي الدموي ما يزيد على أكثر من خمس سنوات، يستهدف إثارة العداء والفرقة ونشر الكراهية وتبادل العنف ونوازع الانتقام، في دولة كانت سمتها الأمن والأمان.! بعد أيام من الهجمات التي نفذها تنظيم داعش في سورية والعراق والأردن، يواصل الإرهاب توسيع دائرة إستهدافه الى دول أخرى، إذ ضرب الإرهاب في ثلاث مدن سعودية هي المدينة وجدة والقطيف، فالذي حدث بالسعودية عملية إرهابية بكل المقاييس إنما لا دخل لها بالدين ولا يوصف من يقومون بمثلها غير أنهم إرهابيون فقط، لأن الإرهاب لا دين له ولا جنسية، في جهة ثانية توعد تنظيم داعش بالقيام بعمليات إرهابية على الأراضي السعودية، انتقاماً من النظام السعودي على إدراجه عدداً من المنظمات الإسلامية على قوائم الإرهاب، مهددة بنقل العمليات إلى قلب العاصمة السعودية الرياض. لدى السعودية إمكانيات أمنية وعسكرية واقتصادية هامة تتيح لها التصدي لأي تحديات تهدد استقرارها الداخلي، إلا أن ذلك لا يعطي حصانة تامة للسعودية من خطر داعش خاصة فيما يتعلق بترامي أراضيها وصحاريها الشاسعة فرصة ثمينة لتزاول داعش وأدواتها نشاطاتهم بعيداً عن الأعين، والأمر الأكثر سلبية يتمثل في أن تورط المملكة في صراع عسكري طائفي طويل في اليمن قد يبعد الأنظار عن خطر داعش المستمر، ما يمنحه مجالاً واسعاً لتثبيت أقدامه بفضل الأعداد الكبيرة من السعوديين الذين يمكن أن يعودوا من مدارس العنف في سورية والعراق وليبيا، ووجود هذه الحواضن لـ"داعش" فإنها قادرة على إحداث اختراقات أمنية وقلب موازين القوة مع الحكومة السعودية، كما أن داعش تقوم بتجنيد الآلاف عبر وسائط الإتصال الإلكترونية، خاصة المهووسين ممن يسهل إستقطابهم ليتحولوا إلى قنابل داعشية لتنفيذ عمليات إرهابية متعددة، والسعودية التي فتحت أحضانها وأبوابها للمجموعات المتطرفة وأدواتها في سورية، ومولتها بالمال والسلاح بمباركة أمريكية، فضلاً عن تدخلها السافر في الشؤون الداخلية السورية، ينقلب السحر على الساحر ويأتي دور السعودية ليطرق الإرهاب بابها في أول محاولة منه لضرب عاصمتها، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ستعيد السعودية حساباتها ومراجعة مواقفها تجاه سورية، أم ستستمر على سياستها العدوانية التي حتماً ستذوق نيرانه؟! لا يخفى على كل أحد الدور السعودي في حرب سورية ودعم وتمويل واسناد وتجهيز المجموعات المسلحة بكل الإمكانيات من المال والسلاح وتجنيد الشباب وكذلك توفير الأرضية للإعتراف بهم كقوة فاعلة في الشأن السوري، فالمملكة والساسة الأمريكيون سخروا الإرهاب لتنفيذ مآربهم، طالما بعيداً عن ديارهم فلا ضير... أما الآن عندما دقت صفارات الإنذار فالموقف لا بد وإختلف، ومن يربي الوحش عليه أن ينتظر يوم يتحول إليه لينهشه، ولم تتوقع المملكة السعودية أن حفرتها التي كانت تعدها لسورية من دعم المجموعات المسلحة والمجموعات الأخرى ستقع بها، وسينقلب السحر على الساحر، فالذي حصل في السعودية والكتابات التي كتبت على الجدران تروّج لداعش وتمُهد بوصول نار الإرهاب الى الأراضي السعودية لتؤرق حالهم وتزيد قلقهم، وهو ما يؤشر لبوادر قوية لا تحمد عقباه بإرتداد المخططات السعودية الرامية لدعم المجموعات المتطرفة الى داخلها. يقظة متأخرة لدى الرياض بعدما تمكن تنظيم داعش في وقت قياسي من فرض سيطرته على مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، فلم يعد خطراً يقتصر على سورية أو العراق، بل إن الأصوات بدأت تعلو من السعودية بصورة متزايدة للتحذير من وصول الحريق السوري إلى داخل الأراضي السعودية، ومن هذا المنطلق فإن الكثيرين يلقون باللائمة على السلطات السعودية في ظهور التنظيم بهذه السرعة، ويتهمونها بتمويل وتصدير فكر إسلامي متشدد أصبح يمثل نقطة عبور أولى نحو فكرة الجهاد والعنف، وفي إطار ذلك فإن السعودية اليوم تدفع ثمن دعمها وتمويلها لتنظيمات إسلامية في سورية تعادي نظام الأسد، وبالرغم من أن الرياض إنخرطت في مشروع إسقاط النظام في سورية، فإنها تشعر الآن أن هذا المشروع معرّض للسقوط والزوال على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال التطورات التي حدثت في سورية، إضافة الى ذلك ثمة تخبط واسع في داخل المملكة حيال التعامل مع حقيقة تورط الكثير من أبنائها في القتال في سورية. اليوم وبعد اتساع رقعة الإرهاب، أجبر الكثيرون ممن دعموه لوجيستياً ومالياً على الأراضى السورية على أن يتراجعوا للوراء ويستعيدوا تصريحات الرئيس الأسد على مدار السنوات الماضية بأن "الإرهاب سيطول داعميه فى ديارهم"، هنا نقول ان الذي أملى على الغرب وحلفاؤه المراجعة هو فشلهم فيما خططوا مؤخرا، أي نجاح سورية وحلفائها في المواجهة، وبطبيعة الحال تأتي معركة حلب والرقة ودير الزور، فضلا عن الدفاعات المخططة في درعا وريف دمشق واللاذقية في طليعة ما هو مطلوب إنجازه في المرحلة القادمة، وعندها سيجد الجميع ان الرئيس الأسد كان واضحاً ودقيقاً عندما قال " إن موازين القوى أصبحت للجيش السوري وتنظيم داعش أصبح عاجزاً عن تحقيق أهدافه". مجملاً.... إن لعبة عض الأصابع تشارف على نهايتها .. وإن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات السعودية وسورية، لأن الحكومة السعودية لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع الحكومة السورية لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ الرياض إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي البوابة الرئيسية لتصفية المشروع الداعشي في المنطقة، وهذا التعاون يسهل على الرياض وعلى كل العالم القضاء على هذا التنظيم بأسرع وقت ممكن.
* كاتب سياسي 
khaym1979@yahoo.com