لم تعد واشنطن تطالب باستقالة الرئيس الأسد فوراً، وبات محط اقتناع، بأن رحيل الأسد حالياً سيقود سورية إلى سيناريو شبيه بليبيا أو العراق، بهذه الكلمات وصّف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة بورودافكين التحول المُتلمس روسياً حيال السلوك الأميركي في الملف السوري، هذا التوصيف وإن بات مدعوماً بما أفرزه جملة الحراك السياسي الذي قام به كيري في موسكو لجهة الايذان ببدء مرحلة تعاون عسكري بين البلدين لمحاربة الارهاب، إلا أن المحطات الذي اصطدم بها كانت متعددة، كما هي العادة دوماً في التكوين الذي تقوم عليه السياسة الأميركية، المحطة الأولى كانت مع اشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي الذي باتت جل ماتصيغه " عبقريته العسكرية هو ( البحث في فرص الضغط) على داعش من الجنوب ،إذ وجد في حراك كيري سبيلاً لاقناع الروس لاتخاذ ماسماه بالموقف الصائب في سورية الذي يفضي الى انتقال سياسي يتخلى فيه الاسد عن السلطة، مضيفاً أن اي اتفاق لايلغي بأن الروس مازالوا بعيدين كل البعد عن مواقفنا، المحطة الثانية كان بطلها مدير الاستخبارات الأميركية الذي ابدى تحفظاً لتقاسم المعلومات الاستخبارية مع الروس، بدوره كان رئيس اركان الجيوش الأميركية سيد المحطة الثالثة، والأكثر صراحة عندما أعلن أن الاتفاق مع الروس يقوم على عدم الثقة، وأن أي شيء من التعاون سيقتصر على اجراءات محددة فقط تحفظ الأمن الأميركي.
نعلم بأن المراد الأميركي في سورية أصيب في محطات كثيرة بالفشل، إذ لم تتوقع الولايات المتحدة ذلك التنامي فوق العادة للسلوك الروسي في جبهة سورية، وإذا سلّمنا بأن كل التصريحات الأميركية تلك، هي من باب التغطية على الانتكاسات الأميركية المتتالية، وعدم القدرة على فرملة الإطاحات الروسية للمشروعات الاميركية، سياسياً وعسكرياً، لكننا نقف لنسأل؟ هل كان طلب دولة عربية من جبهة النصرة اخلاء مواقعها في الجنوب تحسباً لعملية عسكرية واسعة هناك من قبل قوات التحالف الدولي، بعيداً عن العين الأميركية، او حتى عن الضوء الأخضر الأميركي، ولماذا لم تُوضع استراتيجية أميركية حاسمة وواضحة المعالم حتى الآن لمحاسبة أو بالحد الأدنى ممارسة ضغوط حقيقية على دول بعينها جاء ذكرها على لسان ساسة أميركيين كبار عدّوها الداعم الرسمي والمولد الرئيس للجماعات المتطرفة، هل كان حراك السيد أنور عشقي للقاء مسؤولين اسرائيليين، وإن تم تجميله بأن الزيارة كانت لفلسطين وليس لاسرائيل وانه يمثل نفسه ولا يمثل الحكومة السعودية، هل كان ذلك بعيداً عن الأنظار الاميركية، اذ يدرك الجميع وهذا ما تم اعلانه بالفم الملآن وخلال لقاء سابق بين عشقي ووكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد بأن هدف اللقاءات هو لوضع استراتيجية لمواجهة اعداء مشتركين ووقف النفوذ الإيراني في المنطقة، وكذلك أيضاً الانتصار منقطع النظير الذي رسمه الأمير تركي الفيصل خلال مؤتمر للمعارضة الايرانية في فرنسا لجهة الارادة والمساندة السعودية لاسقاط النظام الايراني، هذا الانتصار الذي جاء ربما كترجمة أولى لمناظرة الامير السعودي مع عميدرور الجنرال الاسرائيلي المتقاعد على قاعدة ما سماه تركي الفيصل العقل العربي والمال اليهودي، وربما الأحداث الأمنية الأخيرة في الداخل الإيراني تشي بالكثير حول ذلك، ألا يشكل كل ذلك أساساً لبناء هدّام تشرف في هندسته الادارة الأميركية نفسها ( غير المكلومة والمأزومة بخلاف خصومها الذين يطول مسلسل اطفائهم للنيران الأميركية الإسرائيلية في عقر دارهم ) هذا البناء الذي لن يجلب الا المزيد من الحروب والفوضى والدماء، تتجاوز في أبعادها مسألة المطالبة بجزئية رحيل الأسد من عدمها، والتي بات فيها بقاء الاسد أو حتى رفعه لراية النصر انما سيكون فوق الركام والخراب والكوراث الانسانية المصنوعة على العين الأميركية.
نعم نعتقد أن جملة من التطورات السياسية والميدانية طفت على السطح خلال الفترة القليلة الماضية، كلها تصب في صالح الدولة السورية، ولكن يبقى الكلام الأميركي المعسول يخفي الكثير من المكر والسوء.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com