الأرقام المذهلة التي صدرت عن مركز الأبحاث الألماني بشأن اعداد المقاتلين الأجانب اللذين تم تجنيدهم وتدريبهم وارسالهم الى الداخل السوري لمقاتلة الدولة السورية والجيش العربي السوري ربما أدهشت العديدين حتى الذين تابعوا الازمة السورية منذ بدايتها الى الان.
وقد قامت المحطة الفضائية التلفزيونية للميادين بنشر هذه الأرقام نكتب أهم ما ورد فيها قبل التعليق على دلالاتها وأهميتها بالنسبة للازمة السورية.
عدد المسلحين الأجانب الذين توافدوا للقتال في سوريا بين ابريل 2011 الى نهاية 2015 بلغ 360000 مقاتل.
هذا العدد توافد من 93 دولة عربية وأجنبية
25800 منهم من حملة الجنسية التركية
21500 من الدول الأوروبية وأمريكا، عاد منهم 8500 الى بلادهم
24500 من حملة الجنسية السعودية قتل منهم 5990
عدد المسلحين الذين قتلوا في سوريا بلغ 95000
صرف 45 مليار دولار لتمويل الاعمال العسكرية للمجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش العربي السوري وحلفاءه.
يقدر عدد المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في سوريا الان بحوالي 90000 .
لا شك ان هذه الاعداد تفوق كل التقديرات التي نشرت من مراكز أبحاث وصحف غربية لغاية الان. هنالك عدة مصادر وربما من أهمها الدراسة المستفيضة المنشورة في ديسمبر من عام 2015 لمجموعة سوفان وهي مجموعة تقوم بتقديم خدمات أمنية استخباراتية ذات طابع استراتيجي للعديد من الحكومات والمؤسسات الدولية، حيث قدرت الدراسة على أن عدد المقاتلين الأجانب الذين توافدوا الى سوريا والعراق للانضمام الى تنظيم داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة منذ عام 2011 لغاية 2015 يتراوح ما بين 27000- 31000 من أكثر من 86 دولة. وهذا العدد يتوافق الى حد كبير مع ما نشرته أجهزة الاستخبارات الامريكية التي قدرت العدد 30000 مقاتل توافدوا من أكثر من 100 دولة. ومن ثم فهذه الاعداد لا تتجاوز 10% من الاعداد التي وردت في التقرير الجديد لمركز فيريل الألماني.
نحن لسنا في وراد ان نجادل كثيرا في الأرقام كأرقام مجردة مع أن الأرقام التي نشرت مؤخرا عن المركز الالماني قد تكون أكثر دقة نتيجة المصادر الميدانية التي اعتمد عليها، ولكننا بصدد عرض بعض النقاط التي تلقي الضوء على دلالات هذه الأرقام المذهلة بحق.
في البداية نريد أن ننوه ان هذه الاعداد تأتي للتدليل وبشكل لا يرقى اليه أي شك أو محاولة تشكيك بأن ما دار منذ بداية الازمة السورية وما يدور الان على الأرض السورية من صراع انما هو بعيد كل البعد عن كونه حربا أهلية كما أراد البعض أن يصوره منذ البداية ولغاية الان لأغراض في نفس يعقوب. هذا التعبير الذي تراه في كل الصحف الغربية دون استثناء وذلك بهدف زرعه في عقلية القارىء الغربي وتشكيل رأي عام موجه، حتى تتمكن الدول الغربية من تفادي أية مسؤولية سياسية أو قانونية أو أخلاقية أمام شعوبها نتيجة انخراطها في الحرب الدائرة على الأرض السورية. فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت وما زالت منخرطة في الحرب على سوريا. هذا الانخراط الفعلي تجاوز مرحلة التخطيط واستخدام الأدوات في المنطقة وتحشيد وتدريب وتسليح المجموعات الإرهابية واستخدامها لتحقيق أغراض سياسية وجيوسياسية واقتصادية، الى التواجد العسكري على الأرض السورية بشكل صارخ وفاضح وتعدي على السيادة السورية. فلقد قامت أمريكا وبريطانيا وفرنسا بإرسال قوات خاصة الى الداخل السوري وبأعداد ما زالت غير معلنة لغاية الان. وهنالك معلومات سابقة أشارت الى أن الولايات المتحدة تقوم باستخدام احدى المطارات في الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة مجموعة الحماية الكردية بالقرب من القامشلي. ومؤخرا قامت السلطات التركية بإنقاذ جاسوسة أمريكية مصابة في المنطقة الحدودية داخل الأرضي السورية. هذا عدا طبعا عن التعدي على سيادة الأراضي والاجواء السورية من قبل طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يوميا تحت حجة "محاربة الارهاب".
ان تجنيد هذا العدد الهائل من المقاتلين من جميع بقاع العالم وتسليحه بالأسلحة النوعية من قبل جوقة من الدول الغربية والإقليمية وبالأخص الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر ودول خليجية أخرى لتوفير مليارات الدولارات كما كان الحال في أفغانستان، وسكوت الدول الأوروبية وغض الطرف عن مواطنيها الذين توجهوا للقتال في سوريا وتسهيل حركتهم في الذهاب والإياب يدل بشكل قاطع على ان الحرب التي شنت على سوريا ما هي الا حرب كونية بامتياز منذ بدايتها. وحدهم الذين يمتازون بالسذاجة السياسية أو المتآمرين والخونة الذين ما زالوا يرددون معزوفة "الحرب الاهلية" في سوريا. كيف يمكن توصيفها بالحرب الاهلية وهنالك 93 جنسية للذين يقاتلون الجيش العربي السوري وحلفاءه. هل أصبح الفرنسي والألماني والبلجيكي والامريكي والاوزبكستاني والبنغلادشي والماليزي والسعودي والتونسي والمغربي والليبي والمصري والاسترالي والقرغيزي والشيشاني والتركي...الخ سوريون؟؟ ما هذا الفكر والتحليل الضحل والجهل المتناهي ببواطن الأمور الذي ما زال يتمتع به البعض.
الحرب هي حرب كونية بامتياز وربما أحداث حلب الأخيرة تدلل بوضوح على هوية وطبيعة هذه الحرب فالذين يقودون الحرب على حلب هم من الاجانب وغرفة العمليات تضم أتراك وسعوديون وقطريون واستخبارات أمريكية وبريطانية وفرنسية ومن غير المستبعد ان يكون الإسرائيلي بينهم. وهؤلاء الوحوش حثالة الأرض الذين تجمعوا من كل بقاع العالم يقاتلون تحت امرة مشغليهم وكأن حلب هي ولاية أمريكية أو تركية أو سعودية تتعرض للعدوان وليس ارضا سورية.
الحرب التي شنت على سوريا ليست حربا "لحماية الشعب السوري" ولا لإقامة "الديمقراطية" ولا لتحقيق "الحرية والرفاهية" للشعب السوري وانما هي حرب لمحاولة تركيع الدولة السورية والشعب السوري وتفتيت الجغرافية السورية الى كانتونات وجزر أرخبيل طائفية ومذهبية وعرقية. وضرب سوريا التي تشكل عصب أساسي ورئيس في محور المقاومة، المحور المناهض للسياسة والهيمنة الامريكية على المنطقة وسلب مقدراتها والسيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بأسعارها العالمية وطرق امدادها. وهي جزء لا يتجزأ من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وعلى جميع الأصعدة لبناء ما سمي بالإمبراطورية الكونية وهو المشروع الذي بدأت بتطبيقه بعد تفكك الاتحاد السوفيات منذ مطلع التسعينات للقرن الماضي. ولتحقيق هذا الهدف في تعمل على تسخير اداوتها وعملائها في المنطقة ومستخدمة المجموعات الإرهابية لذلك.
هذه المجموعات الإرهابية التي جندت من انحاء الكون ما هي الا الجيش الانكشاري الذي توكل اليه المهمات ضمن الاستراتيجية الكونية الامريكية، يجهز بإمكانيات وخبرات عسكرية ولوجيستية وإدارية تفوق إمكانيات جيوش دول لضمان تنفيذه للمهمات التي توكل اليه. نحن نتحدث عن 45 مليار دولار التي صرفت لغاية الان لتمويل الاعمال العسكرية في سوريا فقط بحسب التقرير كما ويتحدث التقرير عن تواجد 90000 مقاتل أجنبي في سوريا الان. والسيدة سمانثا باور ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الامن تقول ان حسم المعركة في حلب لن يكون سريعا وتضيف بان هذا ما رددناه منذ زمن ان الجيش السوري وايران وحزب الله وروسيا لن تستطيع الحاق الهزيمة بالمجموعات المسلحة التي تسميها "بالمعارضة". لا شك انها تدري وبشكل جيد ان بلدها قد لعبت دورا أساسيا في تجهيز هذا الجيش الانكشاري بإمكانيات جيش دولة وربما أكثر. يكفي لنا أن نقارن ما صرفته الولايات المتحدة على بناء الجيش العراقي طيلة احتلالها للعراق وهو مبلغ لم يتجاوز 10 مليارات دولار وكذلك الثلاثة مليارات "المكرمة" الملكية السعودية لتسليح الجيش اللبناني (هذه الصفقة التي لم تتم).
نقطة أخرى هامة ومحورية يجدر الإشارة اليها الا وهي قضية صمود سوريا أمام هذه الهجمة الكونية التي إتضحت معالمها وعدد الدول المنخرطة بها يوما بعد يوم منذ بدأ الازمة السورية. وتأتي هذه الأرقام المذهلة اليوم لتخرق عيون كل من غض الطرف أو تآمر في الخفاء والعلن على الوطن السوري ولفضح حجم هذا التآمر. هذه الهجمة التي كان قد نوه اليها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد بعد أشهر فقط من بداية الاحداث للازمة السورية، والتي انبرى البعض أو تسرع بالقول ان تصريحات الرئيس ما هي الا محاولة للتهرب من اجراء الإصلاحات أو دفع مستحقات المرحلة. عندما ندرك حجم الهجمة الكونية على هذا البلد الذي كان محاصرا أصلا وكان يعاني من حصار اقتصادي خانق، لا بد ان نستخلص بان صمود سوريا كان وما زال صمودا اسطوريا بكل ما تعنيه الكلمة.
ومن الضروري أن نؤكد ان الهجمة لم تقتصر على الجانب العسكري بل كانت هجمة وحملة متكاملة وعلى جميع الجبهات العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية. وعلى مدى أكثر من خمسة سنوات وللأن ما زالت الدولة السورية تعمل وبكل مؤسساتها دون انقطاع وبقي الجيش العربي السوري متماسكا وبكل قطاعاته يحارب ويتصدى للإرهاب ومموليه وداعميه على كل الجغرافية السورية. ولم يبخل الشعب السوري بالتضحيات وتحمل ما لا يستطاع تحمله شعب آخر ووقف خلف الجيش والقيادة السياسية للبلاد. ولولا هذا الثالوث المقدس المتمثل بالقيادة السياسية والجيش والشعب والايمان بعدالة القضية لسقطت سوريا كدولة وطنية وسقط دورها في المنطقة ولترك الباب مفتوحا للهيمنة الكاملة على المنطقة وفتح الباب أكثر لمحاربة محور المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية.
النقطة الأخيرة في هذه العجالة هي ما أوردته القيادة السياسية السورية عندما بدأت جحافل الإرهابيين بالدخول الى سوريا عبر الحدود التركية التي فتحت على مصراعيها لهذه الحثالة. لقد حذرت القيادة السياسية في سوريا أن هذا الإرهاب لا يشكل خطرا على سوريا فقط بل يشكل أيضا خطرا على المنطقة بأكملها وعلى العالم وبالدرجة الأولى على مشغليه وداعميه آجلا أم عاجلا. لم تستمع أي من هذه الدول الى هذه النصيحة ومرة أخرى تنادى البعض أن هذه التصريحات الاتية من القيادة السياسية لسوريا انما تأتي في محاولة يائسة لدرء الخطر عن "النظام" السوري ومحاولة "للبقاء" في السلطة. مضت سنوات على هذا التحذير الذي اهملته الدول الغربية والإقليمية التي كانت تسعى للإطاحة بالدولة السورية وما شاهدناه منذ ما يقرب من أكثر من عام تقريبا هو انتقال الارهاب الى العواصم والشوارع الأوروبية مع عودة الارهاب المهاجر الى جحوره التي انطلق منها. هنالك 8500 مقاتل أوروبي عادوا الى البلدان التي أتوا منها وهذا العدد ليس بالعدد البسيط فهو يشكل حوالي 30% من الذين توجهوا الى الداخل السوري للالتحاق بتنظيم داعش أو النصرة القاعدية. وما نسمعه اليوم من الرئيس الفرنسي هولاند أن فرنسا اليوم تحارب الارهاب على أراضيها ويقوم بتمديد حالة الطوارئ وهكذا دواليك بالنسبة الى دول أوروبية أخرى. والسؤال ماذا سيكون عليه الحال فيما عاد كل الذين يقاتلون في سوريا الى بلدانهم الأوروبية أو الامريكية؟
في النهاية نؤد أن نؤكد على ان الأرقام التي نشرها مركز فيريل الألماني لا بد أن تثير جدلا واسعا على المستوى العالمي أو هكذا يفترض ان يكون التفكير المنطقي ولكننا على ثقة ان هذه الأرقام ستدفن تحت السجادة كما يقولون من قبل الصحافة الغربية التي عودتنا أن تخفي الحقائق وتقوم بفبركات إعلامية وتمرير الاكاذيب، أو ان تقلل من شأن الحقائق إذا ما افتضح الامر وخاصة ممن ينقلون الحقائق على الأرض كما تحدث وبالنقل المباشر للصورة والحدث ولم يعد بالإمكان السكوت عليه. ولذلك لا نعول على هذه الصحف الصفراء أن تعير اهتمام لهذه الأرقام المذهلة لأنها ببساطة لا تخدم الاجندات الغربية والإقليمية المعدة لسوريا إذا ما استطاعوا اليها سبيلا ولن يستطيعوا.
دلالات الارقام الصادرة عن مركز فيريل الألماني بشأن المسلحين الأجانب في سوريا
2016-08-11
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني