بقلم: سلطان كليب
من اللحظة الأولى التي أذيع فيها خبر الإنقلاب على الشرعية التركية لا يمكن لعاقل أن يغيب عن ذهنه الدور الأمريكي في التخطيط والمشاركة غير المباشرة في التنفيذ ،والدور العربي عموما والخليجي خاصّة في التمويل للإنقلابيين منذ سنين طويلة ،والترويج الإعلامي ونشر الاشاعات والأكاذيب والتضليل فور اعلان الانقلاب .
العرب فشلوا أخلاقياً في حفظ كرامتهم وتوحيد صفوفهم قبل فشلهم سياسياً، واقتصادياً ،وإعلامياً،العرب لم يُفلحوا في اختيار أصدقائهم المخلصون ،الصادقون المؤتمنون،العرب تدثّروا في احضان الغرب وأهملوا شعوبهم فسقطوا كأحجار الديمو،وتركوا الدولة التي حاولت أن تعلي من شأنهم وتقف إلى جانبهم ،وتناصر قضاياهم المصيرية فخانوها وتآمروا عليها ولولا لطف الله ومشيئته أصبحت تركيا اليوم تركيا كمال أتاتورك مدمّر الاسلام .
من اللحظة الأولى لفشل الإنقلاب كنت واثقاً أن الخطوة التالية للرئيس التركي "أردوغان" ستكون معاقبة أمريكا و"حلفاء أمريكا " ،ولا بدّ من التوجّه فوراً إلى روسيا والتحالف معها وصفع أمريكا وإسقاط مشروعها في الشرق الأوسط ،وخلط أوراقها التي عملت عليها منذ مائة عام .
على الرئيس اردوغان ان يكمل خطواته ولا يلتفت للخلف ويمتّن علاقته بروسيا ،وأن يسارع بطرد القوات الأمريكية من قاعدة أنجرلك، وأي تواجد للجيش الأمريكي على أراضيه ،وأن يحدّ من التمثيل الدبلوماسي للعاملين في السفارة الأمريكية والإبقاء على ادنى مستوى للتمثيل الدبلوماسي بمستوى القنصلية .
ربما يرى البعض أنه لا فارق بين الموقف الروسي والأمريكي حول قضايا المنطقة ،ولا فارق بين التحالف مع امريكا او روسيا ،لكن تبقى روسيا أقل خطراَ من أمريكا ،وأكثر وفاءًا لأصدقائها فهي لم تخونهم يوماً ما ،ولم تتخلى عنهم كما تفعل أمريكا، والاعلام الغربي والعربي هو اعلام فاشل وكاذب وهو من شوّه صورة روسيا في عقول العرب وهذا عهد قطعه الاعراب على انفسهم لبريطانيا منذ مائة عام ،نعم روسيا تدمر في سوريا دفاعا عن مصالحها ،ولكن الم تفعل ذلك امريكا في العراق، وأفغانستان، دفاعا عن مصالحها،والضحية المسلمون إذا لماذا لا نتحالف مع روسيا ونطرد أمريكا وبريطانيا وفرنسا من الوطن العربي،والابقاء على حليف واحد أكثر ثقة واخلاصا من أمريكا والغرب ،طبعا هذا مستحيل والاسباب معروفة .
التقارب الروسي التركي عاصفة شمسية قلبت السحر على الساحر ،اغتنمتها روسيا وأتقنتها تركيا ،وهذا سنلمس له آثارا على الملف السوري والعراقي واليمني بشكلٍ واضح،وتغيير معادلة الحرب على الأرض لصالح النظام السوري والروسي والايراني ،مع ان هناك فجوة عميقة بين رؤية تركيا بتنحي بشار الأسد،والرؤية الروسية في ابقاء النظام ودعمه واسقاط الثورة،لكن أقل ضرر سيلحق بالثورة التي تدعمها السعودية وأمريكا هي منع دخول السلاح من الجانب التركي ،والتضييق على الثوار بعدم دخول اراضي التركية،ولا نستبعد أن يتم طرد ممثليهم من الاراضي التركية مستقبلا .
تركيا ليست مصر السيسي وجيش الكفته،ولا العربية السعودية التي لا تخرج عن فُلك أمريكا طرفة عين ، تركيا دولة ذات سيادة وقانون ،ودستور،ونظام اقتصادي عالمي لا يهتز،تركيا دولة مؤسسات تحاسب المخطئ ،وتكافئ المحسن، لا يحكمها صنما واحدا له قومٌ ساجدون،صمٌ بكمٌ عميٌ لا يفقهون،تركيا نظام يعمل من أجل وطنه وشعبه قولاً وفعلاً ،وهذا لمسه المواطن التركي الذي صد الانقلاب بصدور عارية دفاعاً عن المكتسبات التي نقلته من عالم الحيوان الى عالم الإنسان،ومن عالم التخلف والرجعية إلى حياة الشرف والكرامة .
تركيا لن تستشير العرب ،ولا أمريكا عندما تقرر من هو الحليف الصديق ،ومن هو العدو الخائن الذي لا تُغتفر خيانته ،فكان قرارها بالتوجه إلى روسيا ،التوجه إلى روسيا هذا امر طبيعي لكن هذا التوجه سيتبعه تحالفاً عسكرياً مستقبلاً ،وبما ان روسيا حليفاً لإيران فإن إيران وبالتأكيد ستصبح حليفاً لتركيا،وسينعكس هذا على الملف العراقي واليمني الذي لايران اليد الطولى به .
أياً كان نوع هذا التحالف وحجمه وتداعياته مستقبلاً لكنه تحالفاً بالفطرة سيؤدي إلى توتر العلاقات الخليجية التركية مع الوقت ،لذلك سنشهد فتوراً بالعلاقات بيت تركيا والسعودية،ونتائجه على المدى البعيد قطع العلاقات الدبلوماسية، وتبادل التهم لتخرج تركيا عن صمتها وتعلن ان السعودية كانت من اكبر الداعمين للإنقلابيين وهي من موّلت وشاركت بالتخططيط ،وحينها ستصبح السعودية فريسه سهلة لإيران مع تخلي تركيا عنها ،وضعف الموقف المصري.
تركيا خرجت من التحالف العربي والأمريكي ولا عودة لمن خانوا العهود والمواثيق، ولا نعلم هل فعلا أن اردوغان كان يثق في أمريكا، والسعودية، والإمارات،ولم يعتبر من خيانتها لمصر ،وسوريا،والعراق،وليبيا ،ومن قبل القدس الشريف لتضع ثقتها العمياء بمن لا عهد لهم إلا خدمة المشروع البريطاني أمريكي الذي تحركه الصهيونية العالمية .
الخاسر الأكبر من خروج تركيا من التحالف العربي الأمريكي دول الخليج،والمستفيد الأكبر هي إيران ،إيران رغم الموقف التركي من حليفها بشار الأسد لم تتوانى عن الوقوف الى جانب تركيا ضد الانقلابمن اللحظة الأولى، وكانت هي وروسيا أول من وقف الى جانب أردوغان والتواصل معه مباشرا منذ اللحظة الأولى للإنقلاب للإطمئنان على فشله ،واستطاعت أن تستثمر الانقلاب لصالحها لتعزيز علاقتها وتكسب عدو الأمس ليصبح صديقا وحليفا ،عكس أمريكا وحليفتها السعودية التي بثت الاخبار الكاذبة المضللة من اللحظة الاولى بنجاح الانقلاب ، والتزموا الصمت انتظارا لنجاح الانقلاب،بل اغلب دول العالم رفضت الاتصال مع القيادة السياسية حتى تاكد فشل الانقلاب،ولليوم رغم التقارب الروسي التركي الايراني لازال هناك صمتاً واضحاً من دول الخليج وهم اعلم بالجريمة التي شاركوا فيها ،وما يمثله خطرهذا التحالف الجديد على أمن الخليج مستقبلاً،هذا التحالف عوّض كل خسائر ايران في سوريا والعراق مادياً وعسكرياً،واقتصادياً،وفتح لها الآفاق بحلمٍ كان من المستحيل تحققه بعدما تم التضييق عليها .
لذلك بدانا نلمس التقارب التركي الإيراني من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد طريف والحفاوة التي استقبل بها استقبال الزعماء ،وعلينا ان نفهم الرسالة التي ستبني لعلاقات حميمة متينه سياسيا واقتصادياً يترتب عليها لقاءا بين الرئيسان التركي والايراني لاحقا والتوقيع على اتفاقيات سياسية،واقتصادية،ورسم خريطه جديدة لتغيير كل السياسات التي خططت لها امريكا وإفشالها .
دول الخليج العربي تنهار اقتصادياً ولا يمكن ان تعيد بناء اقتصادها ،وتخسر كل فترة حلفاء جدد،ودمروا دولاً كان من الممكن ان تكون سنداً لهم في أصعب الظروف مهما بلغ حجم الخلاف السياسي والذي يمكن ترميمه كما حصل بين تركيا وروسيا وإيران ،حتى إطاحتهم بالرئيس المنتخب شرعيا والانقلاب عليه واستبداله بهيكل عظمي كان خطأ تاريخيا ،فالسيسي هو خنجر مسموم سينغرس يوما ما في خاصرة الخليج ،ونسال دول الخليج من أبقيتم لكم ؟ هل أمريكا هي الحصن الأخير الذي تضعون فيه كل آمالكم، أمريكا ان لم تعلموا اعلموا أنها تضع حبل المشنقة في رقابكم ،وعليكم انتظار ركل كرسي الاعدام بأقدامهم لتنفيذ الحكم،أمريكا لا يُعرف عنها الا الغدر والخيانة ولأقرب المقربين منها .
نعم سقط الخليج واعتلت تركيا ،تحررت تركيا من الخيانة الداخلية والخارجية ،تحررت تركيا من خيانة العرب وتآمرهم وتركتهم للوحش المفترس ،وربحت الدبلوماسية الروسية والايرانية ،وسوف يقطف الثمار نظام بشار الأسد والحوثي وسليماني ،تركيا لا يعنيها من يحكم سوريا لكن هناك قواسماً مشتركة بينها وبين ايران بان لاتقام دولة "كردية" تخشاها ايران كما تركيا على حدود الدول الأربع تركيا ايران روسيا العراق ، ومن وجهة نظر الدولتين فإن إقامة دولة تركيا هو تهديد لأمنهما السياسي لذلك سيكون بينهما اتفاق تام حول هذا الملف ،بالاضافة للملف الاقتصادي والسياسي في سوريا ،ولا استبعد أن تمنح تركيا روسيا السماح باقامة قواعد لطائراتها على أراضيها قبل طرد الأمريكان .
اليوم تركيا أقوى،روسيا أقوى،إيران أقوى ،موقف صعب وضعت فيه نفسها الإدارة الأمريكية والسياسة الخليجية ،والخروج من هذا المأزق في ظل التوتر العسكري بالمنطقة والضعف العربي صعب جداً ،لقد زال الخطر الأكبرعن سوريا المدمّرة وإيران التي يتم استنزافها ،ولكنه توجه الى دول الخليج بعد استقرار الوضع التركي وتمتين العلاقات مع روسيا وايران .