بقلم: نبيه البرجي
هوذا رجل في اسطنبول يشبهنا. انه يقفل الافواه، ويقفل الادمغة. يفعل تماما ما فعله خلخالي في ايران، وما فعله المهداوي في العراق. ها هو وزير الاقتصاد لديه نهاد زيبكجي يقول( انتبهوا هذا وزير الخبز والكباب لا وزير الداخلية). سنجعلهم يتوسلون، سيعانون من عقاب شديد في داخل حفر لدرجة انهم لن يروا نور الشمس طالما بقي في صدورهم رمق. لن يتناهى اليهم صوت بشري مرة اخرى. سيتوسلون الينا ان نقتلهم.
كما العديد من الحكام العرب والمسلمين يقول رجب طيب اردوغان «انا جهنم».
هؤلاء الذين لم ينظروا الى الآيات التي تقول بعبقرية الرحمة، وعبقرية التسامح، وعبقرية العدالة، لم يروا في القرآن سوى ما يقوله في جهنم. كلنا مسلمون وكلنا...جهنم.
اين هي دول المنطقة التي تعثر فيها على العدالة الالهية، وعلى التألق الالهي، في التعاطي مع الناس الذين باسم الدين لا نقبض على ارواحهم فحسب بل نضعهم في حفر او في اقبية، وندعهم يقبلّون اقدامنا من اجل ان نقتلهم لا من اجل ان نعيدهم الى الحياة.
كثيرون يتصلون منددين ومهددين بالذي نكتبه عن الاسلام السياسي (الاسلام الاصطناعي). ولكن كم استبشرنا وهللنا لاردوغان حين اتى الينا بذلك الاسلام الذي لا يفرض علينا شكل ملابسنا، ولا شكل وجوهنا، ولا الطريقة التي تدق فيها قلوبنا للمرأة، وللوردة، وللموسيقى...
الموسيقى الملعونة التي تستدرجنا الى الغواية لان القلب البشري لكي يكون تقيأ، ومتوهجا، وخاشعا، يفترض ان يكون قلب وحيد القرن.
اذاً، كان وجه الرئيس التركي قناعا، نقابا، برقعا، وكان يخدعنا، حتى اذا ما تعرّض لاول هزة، خرج ذلك الاسلام الاخر من مخبئه، وكما قال وزير الاقتصاد. وضع الجنرالات، القضاة، اساتذة الجامعات، الديبلوماسيين، الاكاديميين، الصحافيين، المثقفين، الفنانين، في الحفر ليلعقوا احذية رجال الاستخبارات الذين ماتت قلوبهم منذ آدم...
اميركا مع هذا الاسلام. لا تصدقوا كل ما يقال حول حقوق الانسان، تذكروا جمهوريات الموز في جنوب اميركا، وتذكروا انظمة القرون الوسطى في الشرق الاوسط. جوزف دانفورد، رئيس هيئة الاركان المشتركة في الولايات المتحدة، جاء الى انقرة ليؤكد لاردوغان ان«حلفنا مقدس» وان «حلفنا ابدي» ليمنعه من الذهاب شرقا...
هذا كل ما يعني واشنطن. ان تكون ارضنا قواعد وموانىء لاساطيلها، وان يكون حكامنا وكلاء لها، وان تبقى المجتمعات على تخوم الغيب، اي على تخوم العدم. قد يكون صحيحا ان الغرب ضاق ذرعا باردوغان الذي لم يفهم من مؤتمر لوزان، ومن كل المؤتمرات التي عقدت عشية وغداة الحرب العالمية الاولى، انه لا سلطان عثمانيا ولا سلطنة عثمانية بعد الان...
ذاك الغرب الذي تعاون معه في تصدير شذاذ الآفاق، وقطاع الطرق، الى الداخل السوري، وذاك الغرب الذي راهن عليه لتجزئة العراق، ولتهريب «الاخوان المسلمين» الى المملكة العربية السعودية لتفجيرها من الداخل، لم يستطع تحمله حين اراد ان يكون شريكا للسيد الاميركي وان ينظر من قصر يلدز الى قصر الاليزيه او الى قصر بكنغهام...
تركيا الان داخل الزلزال. حرب اهلية، لكن فريقا واحدا هو الذي يطلق النار على الجميع، ويدفن الجميع وهم احياء. قيل لنا هذه هي السلطنة، السلطان الذي فقأ عيون 18 من اشقائه كي لا يفكروا، مجرد تفكير، بالعرش، وهذه هي العسكرتاريا التركية. لا شيء سوى الابادة، ولا شيء سوى المشانق التي علقت في ساحة البرج في بيروت وفي ساحة المرجة في دمشق...
بالرغم من كل هذا، والاحتقان الغرائزي انتزع كل ما تبقى من الله في داخلنا، نرى في لبنان من يرفع الصور، ومن يرفع اللافتات، ومن يدعو اردوغان بـ «الفاتح»، فهل فتح الله غولن، وهو الداعية الاسلامي الذي خرج الرئيس التركي من عباءته، وهل الجنرالات الذين داس عليهم الرعاع بالنعال، وهل القضاة الذين ضربوا بالعصي على ظهورهم، من دين اخر او من طائفة اخرى؟
حتى يقال انني اكتب بلغة الغربان، الى اين تذهب تركيا، والى اين تذهب المنطقة اذا كان السلطان يقول امام الملأ « انا جهنم»، ويردد وراءه الاخرون؟
المصدر: صحيفة "الديـار" اللبنانية