2025-05-24 10:56 م

الطاقة السورية الكامنة.. " كل سوري ٍ مهاجر ..جندي "

2016-08-04
بقلم: ميشيل كلاغاصي
ست سنوات للحرب المباشرة على الدولة السورية بكافة أركانها و مكوناتها , حربٌ استهدفت الأرض والإنسان السوري على حد سواء , فكان للهوية نصيبها من الإستهداف والذي لم يقل ضراوة ً عن استهداف الأرض و الدولة .. أبدت فيها الدولة السورية صمودا ً تاريخيا ً تخطى كافة المعايير المعروفة التي تجسد حب الأوطان و الدفاع عنها , وخاضت المعركة على مستويات ثلاث قدمت للعالم من خلالها صورة ً فريدة ً تجلت في إلتحام و إنصهار و وحدة مكوناتها الرئيسية , بدت معها ثلاثية القائد و الشعب و الجيش كشيفرة صَعُب على الأعداء فهمها أو فكها أو كسرها .. حرب ٌ بشّر الأمريكيون بطولها و امتدادها ثلاثون عاما ً, يتكشف من صفحاتها يوما ً بعد يوم عدم تخلي أصحاب المشروع عن متابعة الحرب , وعدم اكتفائهم بنتائجها الميدانية التي تؤكد يوما ً بعد يوم إتجاه الدولة السورية نحو النصر, فالمحاولات مستمرة والإرهاب مستمر وتدفق الإرهابيين وكافة أشكال دعمهم مستمرة , يدفعون بخطط ٍ عسكرية و سياسية ٍ دائمة ولا يتوانون عن اللجوء لخطط ٍ بديلة و بديلة دون توقف. الأمر الذي يدفعنا للسؤال متى ستتوقف الحرب ؟ وهل نحن ماضون في الصمود إلى اللا نهاية ؟ وإلى تحقيق الإنتصار الكبير من خلال المواجهة المباشرة فقط , و بالإعتماد على مقدراتنا و مصادر قوتنا الذاتية , وقوة جيشنا الوطني ؟ مهما كان حجم الدعم الذي يقدمه شركاؤنا و حلفاؤنا وأصدقاؤنا الأوفياء. نعتقد أن كسب المعركة يحتاج إلى فائض قوة ٍ تظهره الدولة السورية يفرض على أعدائها قبول الهزيمة وإنهاء الحرب.. ولا نجد صعوبة ً في تحديد الهدف, فالجميع يعرف أن الحرب على سورية هي حرب ُ المشروع الصهيو- أمريكي للهيمنة الكبرى على المنطقة والعالم , والذي تجد الولايات المتحدة فيه نفسها أداة ً و قاعدة ً أساسية ً لخدمة المشروع الصهيوني الكبير.. بعد اصطدامه بمشروع المقاومة الذي تشكل فيه سورية رأس الحربة وقلعته الأولى في الذود عن حياض الأمة و استرجاع كامل حقوقها, وعلى رأسها القضية المركزية والحق الفلسطيني.. لقد بات من الضروري إعتماد الدولة السورية على نقل المعركة إلى خارج حدودها , و إلى حيث يجب أن تكون , و أن تدفع ب "طاقتها الكامنة " التي تتمثل بسوريي الخارج و اللذين يُعدّون بالملايين , فاساس الصراع و الحرب هو ذاك الكيان السرطاني الغاصب الذي تمت زراعته في الجنوب السوري , بعد أن حوّلوه من فكرة ٍ إلى حلم ٍ و هدف .. فمعركة فلسطين فُتحت علينا إنطلاقا ً من خارج حدود المنطقة و من دول بعيدة , عبر" المؤسسة الإسرائيلية ", وحيث يتواجد ملايين العرب والسوريين والمناهضين للمشروع الصهيوني حول العالم , وهناك ولدت الحركة الصهيونية , التي تعتبر المنبع والأب الحقيقي "لإسرائيل " .. و من هناك قُدم لها الدعم السياسي و العسكري والبشري والمالي والإعلامي .. إلخ.. فما يحدث هنا لا يعدو أكثر من مواجهةُ ذيل الأفعى لا رأسها. صحيح ٌ أن المواجهة العسكرية المباشرة تتم على الأرض ووجها ً لوجه عبر الوكيل أو الأصيل , إلاّ أنها تعتبر جزءا ً من المعركة الحقيقية , و أن كسب المعركة لا يقتصر على حجم الصمود أو تحقيق إنتصار ٍ ميداني ٍ جزئي . إن طبيعة الصراع الوجودي القائم و أخطاره و تداعياته تفرض علينا العمل على منحيين و هدفين أساسيين : في تعطيل الدعم الذي توفره المؤسسة الإسرائيلية للكيان الغاصب حول العالم , وبتفعيل العلاقة بين سوريي الداخل و الخارج على كافة المستويات والصعد..وأن تكون دمشق قلبه و قلعة صموده و الحامل الرئيسي لراية المقاومة العربية. فالثابت الأكيد أن لا سلام مع سلطة الكيان الغاصب , بالإضافة لسيطرتها على القرار السياسي للولايات المتحدة الأمريكية و خاصة ً ما يتعلق لشرق الأوسط .. و بالتالي فإن الصراع المباشر مع الكيان الغاصب هو جزء ٌ من الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية نفسها , وأن اندحارها هو السبيل الوحيد للإنتصار , و تفكيك كل الأسس التي تدعم قيام الكيان على أرض فلسطين المحتلة , و استعادة الحقوق الكاملة للشعوب العربية. إن أسباب تواجد السوريين خارج وطنهم يعود لسنوات ٍ طويلة , ناهيك عمن خرجوا مؤخرا ً بسبب الحرب الكونية الحالية , و يبقى العامل المشترك نفسه , و يتلخص بأسباب ٍ سياسية و إقتصادية وتهجير ٍ ممنهج خطط له أعداء سورية , ووضعوه على لائحة أهدافهم ..و لن ننسى أن نشمل السوريين بمن فرضت إتفاقية سايكس – بيكو تسميتهم سوريين وأردنيين و لبنانيين و فلسطينيين وعراقيين.. لقد استطاع اليهود الصهاينة أن يُنشؤوا المؤسسة الإسرائيلية حول العالم , والتي يقزّمها البعض بإطلاقهم عليها تسمية " اللوبي " , فقد ثبت أن داعميها ليسوا من اليهود فقط , وأن بينهم من كان يرفض فكرة " إسرائيل" أمثال موشي مناحيم و نعوم تشومسكي و حركات دينية أخرى ك" ناطوري كارتا " , و عليه تبدو كلمة لوبي وصف ٌ غير دقيق و بعيد عن الحقيقة , و لا يعبر عن تنوع و تشابك مكونات المؤسسة الإسرائيلية , على الرغم من وحدة أهدافهم . و إذ تضم المؤسسة الإسرائيلية عددا ً كبيرا ً من المنظمات والجمعيات والإتحادات و مراكز الأبحاث وغيرها , فبعضها يهودي صهيوني" كالمؤتمر الصهيوني العالمي" , وبعضها يهودي لا يعلن عن صهيونيته كمؤسسة " أبناء الميثاق " , و هناك التجمعات المسيحية المتصهينة كالمحافظين الجدد , و التجمعات الإسلاموية المتصهينة و على رأسها حكام اّل سعود و غالبية حكام الخليج العربي .. حيث تختص كل منها بنوعية الخدمات التي تقدمها للمؤسسة , إذ يختص بعضها بالنشاط السياسي , و بعضها الاّخر بأعمال العنف والإرهاب" كعصبة الدفاع اليهودية" , و لبعضها الاّخر نشاطات ٌ تجارية و مالية كتلك التي تختص بدعم إنشاء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية "الصندوق الوطني اليهودي " , وهناك من تختص بالسيطرة على وسائل الإعلام و تجارة المشروبات الكحولية .. و غيرها من النشاطات المعلنة.. أما الأوجه المستترة لبعض الفروع فتتجلى في المافيا اليهودية – الأمريكية , والمافيا اليهودية – الأوروبية عموما ً, بما تملك من مراكز قوى كبيرة في أمريكا وعموم أنحاء أوروبا , وتختص بإدارة نوادي القمار والمخدرات و تبييض الأموال و تجارة الرقيق الأبيض والإحتيال وإدارة الدعارة المنظمة , ناهيك عن شبكات الموساد وأعمال التجسس والإغتيالات . إذ تبدي كافة مكونات المؤسسة الإسرائيلية ولائها المطلق "لإسرائيل" بغية تحقيق الأهداف الصهيونية على مساحة العالم , و يربط معظمها ما يسمى " مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى " و يضم أكثر من خمسون منظمة يهودية أو صهيونية أمريكية . فبعد أحداث أيلول الشهيرة , و في ظل الوثيقة الأمريكية التي استصدرتها إدارتها آنذاك تحت عنوان " استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية " , والتي استعملتها لزيادة الضغط على السوريين والعرب عموما ً حول العالم .. فقد اجتهدت الوثيقة على إظهار رفقة السلاح والعقيدة بين المؤسسة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية, و جاءت بلغة ٍ تعتمد النزعة العنصرية الفوقية المغلّفة بهالة ٍ دينية ٍ تحفظ "حق إسرائيل" في موارد العالم و تضعها فوق القانون الدولي, و تظهيرها كقوة خير ٍ في مواجهة محور الشرّ. فقد ساهمت هذه الوثيقة بإعتمادها أبحاث " معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط " في صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط .. حيث دأب المعهد منذ تأسيسه عام 1985 على تقديم أوراق عمل ٍ كل أربع سنوات , تُقدم للرئيس الأمريكي الجديد مع بدء ولايته , بهدف تقوية العلاقة الإستراتيجية و العسكرية الأمريكية – الإسرائيلية , و تؤكد استمرار العمل على استنزاف الفلسطنيين والتحريض ضد العراق و سورية , دون أن ننسى استصدارها " قانون محاسبة سورية " , و من اللافت ذكره أن ستة من الموقعين على الدراسة الأولى استلموا مناصب عليا في إدارة بوش , و أحد عشر مسؤول رفيع في إدارة بيل كلينتون من بينهم مادلين أولبرايت , فيما ضمت الثالثة جوزف ليبرمان المرشح الرئاسي لعام 2000 , و شهدت الإدارات اللاحقة وجود بول ولفويتز كنائب لوزير الدفاع و جيمس روش وزير الطيران الحربي في حكومة بوش الإبن , وعديد المستشارين ممن يدعون بصقور اليمين المتطرف ك ريتشارد بيرل و زعيف شيف وهي شخصيات لطالما كانت فاعلة في رسم السياسة الأمريكية . إن حجم الدعم المالي و المساعدات الإقتصادية و العسكرية الأمريكية و ما تقدمه كافة مجموعات المؤسسة الإسرائيلية يتجاوز ما هو معلن بكثير , و يصل لعشرة ملايين دولار سنويا ً , مما يؤكد إحكام قبضتها على كافة مفاصل القرار في الولايات المتحدة الأمريكية .. و أن ما ينطبق عليها ينسحب على غالبية الدول الأوروبية. من هنا تبرز أهمية معركتنا الخارجية, و التي لا تقل أهمية ً عن المواجهة المباشرة و مقاومة المشاريع التي تستهدف سورية كرأس حربة للمشروع المقاوم. إن هجرة السوريين خارج وطنهم تعود للعام 1820 و تفاقمت في عام 1918 بفضل الإحتلال العثماني , إذ تذرعت دول الإستعمار القديم الفرنسي والبريطاني بالإضافة للدولة الأمريكية , بتحرير سورية من الإحتلال العثماني, فكان من نتائجها هجرة ما يقارب ثلاثة ملايين سوري توزعوا في أمريكا و دول أمريكا اللاتينية و أوروبا , في الوقت الذي كانت تتواجد فيه أكثر من ستة ملايين يهودي فيها .. مع فارق ضعف الإنتماء الذي أظهره بعض السوريين و انصهروا في مجتمعاتهم الجديدة , و تحول الوطن إلى مجرد ذكرى , في الوقت الذي عاش اليهود فكرة إنشاء و إقامة "الدولة اليهودية" , و كرّسوا كل طاقاتهم لهذا الهدف , ولم يتوانوا عن الهجرة نحو الأراضي الفلسطينية , والتخلي عن حياة أفضل . إن تركيز الرئيس الراحل حافظ الأسد على جعل دمشق القلب الذي يحمل القضية الفلسطينية , و تأكيده على حقيقة أن فلسطين هي "جنوب سورية", كان كافيا ً لإستشعارهم الخطر السوري الذي يحمله فكر هذا القائد. من المؤلم أن نرى كثيرٌ من المهاجرين و قد فقدوا هويتهم و خفت بريق إنتمائهم , و تحولت قضاياهم القومية و الوطنية إلى قضايا سياسية يبدون إزائها كل التعاطف والتأييد فقط , في وقت ٍ يذهب الكثيرون منهم إلى أبعد من ذلك و يتحركون بالتظاهر والدعم المالي و رفع أعلام الوطن وعلم القضية المركزية في كل مناسبة و محفل . لا بد من العودة والتركيز على الهوية السورية , وعلى إعادة فلسطين إلى قلب هذه الهوية , و إلاّ ستبقى مواجهتنا مع العدو ناقصة و مشتتة و بدون جدوى , إذ يجد اليهود في المؤسسة الإسرائيلية مرجعية ً تنظم و تقود جهودهم , أما السوريون في المهجر فلا مرجعية سورية واضحة لهم .. فالأشكال و الهيئات الشعبية التي أوجدها المهاجرون وحيث يعيشون تفتقر إلى رؤية سياسية هادفة , تضعهم غالبا ً في موقع ردّ الفعل على الخطوات التي تتخذها المؤسسة الإسرائيلية , دون أن تستطيع صياغة اّليات لبرامج عمل ٍ سياسي على مستوى الهدف المنشود . بالتأكيد لا نتحدث هنا عن الجهد الرسمي للدولة السورية , التي لم تتوانى في إدراكها ً أهمية هذه القضية , و سعيها الحثيث من خلال وزارة الخارجية و المغتربين لفعل الكثير , و محاولاتها المستمرة لبناء الجسور و توحيد جهود مواطنيها المحبين والمخلصين و ضفرها مع جهود أبنائها في الداخل .. إنما نتحدث عن الجهود الشعبية الصرفة والنابعة من الشعور الفردي بالإنتماء لكل مهاجر , و مدى تمسكه و دفاعه عن هويته الوطنية الأصلية , و عن جذوره و أصوله .. ندعو أبنائنا إلى العودة خصوصا ً من غادروا خلال السنوات الأخيرة , و اللذين يحز في نفوسهم إبتعادهم عن الوطن , ليضعوا حدا ً لمعاملتهم كمسروقات بشرية فكرية و أيادي عاملة و أعضاء بشرية تموت ليحيا الاّخرون .. فكم كنا نتمنى أن نرى جحافل أبنائنا في المهجر ينتظمون في خنادق الوطن و يحملون السلاح معه , فكيف لإرهابي ٍ متطرف أن يقطع اّلاف الأميال ليمارس عقده و أوهامه و يُخرج الشياطين من صدره وقلبه و يتلذذ في قتل و إرهاب شعبنا و تدمير دولتنا , دون أن نرى سوريا ً حقيقيا ً يقطع نفس المسافة للدفاع عن هويته و وطنه الأصلي! ... و كم نتمنى أن يفعلها السوريون و يقلبوا معادلة :"كل مهاجر ٍ سفير" و يكتبون مجدهم ليصبح : " كل سوري ٍ مهاجر ..جندي " .. لسنا نحاكي الخيال والأوهام في هذا الطرح , وعلينا التفكير به بشكل جدّي , والسعي الحثيث وخوض الصعاب , فنصر سورية الكبير والنهائي يستحق المحاولة وبذل الجهود لجمع الجهود الفردية و ما أكثرها , و قد يكون دافعنا ما أظهره الكثير من السوريين في دول المهجر من عمق الإنتماء والحب الكبير للوطن الأغلى.