2025-05-25 08:58 ص

النظام العربي و"متلازمة ستوكهولم"

2016-07-13
بقلم: إيهاب شوقي
التاريخ سلسلة متصلة من الاحداث التي تتحكم فيها النفوس البشرية ولذا تجري عليها ذات السنن الكونية المتعلقة بطبائع البشر، وهو ما يجعل احداثا تتشابه مع احداث وهو ما يعطي للاستلهام والقدوة مشروعية وهو مايعطي للتاريخ أهلية لان يصبح مدرسة للعبر والدروس. والعوامل الشخصية لاشك وانها تحكمت في تاريخ امم وازهقت ارواحا وانقذت اخر، استنهضت شعوبا ودمرت اخر. ولعل الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل كان من الرواد في تناول العامل الشخصي وابراز دوره في التحكم بسياسات ومصائر حكومات ودول. الشاهد اننا امام فراغ سياسي في وطننا العربي ولانبالغ ان قلنا انها تكاد تكون حالة اقرب للعالمية، بعد تدجين المعارضات الابرز للعولمة تارة وتدميرها تارة اخرى، وبعد الانحسار الذي اصاب الموجات اليسارية والمقاومة، واصبحت الان حركات الرفض والمقاومة بمثابة جيوب لانستطيع ان نطلق عليها تيارا. وفي ظل هذا الفراغ يتعاظم دور العامل الشخصي لمن بيدهم السلطة، فتكاد تكون شخصية الحاكم ونظرته للامور وطبيعته بل وحتى مواصفاته النفسية بايجابياتها وسلبياتها هي التوجه السياسي الرئيسي لحكومته وهي القاعدة التي تتحكم في التعامل مع التوازنات. حدث ذلك قديما وحديثا في ظل سلطات مطلقة وكانت الشعوب رهينة حظها مع حاكمها ان كان عادلا او ظالما او مضطربا او حتى مختل ومجنون. ولان بلدا كمصر لها محوريتها واهميتها التي لا يجادل فيها صديق لها او عدو، فستتمحور فكرة هذا المقال عليها، لانها اصبحت حالة محيرة ومربكة لدى الكثيرين. فمصر التي ثارت على نظام جسد حالة التبعية والظلم الاجتماعي، مالبثت وان انتجت نظاما متاجرا بالدين ولكنه موضوعيا وعمليا نسخة مكررة في التبعية والظلم الاجتماعي، وما ان ثارت عليه حتى بدا للجميع انها مصرة على طلاق هذه النوعية من الانظمة لانها تأبى هذه المنظومة بالكلية، الى ان فاجأ الجميع نظامها الجديد بخطوات مراوغة لا تنتج في محصلاتها الا نموذجا مكررا من التبعية والظلم الاجتماعي، بل وتخطى اسقف من سبقوه بقرارات اقل ما يقال عنها انها "فاجرة" برغم ما يحيطها من شعارات مراوغة وحرب معلنة على سابقيه الذي لم يتمايز عنهم. هذا الشيطان الذي يعتري النظام المصري فيجعله تارة يبدو مع المقاومة وتارات ضدها، وتارة يبدو مع التنوير وتارات ضده، وتارة يبدو تقدميا وتارات رجعي ومتحالف ومتوحد مع الشيطان الاقليمي الاكبر وهو النظام السعودي، لا يمكن تفسيره بمنطق سياسي. وربما التفسير النفسي هو الاوقع بعد ان اعتمد منطق السلطة المطلقة، وبالتالي فان المواصفات النفسية له هي التي تقود الى استقرائه ومحاولة سبر اغواره. ولعل زيارة نتنياهو الاخيرة لافريقيا وتحديدا اثيوبيا بما تحمله من مهددات صريحة للامن القومي، والتي كان الرد المصري عليها سريعا بزيارة دافئة للكيان الصهيوني، هي مدخل لتوضيح طبيعة هذا النظام ومفسر لوقائع شبيهة لم يتم القاء الضوء عليها في حينها مثل رسائل بدت ودودة للنظام القطري الممثل لاكبر المنابر المهاجمة للنظام، وكذلك طريقة التعاطي مع ملف سد النهضة وكذلك الضعة البالغة التي يتعامل بها النظام مع تركيا حيث يقابل دائما هجومه الوقح بردود مهذبة وعلى استحياء بالغ! في مقابل ذلك يتعامل النظام بصلف بالغ مع من يتودد اليه ومن يقيم او يحاول اقامة علاقات ودية معه! ولعل اقرب تفسير نفسي لهذا النظام هو ما يطلق عليه... متلازمة ستوكهولم! ولنقرأ ما كتب العلماء على هذه المتلازمة دون اي تدخل، ولنتأمل: "متلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف. وتسمى ايضاً برابطة الأسر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تظهر فيها الرهينة او الاسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الايجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه. هذه المشاعر تعتبر بشكل عام غير منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة التي تتحملها الضحية، إذ أنها تفهم بشكل خاطىء عدم الاساءة من قبل المعتدي احساناً ورحمة. وقد سجلت ملفات الشرطة وجود متلازمة ستوكهولم لدى 8% من حالات الرهائن. ويمكن اعتبار متلازمة ستوكهولم كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الاخر بشكل متقطع ومتناوب. احدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك، تفترض ان هذا الارتباط هو استجابة الفرد للصدمة و تحوله لضحية. فالتضامن مع المعتدي هو احدى الطرق للدفاع عن الذات. فالضحية حين تؤمن بنفس افكار وقيم المعتدي فان هذه الافكار والتصرفات لن تعتبرها الضحية تهديدا أو تخويفا. أطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم. السمات العامة لكل متلازمة اعراض وسلوكيات تميزها، ولعدم الاتفاق على قائمة متكاملة من الاعراض لاختلاف اراء الباحثين والمتخصصين، لكن بعض العلامات لابد من تواجدها ضمن متلازمة ستوكهولم مثل: المشاعر الايجابية تجاه المعتدي المتسلط المشاعر السلبية للضحية تجاه العائلة أوالاصدقاء أو من يحاول انقاذهم أو الوقوف بجانبهم. دعم وتأييد سلوك وتفكيرالمعتدي المشاعر الايجابية للمعتدي تجاه الضحية سلوكيات ساندة للمعتدي من قبل الضحية واحياناً مساعدة المعتدي عدم القدرة على المشاركة في اي سلوك يساعد على تحرير الضحية او فك ارتباطها." انتهى الاقتباس وللقارئ استرجاع الاحداث والمواقف ثم الحكم.