الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون يتحفنا بين الحين والأخر بقلق الأمم المتحدة على تدهور الأوضاع هنا وهناك. ومن يلاحظ ويتتبع هذا القلق المزعوم على النواحي الإنسانية في الكثير من الحالات يدرك بأن الأمور التي تجري على الأرض لا تسير ضمن المخطط الأمريكي أو لصالح الدول الغربية بشكل عام، أو أن القتل والدمار الذي تمارسه أدواتها قد فاق التصور وافتضح أمره على المستوى العالمي بالصورة المنقولة مباشرة من أرض الواقع كما هو الحال في اليمن وفلسطين وخاصة في قطاع غزة المحاصر.
قبل أيام فقط قام المتحدث الرسمي باسم الامين العام للأمم المتحدة بالقول إننا " نشعر بقلق بالغ إزاء الأوضاع التي تتكشف حاليا في حلب، ولا سيما مع وجود ما يقرب من 300 ألف شخص محاصرين في الجزء الشرقي من المدينة نتيجة الاشتباكات الدائرة على طول طريق كاستيلو وهو الطريق الوحيد الذي يسمح بالدخول الى المنطقة الشرقية من حلب والخروج منها". وفي معرض حديثه قال " الأمم المتحدة تدعو جميع أطراف النزاع الى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين، بموجب القانون الإنساني الدولي من اجل حماية أرواح جميع المدنيين الذين يعيشون في مدينة حلب".
من يقرأ هذه الكلمات دون علم بحقيقة ما يجري في حلب لا بد ان يشد على ايدي الأمين العام مؤيدا دعوته وقلقه على مصير المدنيين الأمنيين في أماكن "النزاع" بين "الأطراف المتحاربة" وتوجيه الدعوة الى "وقف إطلاق النار " أو تطبيق هدنة من أجل إيصال المعونات الإنسانية الى المنطقة الشرقية من حلب والتي تخضع للحصار دون تحديد من الذي يحاصر هذه المنطقة بالتحديد ولماذا؟
ما نريد ان نذكر السيد بان كي مون به هو ان المنطقة الشرقية من حلب تسيطر عليها جبهة النصرة وهي تنظيم قاعدي متواجد على لائحة التنظيمات الإرهابية في الامم المتحدة وأن هذه الجبهة والمجموعات الإرهابية الأخرى التي تقاتل تحت رايتها مثل جيش الفتح وغيره الذي تصنفهم الإدارة الامريكية "بالمعارضة المعتدلة". هؤلاء يرفضون الانفضاض من علاقاتهم مع جبهة النصرة لأنهم في حقيقة الامر من الضعف بمكان بحيث تركهم لجبهة النصرة لن يمكن الدول الراعية لهم مثل تركيا والسعودية وقطر والبيت الأبيض من استخدامهم كورقة على طاولة المفاوضات في جنيف إذا ومتى أعيدت هذه المباحثات التي توقفت بالتحديد للخسارة التي منوا بها في الميدان في حلب نتيجة تقدم الجيش السوري وحلفاؤه على هذه الجبهة. عندها في ابريل الماضي، وكما هو الحال الان تنادى البيت الأبيض وادواته في المنطقة مطالبا بوقف "الاعمال العدائية" على الأرض السورية على ان يشمل هذا حلب لان الإرهاب بدأ يتراجع ويخسر على ارض الميدان لصالح الجيش العربي السوري وحلفاؤه.
هذا الصراخ والعويل المتجدد الان يهدف الى الحفاظ على جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية ومنع انهيارها لان ذلك يعني ببساطة سقوط مشروع اردوغان في قضم جزء هام من الشمال السوري. كما انه يعني سقوط المخطط في تقسيم الوطن السوري ومن هنا تنبع أهمية المعارك الدائرة بين المجموعات الإرهابية من جانب والجيش العربي السوري وحلفاؤه من الجانب الاخر. قبل ما يقرب من الثلاثة أشهر عندما قبلت الدولة السورية وقف الاعمال العسكرية في جبهة حلب وعلى الجبهات الأخرى وذلك لإعطاء فرصة لروسيا للتفاهم مع الولايات المتحدة على فصل المجموعات المسمية "بالمعارضة المعتدلة" عن جبهة النصرة المصنفة دوليا بالارهابية، انتهزت الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية الفرصة وعملت على تمرير الأسلحة النوعية ومئات الاطنان من السلاح والذخيرة الى المجموعات الإرهابية ودفعت تركيا وعبر حدودها بما يقرب من 5000 مسلح من الإرهابيين لخوض المعارك في حلب.
ولم تلتزم عندها هذه المجموعات الإرهابية بوقف "الاعمال العدائية" والتي يريد بان كي مون والإدارة الامريكية بحمايتها من الهزيمة اليوم على ايدي الجيش العربي السوري وحلفاؤه. وكان من نتيجة هذا التسليح النوعي بالإضافة الى الالاف من المسلحين الذين تدفقوا عبر الأراضي التركية أن تمكنت هذه المجموعات من استعادت بعض الأراضي والأماكن الاستراتيجية التي فقدتها قبل وقف "الاعمال العدائية" وأمطرت مدينة حلب بالصواريخ والقذائف يوميا بقصف عشوائي على المناطق السكنية واستهدفت المصلين بعد خروجهم من المساجد يوم الجمعة. عندها لم نسمع من السيد بان كي مون بانه قلق عن تدهور الأوضاع في حلب ولم نسمع حرصه الزائف على أرواح المدنيين التي ازهقت نتيجة القصف العشوائي للمناطق الخاضعة تحت سيطرة الدولة السورية.
والان تريد الإدارة الامريكية والسيد بان كي مون إعادة الكرة مرة أخرى للحفاظ على نفس المجموعات الإرهابية ولنفس الأغراض. السيد بان كي مون الخادم الأمين والمطيع للإدارة الامريكية كما أوضح مؤخرا بوقف الحملة ضد السعودية لقتلها الأطفال في اليمن واستخدام القنابل العنقودية التي وثقها مبعوثيه من الامم المتحدة الى اليمن، نراه اليوم يتباكى على المحاصرين في المنطقة الشرقية من حلب ويذكر بان الاشتباكات تدور على طول طريق كاستيلو وعلى انه الطريق الوحيد لإدخال المساعدات الى 300000 محاصر. نعم لقد اصبح الجيش السوري يسيطر ناريا على هذا الطريق وهو الطريق الوحيد الذي يستخدمه المسلحين للحصول على السلاح بعد تهريبه من الحدود التركية بالإضافة الى انه الطريق الذي يدخل منه المسلحين من الأراضي التركية، بمعنى انه شريان رئيس للإبقاء على الارهاب. لكن هذا طبعا لا يود السيد بان كي مون ذكره خوفا من كشف نواياه الحقيقية الساعية الى الحفاظ على هذه المجموعات الإرهابية.
للسيد بان كي مون وللبيت الأبيض واداوته وعملائه في المنطقة نردد المثل العربي القائل "لا يلدغ المؤمن من الحجر مرتين". بمعنى أن الجيش العربي السوري لن يترك فرصة للإرهابيين بان يفعلوا ما فعلوه في المرة السابقة. ان الدولة السورية مطالبة بتوفير الحماية للمواطن السوري وهذا حق شرعي للمواطن على الدولة والحكومة التي انتخبها. ان الدول الراعية والممولة والداعمة للإرهاب ومن خلال المجموعات التكفيرية واعمالها البربرية تسعى الى فك هذا التلاحم والرابطة العضوية بين أطراف الثالوث المقدس المتضمن الدولة السورية بقيادتها السياسية والجيش العربي السوري والشعب السوري. هذا التلاحم الذي أدى الى الصمود الاسطوري السوري على مدى ما يقرب من ستة أعوام أمام أكبر هجمة كونية إرهابية على سوريا استخدمت فيها كل الأدوات ووظف لها أكثر من 100 مليار دولار، من حرب اقتصادية وإعلامية وعسكرية وسياسية. نحن لا ننكر البتة موقف أصدقاء وحلفاء سوريا الذين قدموا ضريبة الدم للدفاع عن الخط الأول لمحور المقاومة جنبا الى جنب مع الجيش العربي السوري ولكننا نؤكد انه لولا الصمود السوري لما استطاع الأصدقاء والحلفاء عمل أي شيء لو انهارت الدولة السورية لا سمح الله.
لم نسمع من السيد بان كي مون اية ادانة لاستخدام المجموعات الإرهابية في حلب القنابل الفسفورية والعنقودية مؤخرا في قصف الاحياء المدنية المكتظة بالسكان. ويحق لنا ان نتساءل من هي الدولة التي أمدت المجموعات الارهابية بهذا السلاح الكيميائي المحرم استخدامه دوليا. الدولتين الوحيدتين في المنطقة اللتان استخدمتا هذا النوع من السلاح الكيميائي هما إسرائيل والسعودية. وهذا الكلام موثق لدى خبراء ومفتشي الأمم المتحدة وبالتالي من السهل التدقيق ومعرفة الدولة التي امدت هذه المجموعات الإرهابية به. أم ان السيد بان كي مون وهو في نهاية ولايته لا يريد أن يغضب السعودية كما فعل في قضية اليمن أو أن يغضب إسرائيل التي استخدمت القنابل النيترونية في اليمن أيضا وذهب الامر دون تحقيق أيضا؟
لا نبالغ ان قلنا كما يقول البعض ان معركة حلب هي أم المعارك وعليها ربما يتوقف المستقبل السوري. ومن هنا نجد هذا التكالب من قوى الظلام من الادارة الامريكية الى تركيا الى السعودية وقطر والاداة المتمثلة بهذه المجموعات الإرهابية في محاولة مستميته للحفاظ على هذه الأداة لأنها باتت تشكل الركيزة الأخيرة لها وخاصة انها فشلت على محاور كثيرة ومجموعات عدة حاولت تكوينها تحت العديد من المسميات كان آخرها جيش سوريا الجديد. ومن هنا نرى تركيز الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض والجو على جبهة حلب العاصمة الاقتصادية للدولة السورية. وهذا يستدعي عدم الرضوخ أو إعطاء فرصة أخرى التي يعمل من خلالها راعي الإرهاب الاستفادة من بث الحياة مرة أخرى في المجموعات الإرهابية. لا بد من القضاء على كل إرهابي على الأرض السورية وتحرير كل شبر من الوطن السوري كما قال السيد الرئيس الدكتور بشار الاسد والتي اعترضت علي قوله وبكل وقاحة وعجرفة الإدارة الامريكية، لأنها لا تريد هزيمة الإرهاب والإرهابيين ولأنها ما زالت تسعى الى إدامة العدوان على الوطن السوري واستنزاف موارده وقدراته وتفتيته الى جزر أرخبيل طائفية وعرقية، خدمة لاستراتيجيتها في المنطقة والعالم وخدمة لربيبتها الكيان الصهيوني الغاصب، ولتمرير الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية.
السيد بان كي مون "والقلق" عما يجري في حلب
2016-07-11
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني