اخيرا وبعد ان انتهت اعمال مؤتمري الحزبين الديمقراطي والجمهوري واختيار كل منهما مرشحه للانتخابات الرئاسية . يطرح سؤال مهم حول الديمقراطية الأمريكية مفاده ما هي سمات الديمقراطية الأمريكية .
من الملاحظ وعلى مدار عشرات السنين ان العملية الانتخابية في الولايات المتحدة تنحصر بين الحزبين الوحيدين المؤهلين للأنتخابات ولم يظهر على مدى عشرات السنين اية قوة اخرى تستطيع ان تحصل على النسبة التي تؤهلها للانخراط في الانتخابات المريكية ,باستثناء حالات فردية معدودة .
وهذا يعني ان العملية الديمقراطية سمتها العامة انها تنحصر بين حزبي راس المال , لهذا فان الديمقراطية الأمريكية هي ديمقراطية راس المال . ولا تستطيع اية قوة اجتماعية خارج ما يمثله الحزبين من التعبير عن خياراتها الخاصة بها. والأهم ان هنالك قوانين قد اتخذت على مدى مائة عام لا تسمح لأية قوة اجتماعية من التعبير السياسي عن خياراتها . واذا قارنا الديمقراطية الأمريكية بديمقراطيات اوربا واخذنا مثلا على ابرزها واكثرها عدالة وهي الديمقراطية السويدية فنستطيع ان نسجل ما يلي ان الأحزاب في السويد هي انعكاس حقيقي وطبيعي للقوى الأجتماعية وموقعها في عملية الأنتاج الأجتماعي والمهم في الامر ان تشكيل البرلمان وهو اعلى سلطة تشريعية يتم على قاعدة التمثيل النسبي للأحزاب في المجتمع والأهم ان تشكيل الحكومة لا يتم من خلال الحزب الذي يحصل على اعلى الصوات وانما من تحالف الأحزاب التي تستطيع ان تشكل نسبة ال51% من اعضاء البرلمان . وبهذه الصيغة تتحق المشاركة الواسعة وكذلك المساواة والعدالة تتحقق من خلال قانون الأنتخاب الذي يؤمن المشاركة ولكي تحصل على المشاركة في البرلمان يجب ان تحصل القائمة على نسبة تتجاوز ال3% من الأصوات , والمراقب يلاحظ ان كل التيارات الفكرية وتعبيراتها يحق لها المشاركة في العملية الانتخابية في حين في الولايات المتحدة لا يحق سوى لممثلي راس المال بالأشتراك . واذا ما عدنا للانتخابات الامريكية فان المرشح الحاصل على اعلى الاصوات ليس بالضرورة ان يكون هو الرئيس ومثال على ذلك انتخبات 2000 بين جورج بوش وآل غور حيث حصل آل غور على الأكثرية العددية ولم يحصل على الرئاسة كون الرئيس يحدده ميكانيزم آخر وهو الصوت الألكتروني . وبما ان الديمقراطية الراسمالية هي السمة العامة للديمقراطية الأمريكية فمن البديهي ان تقوم رئاسة الحزب الديمقراطي بشن حملة من التشهير والحرب الداخلية السرية مستعملة نفوذها لأغلاق الأبواب امام المرشح ساندرز (اليساري نسبة لأجنحة الحزب) واستعمال اساليب غير شرعية في ذلك . ولتغطية فساد قيادة الحزب فقد حاولت تصدير ازمتها عبر اتهام روسيا وشخصيا الرئيس بوتين بمحاولة التدخل في الأنتخابات الامريكية.
لذلك فان حديثنا عن الديمقراطية وتجلياتها في كل بلد يجب ان ناخذ بعين الأعتبار مدى مشاركة القوى الأجتماعية وتياراتها في العملية الأنتخابية . فلا يمكننا ان نساوي بين ديمقراطية الدول السكندنافية وبين الديمقراطية الأمريكية . فالديمقراطية الأمريكية هي ديمقراطية تداول السلطة بين مراكز راس المال ولا يسمح لأي كان في التلاعب بهذا الميكانيزم . وهنا نفهم القول الذي يتهم ترامب بانه لا يدرك اسباب قوة امريكا حيث ترامب هو راسمالي ولكن ليس من النادي الذي يصنع السياسة الأمريكية . واما عن ساندرز وامثاله فلا يمكن السماح لهم بتمثيل الحزب في الأنتخابات الرئاسية ولا يحتملون وجوده في ادارة الحكم فقط من الممكن استثمار وجوده في الكونغرس لتامين الأصوات الأنتخابية الليبرالية واليسارية والشبابية . وكان من الممكن ان يشكل حالة المرشح نادر في انتخابات ال2000 والتي كانت من اسباب خسارة آل غور ولكن سرعة حركة قيادة الحزب عبر الطلب من رئيسته الأستقالة, وحكمة ساندرز فوتت فرصة انشقاق الحزب الديمقراطي, ولكنها ستترك تداعيات مختلفة في حال فوزه او خسارته.
الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية راس المال!
2016-08-02
بقلم: حاتم استنابولي