2025-05-25 09:29 ص

رب عظة أبلغ من إنقلاب

2016-07-18
بقلم: أنور العقرباوي
في لحظة دون سابق إنذار, استفاق الأتراك والعالم معهم, على خبر محاولة انقلابية تبين لاحقا أنه لم يكتب لها النجاح, حين لم يتسنى لأحد أن يتعرف على قادة إنقلاب أو سماع "البيان" العتيد الأول! وبغض النظر عما قد يؤول إليه الحال, فلعله من المستحسن أن نعود على أنفسنا بالذاكرة, فلعل بها بعض النفع والعظة لنا وربما لغيرنا! لا شك أن أحدا لا يروق له, أن يرى العسكر يعودون للحكم ثانية في أي مكان, بعد أن أصبحت صناديق الإقتراع, هي الخيار الأمثل اللذي تقرر الجماهير من خلالها, الشكل والنهج اللذي سيسير على هديه, كل من حظي بثقة الأغلبية من أصواتها. تركيا لم تكن أقل حظا من نظيراتها من النظم الديمقراطية, في تحسين مكانتها الدولية, اللتي ما لبثت لاحقا أن انعكس على وضعها الإقتصادي لتحجز لها مكانا, بين الدول العشرون الأغنى عالميا, وعلى الهدوء الأمني, على إثر اتفاقية السلام مع حزب العمال الكردي عام 2013,  والاستقرار السياسي بعد أن حظيت بثقة دول الجوار بتصفير مشاكلها معهم, ولعل أبلغ مثال على ذلك, حينما أصرت سوريا عام 2008, على عدم القبول بأي  وسيط غير التركي في محادثات السلام بينها وبين الكيان الصهيوني! جاءت الانتفاضة العفوية العربية عام 2011, تحمل شعار الحرية والعدالة والمساواة, ولعل المثل التركي كان أحد ابرز محفز لها, إلى أن انقضت عليها أنظمتها, لتتحول من انتفاضة شعبية, إلى "ربيع عربي" يتقدم صفوفه حكام العرب, وفي مقدمتهم حكام الانظمة الملكية. ولما كانت هذه الأنظمة تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية, فقد وجدت هذه الاخيرة, أنه سيكون لزاما عليها, من أجل الحفاظ على مصالحها وحماية الأنظمة اللتي تدور في فلكها, أن لا تتجاهل المطالب الجماهيرية ولو بحدها الأدنى, حتى لا يداهم الخطر أي من حلفائها.  ولما كانت الشعارات الدينية, هي الأنسب للنفاذ إلى القلوب قبل العقول, فقد وجدت فيها قوى الوصاية هذه, الوسيلة الأسهل في الإلتفاف على الجماهير من خلال مداعبة أحاسيسها بتلك الشعارات, على أمل أن يقوم مجتمع العدل والمساواة, اللذي ينشده كل مسلم في المجتمع الإسلامي العتيد المنتظر! وهكذا أخذ الإسلام السياسي على عاتقه, خوض معركة الوصول إلى السلطه, حيث كان له ما أراد, وإن كان يفتقد الى التجربة, فقد وجد في النظام القائم في تركيا وبالذات في رئيسه السيد أردوغان, خير مرشد ودليل على اقتفاء أثره, إلى أن أصبحت تلك العلاقة لا تقل عن شبيهتها اللتي كانت قائمة مع الغرب, من حيث التبعية والسيطرة على إرادتها الوطنية, استغلها إردوغان في سبيل إعادة أمجاد امبراطورية قوضها الزمان نتيجة فشلها في توفير أدنى اسباب الحياة الكريمة لشعوبها, حتى بلغ الغرور فيه حدا ليس في محاولة الاحكام على كل مقاليد السلطة في بلاده وحسب, بل مد نفوذه إلى الجار السوري, في محاولة لإسقاط الحكم القائم فيه بحجة أنه نظام لا يراعي مصالح الأكثرية, ليجد لاحقا أنه قد ورط بلاده, نتيجة انانيته وفلسفته الخاصة به, في مأزق اقتصادي بدليل انخفاض قيمة عملته واسعار السوق المالية, وآخر أمني تمثل في الهجمات الإرهابية اللتي نفذها ربيب الامس, ناهيك عن فتح الاكراد جبهات مختلفة, وازدياد المخاوف من النوايا الامريكية في دعم اقامة كيان كردي في الشمال السوري, ليزيد على ذلك تصادمه مع دولة كبرى, ودول من داخل الاقليم وخارجه, ليجد نفسه في حالة عزلة سياسية تامة, كان بالتأكيد في غنى عن كل ما ذكر منها هو وشعبه وجيشه. وإذا كان لابد وبالتأكيد أنه سيعيد تقييم مواقفه وسياساته, اللتي كادت أن تودي فيه على أيدي حفنة غير منتظمة من جنوده, فلعله من الحكمة بمكان أن يراجع مواقفه وسياساته وخاصة ما يتعلق منها مع جاره السوري, اللذي وضع يوما ثقته الكامله فيه, قبل أن يأتي يوما قد تزحف جماهيره فيه, للتخلص من سياساته وعواقبها الوخيمه اللتي أصبحت مضارها لا تخفى على شعبه وجيشه.
كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن