ما من شك أن تركيا تمر بأزمات معقدة ومركبة على أكثر من مستوى ، وهذه الأزمات إن لم تعبر عن نفسها ستجد من يدفعها بشكل يبلور لنا الوضع في الداخل والخارج وعلى الحدود ، وإذا كان ما حدث بالأمس في تركيا ما هو إلا انعكاسا مباشراً للأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية ، ونتاج طبيعي للسياسات الخاطئة التي أنتهجها أردوعان إلا أنه في البدء علينا جميعاً أن نعترف أن ما حدث في تركيا أكبر من شخص أردوغان وحزبه ، لا بل أكبر من كل القوى المتواجدة فوق الأراضي التركية بما فيها الجيش ، لهذا ستبقى تركيا الصورة الأكثر غموضاً وضبابية في المشهد السياسي الحالي والقادم لعدة أسباب يشي بها هذا المقال بطرق مباشرة وغير مباشرة ، و لا أخفيكم أنني كتبت ومن موقعي كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي مقالة بتاريخ 2015-12-11 تحت عنوان (هل تقسيم تركيا الحالية حتمية أمنية عالمية لضمانة الأمن والسلم العالميين ؟!!) وتحدثت فيها عن هذا الانقلاب ، مع أن الهدف الأهم عندي من خلال تلك المقالة هو قياس نبض أصحاب القرار في الغرب حول تركيا تحديداً ، لأنها الأهم في تقديرنا كإنسانيين ، والحق أنني لا استطيع أن أختزل في هذه العجالة الردود والتقارير على تلك المقالة من أعضاء هيئتنا الجليلة والتي تجمع في ذلك الحين على أن قادة الغرب في أمريكا وأوربا لا يريدون تركيا موحدة ولا يريدون تركيا أيضاً مقسمة ، وإنما يريدون تركيا دولة فاشلة ، وقد أبرقت في حينها إلى كافة أصدقائنا ، وقلت لهم لا تغرنكم تلك الهزائم التي تلحق بداعش ، بعد أن أتضح لنا بما لا يقبل الشك أن وجود داعش في سورية والعراق وليبيا وبعض المناطق مجرد تدريبات عسكرية حية قبل استخدام هذا التنظيم في المهمة التي وجد من أجلها ، ولن يبدأ العمل الحقيقي في هذه المهمة إلا بعد أن تتحول تركيا إلى دولة فاشلة ، لهذا أنصح وبشدة للعودة إلى ذلك المقال والذي قلت فيها وفي صحيفة المنار ما يلي : أعود وأتساءل والسؤال موجه إلى الناخب التركي البسيط والمحترم : ترى حين تم انتخاب حزب العدالة والتنمية تم بناء على ماذا ؟! ألم يتم بناء على سياسة تركيا صفر مشاكل ، والواقع الآن ماذا ؟ عداء مع العراق ، وعداء مع سوريا ، وعداء مع مصر ، وعداء مع اليونان ، وعداء مع الأكراد ، وعداء مع الأرمن ، وعداء مع دول البركس ، وعداء مع الأوروبيين ، لا بل عداء مع الإنسانية جمعاء ، أقول ذلك باسمي كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي واسم كافة محافلنا ومجامعنا الإنسانية على المستوى العالمي ،إلى أن أصبحت خيارات تركيا محدودة جدا ، وسنشهد عما قريب اضطراب سياسي عارم ، وستكون تركيا بين أمرين لا ثالث لهما للخروج من حقيقة التقسيم القادم لا محالة : إما انتخابات مبكرة تطيح بحزب العدالة والتنمية ، أو انقلاب عسكري للإطاحة بحزب العدالة والتنمية ومحاكمة أرد وغان وعصابته وعلى رأسهم أبنه بلال الذي شاهدنا صورة مع قادة التنظيمات الإرهابية ...!! هذا ما قلناه في تاريخ 2015-12-11 ، وحدث الآن أمام أعينكم في الدولة التي يراد لها أن تكون فاشلة الآن هل رأيتم ؟!!
والنتيجة الدولة الإسلامية تتمدد في أوروبا وعموم المنطقة سيارات مفخخة هجمات في كل مكان فراغ أمني في عموم المناطق التي يتمكن داعش من تنفيذ عملياته اللامركزية فيها ، والمصاب أن هناك ارتباط عاطفي بهذا التنظيم من قبل الشباب الغربيين والشرقيين ، وهاهو تنظيم داعش يتبنى في بيان رسمي الهجمات التي تعرضت لها باريس أمس الجمعة، والتي حصدت أرواح ما يقرب من 140 شخصا، وخلفت مئات المصابين وسط حالة صدمة في جميع أنحاء العالم، لاسيما وأن التفجيرات استهدفت مطاعم وقاعة للموسيقى وإستادا رياضيا..!!
ما زلنا نتحدث عن الدولة المستطيلة الشكل جغرافيا والتي يقع الجزء الأكبر منها في جنوب غرب قارة آسيا ، وجزء أخر صغير ( إستانبول ) في جنوب شرق أوروبا ، لهذا تعد حلقة الوصل بين قارات العالم القديم ( آسيا ـ أوروبا ـ إفريقيا ) الدولة التي أشبه ما تكون بجزيرة محاطة بسواحل بحرية من ثلاثة جهات جغرافية ، فهي تطل بسواحل بحرية على كل من : البحر الأسود شمالاً ، وبحر مرمره ، وبحر إيجة غرباً ، والبحر المتوسط جنوبا ، وتتحكم في مضيقين بحريين إستراتيجيين وهما : مضيق البوسفور شمالاً بين البحر الأسود وبحر مرمره ، ومضيق الدردنيل جنوباً ، بين بحر مرمره والبحر المتوسط من خلال بحر إيجة ، ومن ثم تتحكم في حركة المرور البحري بين البحرين الأسود والمتوسط ...!!
والسؤال بالله عليكم ما هو مصير روسيا والعالم أجمع إذا ما كانت الكلمة العليا في هذه الدولة الفاشلة للدولة الإسلامية داعش ؟!! نتحدث عن الموقع الجغرافيا الأهم في العالم والأخطر ، وعن تقنيات عسكرية غاية في التطور ، مضافاً لها سلاح نووي لا نعرف بيد من سيكون في ظل الفوضى القادمة ، هل عرفتم الآن يا سادة فلم الانقلاب التركي ؟! ولماذا الغرب الداعم للإرهاب لا يريد إسقاط أردوغان من ناحية ، ولا يريد إنجاح الانقلابيين من ناحية ثانية ، لأنه لا يريد تركيا موحدة ، ولا حتى مقسمه ، يريدها دولة فاشلة ، دولة تكون القوة المطلقة فيها للدولة الإسلامية ( داعش ) والعمل على الاستفادة من كل قوة بما فيها النظام الحالي والذي غدا زعيم تنظيم لا أكثر من ضمن التنظيمات المتواجدة في تركيا والتي لا ولن يقرر أحد منها مصير الدولة التركية التي انتهت حكماً ليلة 15/7/2016 ، والدليل تلك الانقسامات المتواجدة الآن في الجيش و التي ستتضاعف في الجيش التركي خوفاً من أن يمسك فعلياً في زمام الأمور ، وفي تقديري المتواضع أن إيران أول الدول التي استشعرت بهذا الخطر حين حدوث الانقلاب الفاشل في تركيا والذي يراد له أن يكون فاشلاً لتظهير القوى المتناحرة داخل وخارج المؤسسة العسكرية ، وهذا واضح جلي من خلال تصريحها الذي جاء منسجماً مع الداخل والخارج على الرغم من وجود تناقضات وفجوات عميقة بين تركيا وإيران ، إلا أن هناك ثوابت إنسانية وأمنية عالمية لا يمكن تجاوزها ، ويأتي من يقول لماذا كإنسانيين تحترمون إيران إلى هذا الحد ؟...!!
ولنتعمق أكثر في المشهد الدولي لنرى بوضوح كيف أن أمريكا لا تنتهج في تحقيق أطماعها خطة واحدة ، وإنما تنتقل من خطة إلى خطة ، ومعظم هذه الخطط وبكل إشكالها ومضامينها تعمل على هدف واحد إنتاج دول فاشلة في منطقة الشرق الأوسط ، وبخاصة حول روسيا تحديداً ، وهنا لا أعرف كيف نصدق تلك المزاعم التي تدعي أن التحالف يعمل على ضرب وتطويق التنظيمات الإرهابية وهو يسلحها ويقويها ويمدها بالعدة والعتاد إلى أن تعاظم نفوذ تنظيم داعش الإرهابي حتى داخل أوروبا التي تقدم أمنها قربان للوثن الأمريكي ، وهاهي القواعد العسكرية الأمريكية الجديدة في شمال إفريقيا تخدم الحلف الأطلسي وتحمي السواحل الأوروبية، بجانب السيطرة على النفط الليبي والتي تتحدى بشكل واضح وفاضح نفوذ اللاعبين الإقليمين روسيا والصين ...!!
أعود وأتساءل: ترى ماذا تفعل أمريكا قبل وبعد ما سمي بالربيع العربي ؟! هل من عمل لها غير إنشاء قواعد عسكرية في كافة أنحاء العالم ؟!! لا بل وربط هذه القواعد بعضها ببعض بحجة مكافحة ومحاربة الإرهاب ، لماذا ؟ لأنهم لا يريدون إلا هدف واحد لا ثاني له تقويض روسيا والصين ...!!
وتعالوا بنا لنبحث بالمحادثات الأمريكية الروسية ماذا نجد ؟!! ما زال الفارق قائماً في تقييم الإرهابيين ، وما زالوا يتحدثون عن قوى معتدلة لا بد من مضاعفة دعمها ، والحقيقة أن جيوش دولة الإسلام داعش فقط تقوم بتغير ملابسها ، لكي تحصل على الدعم الغربي وفي وضح النهار ، وهنا أنصح روسيا والصين وإيران والقيادة السورية وحزب الله في لبنان ودول البركس بضرورة التنسيق العسكري والأمني قبل فوات الأوان وتشكيل قوى عالمية تضع النقاط على الحروف ، وتعلن التعددية القطبية في العالم وبأسرع وقت ممكن ، وتحجم أمريكا وأطماعها العدوانية في العالم ، وتوقف عدوانها ولو من الناحيتين العسكرية والقانونية ، والعمل على إنهاء الأزمات وبكافة المناطق في العالم ، و تحرير الناس من هذا الليل الأسود وظلمة التنظيمات الإرهابية ، هناك مشاريع جهنمية لإفشال الدول ، وتركيا ستكون أمامكم نموذج حي ، وقبلها عدة الدول ترونها أمامكم والسؤال للرئيس الروسي بوتين : ماذا لو نجح هذا المشروع وبدأ العمل في المرحلة المقبلة في جمهوريات من روسيا ودول سوفيتية سابقة وفيه كما نعلم جميعاً أعداد لا باس بها ينتمون للتنظيم أقصد داعش ؟!!
ما يحدث لا يسير على ما يرام وليس في الاتجاه الصحيح ، وعلى أمريكا أن تتوقف عن العبث في الدول من خلال اللعب على التناقضات ، هي تعرف أهدافها جيداً ولكنكم جميعاً يا سادة أنتم أنصارنا أنصار الإنسانية والأمن الإنساني تجهلون أهدافكم ، وهنا قد يأتي شخص ويقول هناك تقدم فضائي روسي تحتاجه أمريكا وعموم أوروبا ، وأجيب وأقول : وهذا ما يضاعف من الخطر عليها ولا يحجمه على روسيا ...!!
أما للأتراك أقول : أنتم اليوم تستخدمون بدمائكم ، وأرواحكم ، وأعراضكم ، وأموالكم من أجل تحقيق مصالح أبعد ما تكون عن الشعب التركي ، وليعلم أردوغان وغيره أنه من غير الممكن النمو و التطور في جو لا يسوده الأمن والسلام و الاستقرار ، وتركيا اليوم بهذه الأخطاء المركبة في الداخل والخارج يتم ترشيحها من قبل الغرب المستعمر كدولة فاشلة ، أيها الأتراك أين شعار مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك القائل "السلام في الوطن والسلام في العالم" حزب التنمية وعلى رأسه أردوغان يخون مبدأ المؤسس مصطفى كمال أتاتورك ، والذي من المفترض أن بؤسس لتركيا القوية من مبادئ الدولة المبنية على أسس راسخة من الديمقراطية والعلمانية والحقوق الإنسانية ، لا أن تصبح هي نفسها مصدر الأخطار لنفسها والعالم ، وفي الختام ليعلم الجميع أن الغرب الداعم للانقلاب لا يريد تركيا موحدة ، ولا مقسمه ، وإنما يريدها دولة فاشلة لصالح تمدد داعش ...!! ....!! خادم الإنسانية .مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .
الغرب الداعم للانقلاب يريد تركيا فاشلة لصالح تمدد داعش ...!!
2016-07-18
بقلم: د. الشريف رعد صلاح المبيضين