حسمت زيارة الرئيس التركي إلى روسيا كل التكهنات والتوقعات التي سترسو عليها مآلات ومفرزات المعركة السورية، ولاسيما ميدان حلب، تصمت واشنطن حيال مايتوالى في المشهد السوري سياسياً وعسكرياً، ويقتصر حراكها فقط على الصراخ وتحذير الجانب الروسي من تبعات الحصار المفروض على حلب واستغلال ورقة المدنيين للضغط السياسي على واشنطن، وبرغم كل التحشيد وتثقيل المخزون لدى المعارضة المسلحة، إلا أن التكتيك العسكري للجيش السوري وحلفائه وكيفية التعامل مع طبيعة وحساسية موقعة حلب، بات يسبق بأشواط كل ما تبني وتعول عليه المعارضة السورية التي يبدو بناؤها آيلاً للسقوط أمام متانة ما يصيغه الأسد في منظومة التحالفات الاقليمية والدولية.
لكي تدرك تحولاً استراتيجياً في المشهد السوري، ما عليك إلا أن ترقب وتتابع في اعتقادنا جبهة تركيا التي تشكل العمود الفقري لهذا التحول، فجوهرية ومفصلية اللقاء الذي جمع بوتين بأردوغان في سان بطرسبورغ بحسب توصيف أردوغان، والقاعدة التي ستبنى عليها إعادة العلاقة لجهة استحالة الوصول لتحولات ديمقراطية في سورية إلا بالوسائل الديمقراطية بحسب بوتين ستؤدي حتماً لتغييرات تركية سياسية وميدانية تصل للمستوى الجوهري، بل أكثر من ذلك فإن تفعيل التعاون الاقتصادي بين الجانبين يمهد لزلزال سياسي في الموقف التركي، فأن يعلن أردوغان عن تعديل الخطط السياسية ، والمباشرة بتنفيذ خط الغاز ( تركيش ستريم) لنقل الغاز الروسي إلى تركيا ومن ثم التمهيد لنقله لأوروبا، فهو الانقلاب السياسي التركي بعينه، قالها معلق صحيفة فرانكفوتر الألمانية أن عودة العلاقات التركية -الروسية يجب أن لايدفعنا لصياغة القلق بأنفسنا، فهو ائتلاف مصالح تزينه كلمات التصالح المعسولة، وكذلك دعا الناتو الذي أكد على دور روسيا وتركيا، وضرورة ابقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الجانب الروسي.
لا نعرف إن كانت " بصمت " الولايات المتحدة لروسيا " بالعشرة " في الملف السوري أم لا، فما أوردته الدراسة التي قدمها ديفيد بولوك الباحث في معهد واشنطن للدراسات، بأن سياسة هيلاري كلينتون في حال وصولها لسدة الرئاسة ستستمر بدعم من سماهم " الثوار" في سورية، وفي حال لم يشكل ذلك ردعاً للنظام السوري وحلفائه، ستعمل كلينتون على تزويد المعارضة بأسلحة دفاع جوي كاسرة للتوازن، هذا التصور الذي قد يجعل الحديث عن تسليم الولايات المتحدة الملف السوري لروسيا حديثاً مبكراً، لكن يستطرد بولوك قائلا ً إن سياسة كلينتون تلك إذا ما رأت النور فإن النظام السوري أو أياً من حلفائه لن يجد سوى ضرب أهداف إسرائيلية للرد على ذلك ما يجعل " إسرائيل" في موقع قلق بالحد الأدنى مستقبلاً.
عودة العلاقات التركية -الروسية إلى الموضع الذي كانت عليه قبل إسقاط الطائرة الروسية وإلى أكثر من ذلك المستوى، بحسب ما أعلنه وجاهر به أردوغان يشي بالضرورة عن تبدد أحلام المعارضة، لا بل سقوطها وغرقها في بحر المصالح الكبرى والميزان الدولي وربما إجهاضها بالكامل، وتالياً فإن يوم ميلادها هو يوم موتها.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com