بعد أخذٍ ورد، وبعد إعلانٍ ثم نفي عن قرب التوصل لاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف السوري، يعود مسلسل المباحثات مجدداً لدُور " جنيف " لعرض حلقاته التي تطول ساعاتها ودقائق تفصيلاتها من دون أي حصاد للتوافق، مسائل عالقة، وثغراتٌ لم تُسد، هكذا كان الوصف الأميركي لجملة السابق من المحادثات، أعلن الأميركيون أن الروس تراجعوا في بعض النقاط ماجعل التوافق بعيداً، فماذا يحدث بين رأسي اللعبة الدولية، وهل يحصد تفاؤل بوتين "الخير" فيما سينتج عن لقاءات كيري ولافروف، أم إن الكباش يستعر ويعود ربما للمربع الأول؟
إن استمرار صور الصراع الدولي والإقليمي بهذا الزخم، والتي كان آخرها اعتراض الطائرات الروسية لطائرة أميركية فوق البحر الأسود، قال الروس أنها كانت تتجسس على تدريبات للجيش الروسي، فيما عد الأميركيون الحادث اعتراضاً خطيراً وغير مهني، كذلك صور الحرب الكلامية والتكفير السعودي للايرانيين وردود طهران النارية التي وصلت لمستوى توصيف المملكة بالشجرة الملعونة كما جاء على لسان مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، ودعوة الجبير لزيارة طهران لتعلم أصول السياسة والدبلوماسية، كل ذلك يشي بالضروة أن لا نيات حقيقية متوفرة لصياغة حل سياسي في سورية، وتحديداً غياب الإرادة لدى واشنطن عن ممارسة أي ضعط على حلفائها الفاعلين في الميدان السوري وإن كل ما أبداه لافروف وكيري في اجتماعهم الماراثوني الذي دام حوالي 12 ساعة لجهة أن كلا الطرفين سيضغطان على أطراف النزاع، يبدو غائباً كلياً عن المشهد السياسي التوافقي، وكل هذه النار السياسية ستصرف ربما خلال المرحلة القادمة في الساحة السورية.
في ظل جملة التعقيدات الحاصلة يبرز إلى الواجهة مشهدان بارزان يشكلان في دلالاتهما تغذية للنار والذهاب ربما لمطارح خطيرة لا يعرف أحد إلى أين منتهاها ومستقرها.
الأول : ما أعلنه أردوغان للصحافيين في الطائرة خلال عودته من قمة العشرين لجهة أن أوباما أبلغه عن ضرورة أن يفعل البلدان شيئاً مشتركاً كالتعاون معاً من أجل تحرير الرقة من داعش، مؤكداً أن بلاده أبدت استعدادها لذلك، فما الذي يريد أن يصيغه الأميركي والتركي بمعزل عن الروسي الفاعل في الميدان السوري واللاعب الرئيس في مكافحة الإرهاب؟ ثم إلى أي مطارح يريد أن يصل أردوغان عندما طالب واشنطن وموسكو بضرورة فرض حظر جوي في الشمال السوري؟ هل الهدف فقط هو طرد داعش، وإجبار الأكراد على التراجع وعدم المس بالخطوط الحمراء، أم إن في التفاصيل شيطاناً وروائح خبيثة، ثم ماذا عن توقيت " انتصاب عود " المعارضة الخارجية ( الهيئة العليا للمفاوضات) مجدداً، وشدة خطابها من لندن وإعلانها عن رؤيتها لهيكلية الحل السياسي في سورية ومسار هيئة الحكم الانتقالي، وأنه لا مكان للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، هل هو تعزيز " لطبخة " أو سيناريو تصعيدي يكتبه القلم الأميركي بالحبر التركي؟ أم هو تخبط المهزوم وتغريدٌ خارج السرب؟
المشهد الثاني : ما قاله آفي ديختر الرئيس السابق للشاباك الإسرائيلي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست عندما سئل عن أدوار روسيا وتركيا في سورية، أجاب ديختر : برغم الأولويات المتنافسة بين البلدين إلا أن أنقرة وموسكو لن تجعلا من سورية قاعدة ضدنا، ويبقى حزب الله هو الاستثناء الوحيد الذي يهددنا، مضيفاً : إن الإسرائيليين يسعون من وراء الاضطرابات في سورية والإقليم الى تعزيز إيجابيات ذلك في إضعاف أعداء " إسرائيل " في كل من إيران وسورية ولبنان، وإنه كلما زادات الأمور انقساماً كلما كان التهديد بالنسبة لنا أضعف.
من الصعب معرفة إن كان ما يحدث الآن في سورية هو بداية النهاية أم نهاية البداية، ( تماماً كتوصيف ديختر)، فالتعقيد مستمر والكباش في ذروته، والعيون ترقب ولادة " الاتفاق التاريخي "، ولاندري أثمة عوامل قد تجهض المولود المنتظر فيما يردد صدى جنيف حينها " دق المي وهيي مي ".
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com