إن الصراع الدموي الذي تقوده أمريكا وأدواتها في سورية لم يحقق لها أي إنتصار على أرض الواقع في سورية، بل أشاع إعلامهم الفاقد للمهنية والرافض للخسارة أنهم حققوا انتصارات كبيرة في سورية وهو ما يثبت أنهم يصنعون إنتصارات وهمية دون أي حقائق واقعية، فالجيش السوري إستطاع قلب الموازين العسكرية، وجاءت المواجهات التي خاضتها قوات الجيش نقلة نوعية جعلت المحللين العسكريين والدوليين بخاصة في واشنطن يتوقفون أمام المشهد متسائلين: هل قلب الرئيس الأسد الموازين العسكرية في المنطقة؟، خاصة بعد وضع اللمسات الأخيرة لتحرير حلب الأمر الذي من المنتظر أن يفرض سلسلة جديدة من المتغيرات الميدانية ما قبل إستئناف عملية المفاوضات السياسية لحل الأزمة السورية.
في سباق مع الزمن، تقدم الجيش السوري والمدعوم من حلفاؤه، وعلى كافة المحاور، في معركته ضد الجماعات المتطرفة وأدواتها، وتمكن من إستعادة السيطرة الكاملة على منطقة الكليات العسكرية جنوب مدينة حلب بعد القضاء على آخر بؤر وتجمعات الإرهابيين فيها ومطاردة فلولهم بالتوازي مع تنفيذ سلاح الجو غارات مكثفة على خطوط إمدادهم في الريفين الجنوبي والشمالي، وبذلك أحكم الطوق على المسلحين المتمركزين في أحياء حلب الشرقية، لذلك فإن السيطرة على هذه الكليات تقطع جميع طرق تحرك وخطوط إمداد هذه المجموعات من الريف الجنوبي لحلب باتجاه الراموسة والأحياء الشرقية للمدينة وتعزل المجموعات الإرهابية في الراموسة عن هذه الأحياء.
في هذا السياق إن فك الطوق عن الكليات وإستعادتها قد يفتح الطريق أمام قوات الجيش السوري إلى إكمال الطوق على المدينة، وفي حال سيطرت على الدباغات فيعني ذلك فتح الطريق الجنوبي إلى داخل مدينة حلب، ما يبقي خيارين أمام هذه المجموعات، فإما الدخول في مفاوضات لإتفاق تسوية مع الجيش السوري، وقطعاَ ستكون الشروط السورية كـتلك التي فرضتها على مسلحي حمص القديمة، أو تبقى هذه المجموعات محاصرة في حالة من القتال حتى لفظ النفس الأخير، ووفقاً للمعطيات المتوفرة فإن هذه العملية لن تطول، فالمعارك العنيفة التي يخضوها الجيش السوري ضد المجموعات المتطرفة، تستنزفها طاقتها و قدراتها العسكرية، و مع انعدام الإمداد، ستضطر إلى التسوية مع الحكومة السورية.
في السياق ذاته شهدت الأيام القليلة الفائتة تراجعاً كبيراً ما يعرف بـ"جيش الإسلام" معركة "ذات الرقاع" بمرحلتها الرابعة بغية التمدد باتجاه بعض النقاط في الغوطة الشرقية بريف دمشق، حتى تصدى الجيش السوري وحلفاؤه لمحاولة تقدمهم وشن نحوهم هجوماً مضاداً حقق على إثره تقدماً وسيطرة جديدتين، وفي الاتجاه الآخر واصل الجيش السوري تثبيت مواقعه في الكتيبة المهجورة شرق بلدة إبطع بريف درعا بعد تحريرها من تواجد الجماعات المسلحة، فضلاً عن نشوب خلافات كبيرة وتبادل الاتهامات بالخيانة والجبن بين التنظيمات الإرهابية المنهزمة في حلب ودرعا ولا سيما بين المجموعات التابعة لما يسمى "جيش الفتح" و"جيش المجاهدين" و"الجيش الحر"، إضافة إلى حالة الذعر والرعب التي وصلت إليها تلك التنظيمات والتي تجلت بفرار إرهابييها تاركين أسلحتهم وذخيرتهم، بعد أن أصابتهم خيبة أمل كبيرة وذلك بسبب سقوط أوراقهم الميدانية، والتي كانت تُستثمر للضغط على الحكومة السورية في أيّ مفاوضات جديدة قادمة، بالتالي إنّ التقدم الواسع للجيش السوري في الشمال والجنوب، وإستسلام هذه التنظيمات المسلحة المدعومة من أمريكا وحلفاؤها، قلب جميع الموازين وغيّرمن استراتيجية التعامل مع الوضع الميداني السوري، فرجحان كفة الجيش السوري في الشمال كان بمثابة رصاصة للمشروع الأمريكي في تقسيم سورية وهو حلم لم ولن يتحقق بفضل سواعد الجيش السوري، والتغطية الجوية الروسية الإيرانية للقضاء على الجماعات المتطرفة وأخواتها في سورية الغير مؤيدة للحلّ السلمي في سورية.
مجملاً...إن مفردات الخارطة العسكرية بعد استعادة السيطرة على الكليات العسكرية الثلاث في حلب، تمنح بتغيرها القدرة للجيش السوري إلى استعادة زمام المبادرة من تلك الجهة الملتهبة من المحافظة الشمالية التي تتاخم بحدودها تركيا، وهذ أمر ينبئ بقرب عملية الحسم النهائي في مدينة حلب، والتي من خلالها سترسم استراتيجية جديدة في محاربة كلّ الجماعات المسلحة بكافة تنوعاتها ومرجعيتها، والتي لا تؤمن بالحلّ السياسي وبالتعدُّدية السياسية وبوحدة التراب السوري.
أختم بالقول، إن ساعة الحسم قد اقتربت لتطهيرالأراضي السورية من الإرهاب بعد زمن طويل من الألم و المعاناة ، لذلك فأن انتصار سورية يؤسس لمرحلة وظروف جديدة، فسورية بهذا الشموخ وجهت رسالة لكل الأعداء بأن فيها أبطالا لا يطأطئون الرؤوس ولا ينحنون لأحد إلا لله، وبأنهم على استعداد عال وجهوزية تامة لتحقيق الأمن، وانتصارها سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة بأكملها، فستأتي الأيام القريبة لتكشف حجم الهزائم والخسائر التي أصابت أعداء سورية ليكتشفوا أنهم على وهم، وما يتحدثون عنه من إنجازات هي في الحقيقية أحاديث الوهم والسراب، وبإختصار شديد يمكنني القول، أن الصمود الأُسطُوري لسورية وجيشها في وجه العدوان الأمريكي الغربي سيسجله التاريخ بأنه أسطورة هذا الزمان التي ستقرئها الاجيال القادمة، وسيكتب المؤرخين بالخط العريض أن أولئك الأبطال رجال الجيش هم من مرغوا أنف أعدائهم في التراب بعد أن وجدوا أنفسهم أمام حقيقة واضحة إنهم حفروا قبورهم بأيديهم في أرض سورية، وأن جبروتهم وتدريباتهم العالية وجدت مكانها تحت حذاء الجندي السوري، والأيام القادمة حُبلى بالكثير من المفاجآت و الإجابات.
khaym1979@yahoo.com