2025-05-24 07:28 م

تعليق المباحثات اليمنية في الكويت!!!!

2016-08-08
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
أعلن المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ عن تعليق مفاوضات السلام اليمنية الجارية في الكويت منذ شهر ابريل/نيسان الماضي بين حركة "أنصار الله" وحزب المؤتمر الشعبي العام من طرف ووفد الرياض المتمثل بحكومة الرئيس هادي المنتهية ولايته، أو كما يشار إليهم بوفد الرياض. ولقد كان هذا التعليق/التأجيل متوقعا ولا شك انه قد بذلت مجهودات كبيرة في الفترة الأخيرة لمنع انهيار هذه المباحثات بالكامل نتيجة الفروق في طروحات الجانبين والتي كلما تم الاتفاق على بعض البنود عاد وفد الرياض وتنكر لها نتيجة لتدخلات خارجية وخاصة التدخلات والاملاءات السعودية. ولا بد لنا هنا من تسجيل بعض النقاط التي من الممكن ان تلقي بعض الضوء على الأسباب الحقيقية وراء مثل هذا التعليق المتوقع. أولا: كان من الواضح ومنذ بداية هذه الجولة من المباحثات أن آل سعود لم يكن لديهم النية في السير قدما في طريق يؤدي الى الحل السياسي للازمة اليمنية بين الفرقاء لان ذلك سيترتب عليه الاعتراف بأنصار الله كقوة سياسية ومكون رئيس في الطيف السياسي اليمني لا يمكن تجاوزه في أي حل قادم. مما يعني مشاركته في الحكم في اليمن وهو ما حاولت السعودية ولغاية الان تلافيه لان ذلك سيؤدي الى اضعاف الهيمنة والسيطرة السعودية على مستقبل اليمن السياسي وشكل الدولة الوطنية في اليمن. اليمن بحضارته وتأريخه ونظامه السياسي وسياسته الخارجية كان يعتبر من الدول العربية الوطنية الذي تتمتع بهامش من الحرية وهذا بمجمله وما كان سيؤول عليه النظام السياسي الذي اتفق عليه بين الفرقاء اليمنيين قبل أن تقوم السعودية بشن العدوان العسكري المباشر على اليمن في آذار من العام الماضي، أدى الى تخوف سعودي من إنعكاسات التجربة الديمقراطية اليمنية على أوضاع الدول الخليجية بشكل عام وعلى الداخل السعودي بشكل خاص. ومن ثم فقد عمدت السعودية على النحو منحى حل الازمة اليمنية عسكريا وكان من المفترض ان يعمل الحل العسكري الى عودة الرئيس المنتهية ولايته هادي من المكاتب في الرياض الى المكاتب في باليمن. ثانيا: ان موافقة السعودية على اجراء المباحثات في الكويت لإيجاد مخرج للازمة اليمنية والتراجع عن إصرارها أن تتم اية مفاوضات في الرياض لتمكينها من ضبط إيقاع المباحثات والسيطرة على المفاصل الاساسية للمباحثات والهيمنة التامة عما يطرح من جانب "الحكومة" اليمنية المقيمة في الرياض، كان ربما لتحقيق بعض الأغراض الانية فهي أولا رأت بها الفرصة لمحاولة تغيير الواقع الميداني في اليمن ومن هنا عملت على اطالت فترة المباحثات وارجاعها في بعض الأحيان الى حيثما ابتدأت. أما ثانيا فقد عولت السعودية على إمكانية إيجاد شرخ بين جماعة "أنصار الله" وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وثالثا ارادت من هذه الفترة التخفيف عن الجبهة الجنوبية وخاصة بعدما تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من الدخول الى بعض المناطق الحدودية السعودية. فقد عمدت السعودية الى التفاهم مع الجيش اليمني واللجان الشعبية وعلى راسها أنصار الله على إيجاد نوع من التهدئة النسبية على الحدود، خوفا من اندلاع عمليات احتجاج داخل السعودية. ثالثا: من الواضح ان طيلة فترة المباحثات لم تنجح السعودية في إيجاد شرخ بين جماعة أنصار الله الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي والاستفراد بواحد منهم لإضعاف التحالف بينهم وفتح الباب للانقضاض على الساحة السياسية والعسكرية داخل اليمن مما يؤهلها العودة للهيمنة على الدولة اليمنية. ولم تيأس ابواقها الإعلامية من المحاولات لزرع نوع من الفرقة أو الشكوك بين الطرفين ولكنها كلها باءت بالفشل. ليس هذا فحسب بل قام جماعة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي على التفاهم على تكوين ما أطلق عليه "المجلس السياسي الاعلى" المكون من عشرة اشخاص لإدارة شؤون البلاد الى حين يتم الاتفاق على تشكيل هيئة تنفيذية انتقالية تخرج من رحم المباحثات بين الأطراف المتصارعة في اليمن. ولا شك أن تكوين هذا المجلس جاء ليؤكد عمق التحالف لصد العدوان السعودي وقطع الطريق على محاولات السعودية أو غيرها من الأطراف التي لا تبغي الخير لليمن كدولة وشعب. والى جانب الرسالة التي أريد توجيهها للطرف السعودي فان الإعلان عن تشكيل "المجلس السياسي الأعلى" فان الإعلان عنه جاء ليوصل رسالة أيضا الى الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ليمن السيد إسماعيل ولد الشيخ التي أبدت انحيازا واضحا وتناغما مع الموقف السعودي. رابعا: فشلت السعودية فشلا ذريعا بتجزئة الحل للازمة اليمنية والتي نادى به وطرحه الممثل الاممي نيابة عنها مع إصرار وفد انصار الله وحزب المؤتمر الشعبي على عدم تجزئة الحل وتمسكهم بالحل الشامل والكامل كحزمة واحدة ودون تجزئة على الاطلاق. وكان المقترح السعودي ان يتم حل الازمة بجانبها الإنساني وايصال المساعدات واطلاق سراح الاسرى من الجانبين الى الجانب الاقتصادي في الكويت، أما الشق المتعلق بالحل السياسي فقد ارادت السعودية ان يتم بعد نقل المباحثات الى الرياض حتى يكون لها السيطرة الكاملة على مجرى الأمور السياسية. وهذا ما رفضه وفد أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي جملة وتفصيلا. ومع غياب اية رافعة أو تقدم في الميدان للمحور السعودي على الأراضي اليمنية بحيث يمكن استثماره في مباحثات الكويت كان لا بد من تعليق هذه المباحثات على أمل أن يتحقق حلم ابليس في الجنة لآل سعود. خامسا: لم تستطع السعودية وعلى الرغم من الضربات والقصف الجوي المستمر على اليمن أن تحقق أي تقدم نوعي يذكر على الأرض عن طريق زمرة الرئيس المنتهية ولايته هادي وحلفاءها من القاعدة والمرتزقة الاخرين الذين جلبتهم لمحاربة الجيش اليمني واللجان الشعبية. هذا بالإضافة الى عودة الجيش اليمني واللجان الشعبية الى الخيارات الاستراتيجية لصد العدوان السعودي بعد فترة تميزت بالهدوء النسبي على الحدود الجنوبية للسعودية. والمقصود بالخيارات الاستراتيجية هي نقل المعركة الى الداخل السعودي وخاصة في مناطق جيزان ونجران وهي أساسا مناطق يمنية تم ضمها الى السعودية في أوائل الثلاثينات. ولقد حقق الجيش اليمني واللجان الشعبية تقدما ملحوظا خلال الأيام الماضية حيث تم السيطرة على منطقة الحثيرة التي تبعد نحو 20 كم من الحدود اليمنية على سبيل المثال لا الحصر كما وتم تدمير العديد من الدبابات والاليات العسكرية السعودية التي تقدمت لاستعادة المناطق التي خسرتها. والمناظر التي قامت ببثها بعض الفضائيات تذكرنا "بمجزرة الدبابات" الإسرائيلية نتيجة قصفها بالصواريخ الموجهة من مقاتل حزب الله اثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. بالإضافة الى ذلك قامت السعودية بإجبار سكان المناطق الحدودية بإخلائها عنوة خوفا على تأثير ذلك على الداخل السعودي حيث ما زال الاعلام السعودي يتكتم على حجم خسائره في المناطق الحدودية على وجه الخصوص. سادسا: لا يمكننا النظر عما كان يدور في المباحثات في الكويت بمعزل عما يدور في العراق وسوريا على وجه التحديد في محاربة الارهاب بشكل مباشر والدول الراعية والممولة له بشكل قد يكون غير مباشر لغاية الان على الأقل. ونحن لا نذيع سرا ان قلنا بأن الدول الإقليمية الراعية للإرهاب في المنطقة وعلى رأسها السعودية وقطر وتركيا كانت وما زالت تسعى لتحقيق اية مكاسب الأرض من خلال المجموعات الإرهابية التي تدعمها في محاولاتها المستميتة لضرب الدول الوطنية. ولا شك ان السعودية التي أصبحت تغرد خارج السرب منذ فترة كانت تأمل أن تحقق المجموعات الإرهابية بعض التقدم على الأرض والذي يمكنها من استثماره في الضغط على المباحثات الجارية في الكويت. ولقد تجلى هذا الفشل على وجه الخصوص في معركة الفالوجة التي جاءت لتشكل رافعة أساسية وتعكس تلاحما بين أبناء الوطن العراقي الواحد وفشل تصعيد الوجهة الطائفية والدعوات المشبوهة التي كان يطلقها رجال السعودية من الخارج لإذكاء الصراع الطائفي والمذهبي. كما وتجلى أيضا باعتبار قوات الحشد الشعبي قوات عسكرية رسمية من قبل الرئاسة العراقية. وكان هذا ضربا واضحا للسعودية التي ما فتأت محاولاتها وتصريحات سفيرها في بغداد في تجريم الحشد الشعبي وابعاده عن تحرير المناطق العراقية التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي. كل هذا من باب اذكاء الصراعات الطائفية والمذهبية. وبالإضافة الى ذلك فقد فشلت المجموعات الإرهابية عن تحقيق الانتصارات الموعودة في "معركة حلب الكبرى" التي تم الاعداد لها منذ فبراير من هذا العام حيث تم ضخ أكثر من 3000 طن من الأسلحة والذخيرة الى جانب الأسلحة الثقيلة بما فيه الدبابات والاليات المصفحة والمدرعة وتم ادخال ما يقرب من 8000 عنصر مسلح الى منطقة حلب من الحدود التركية. وبحسب التقديرات الروسية فان عدد مقاتلي جبهة النصرة ( التي حولت اسمها الى جبهة فتح الشام للتمويه عن ارتباطها بتنظيم القاعدة وزجها من ثم الى ما يسمى بالمعرضة المعتدلة) والمجموعات الإرهابية الأخرى المتواجدة في منطقة حلب يتراوح بين 15 – 20 الف مسلح. هذه الخسارات للمجموعات الإرهابية على ساحات المنطقة ككل والتي تلعب فيها السعودية الى جانب الولايات المتحدة كلاعب ومحرك أساسي في محاولة استغلال الارهاب لتحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية كان لا بد لها أن تنعكس على الساحة السياسية. والذي يبدو ان المنطقة مرشحة لمزيد من احتدام المعارك الدامية في الفترة القريبة القادمة في محاولة تحسين الوضع الميداني قبل العودة الى اية مباحثات لإيجاد الحلول السياسية سواء في اليمن أو في سوريا. وليس من المصادفة ان يتحدث المبعوث الاممي في مباحثات الكويت عن تعليق المباحثات لمدة شهر وتصريح المبعوث الاممي لسوريا السيد ميستورا بأنه من المزمع عقد الجولة القادمة من المباحثات في جنيف في نهاية هذا الشهر. من الواضح ان هذا التمديد يأتي لإعطاء فرصة للمجموعات الإرهابية ومشغليهم للعمل على احداث تغيير في الواقع الميداني قبل البدء بجولة جديدة من المباحثات. سابعا: من الواضح ان السعودية لا تريد للمباحثات أن تستمر بالتحديد في الكويت وذلك ربما لأنها لم تكن راضية على الموقف الذي اتخذته الكويت وأميرها من الاحداث في اليمن ربما لتفهمه لمواقف أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام بعض اتضاح الكثير من الحقائق والمعلومات التي حاول الاعلام السعودي والمسؤولين السعوديين اخفاءها عن بعض زعماء الدول الخليجية وذلك لضمان تأييدهم المطلق للمواقف السعودية. وكان من الواضح ومنذ البداية ان هنالك بعض القوى السياسية في الخليج لم تكن راضية عن زج دول الخليج في هذه الحرب المجنونة. ولا شك ان الاعتراضات قد كثرت بعد تبين حجم الدمار المادي والبشري الذي لحق باليمن على الرغم من عدم ظهورها بوسائل الاعلام الخليجية وذلك للتعتيم الكامل على أجهزة الاعلام هذه وكذلك القيام بمنع بعض المحطات الفضائية من البث على الأقمار الصناعية التي تسيطر عليها السعودية. الا أن مت نشر من منظمات حقوقية وغير حكومية الى جانب التحقيقات والتقارير التي صدرت عن بعض مؤسسات الأمم المتحدة قد أثارت حفيظة بعض الدول الخليجية بحجم الكارثة الإنسانية التي تسببها العدوان السعودي على اليمن. ومن هنا جاءت تصريحات المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ بأن هنالك احتمال من تغيير مكان المباحثات وذلك عند العودة اليها في غضون شهر من تعليقها. السعودية تريد أن تضمن انحياز الدولة المضيفة والراعية للمباحثات وأنها تقف صفا واحدا مع السعودية بالكامل وهذا ما لم يتحقق في الكويت. ثامنا: في كل المراحل التي مرت بها المباحثات كانت وما زالت السعودية ومن خلال وفد الرياض المسلوب الارادة والقرار السياسي تسعى الى الاستسلام الكامل للجيش اليمني واللجان الشعبية "بالانسحاب" الكامل من المدن اليمنية وتسليم السلاح لحكومة هادي التي هي أساسا طرفا في الصراع وبالتالي فهي لا تمثل الدولة اليمنية، وتشترط عودة الحكومة اليمنية برئاسة هادي لحكم البلاد ومن ثم البدء بالحوارات السياسية بعد 45 يوما على هذا. بمعنى ان تحاور الأطراف اليمنية من أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام بعد أن تستسلم حتى لو كانت الوقائع على الأرض تشير أنها لم تهزم بل على العكس فهي في موقع قوة نابعة من الميدان. هذا المنطق المقلوب الذي يتعامل به آل سعود لن يؤدي الى الحل وان دل على شيء فإنما يدل على تبحج ورعونة وصبيانية ومراهقة سياسية سرعان ما تنقلب عليهم وعلى الداخل السعودي وربما الخليج بصورة أشمل وأعم اللهم إذا ما خرج من الخليج بعض الحكماء لمنع هذا الدمار المادي والبشري. وفي النهاية نود أن نؤكد ان الحلول السياسية وماهيتها ستبقى مرهونة بالوقائع المادية على الأرض فهي التي ستحكم طبيعة الحلول السياسية والتي بالضرورة سيمليها الواقع الميداني العسكري. ومن الواضح أن الحلول للازمات في المنطقة مرتبطة مع بعضها البعض بشكل عضوي ومتشابك بحيث لا يمكن الفصل بينها. ومن الواضح أيضا أن الظروف الموضوعية والذاتية لم تنضج بعد للذهاب الى الحلول السياسية وخاصة مع الإصرار السعودي والقطري والتركي وربما بشكل منفصل على محاولة الحسم العسكري على هذه الجبهات. والغريب انه كلما زادت خسارتهم زاد اصرارهم على المضي أكثر فأكثر في طريق الحل العسكري. نحن واثقون من ان هذه الحلول والمحاولات ستفشل وان القضية قضية وقت ليس أكثر وهذا قد يقصر أو يطول، ولكن النصر لمحور المقاومة والممانعة هو نصر حتمي كم أن هزيمة الارهاب ومن يقف خلفه هي أيضا حتمية.