2025-05-25 10:05 ص

قراءة أولية في اسقاط طائرة F-16 والطائرة بدون طيار الاسرائيليتين في القنيطرة

2016-09-14
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
اسقاط طائرة F-16 والطائرة بدون طيار الاسرائيليتين التي تعدت الحدود ودخلت الأراضي السورية لشن الغارة الرابعة على مرابض المدافع السورية في القنيطرة الى جانب جمع المعلومات الاستخباراتية جاءت لترسل رسالة واضحة الى الكيان الصهيوني والقوى الإقليمية والدولية الداعمة له مفادها أن زمن العربدة الاسرائيلية المتمثل بالخروقات والاعتداءات الإسرائيلية لدعم المجموعات الإرهابية التي تسيطر على الشريط الحدودي منذ ما يقرب من عامين، ان هذا الزمن قد انتهى وأن الجيش العربي السوري وقواته المرابطة في القنيطرة باتا في وضع يسمح لهما بالتصدي لهذه العربدة الإسرائيلية وأنها من الان فصاعدا لن تمر بدون ثمن. لم يعد سرا أن دولة الكيان الصهيوني قامت وما زالت تقوم بتقديم الدعم العسكري واللوجيستي والطبابة في المستشفيات الإسرائيلية الى جانب المستشفيات الميدانية التي أقيمت لها الغرض بالقرب من المناطق الحدودية للمجموعات الإرهابية المتواجدة في المناطق الحدودية وخاصة جبهة النصرة القاعدية. هذا الدعم لم ينكره الكيان الصهيوني ساء من قياداته العسكرية أو السياسية. ولقد تم نشر صورة في التلفزيون الإسرائيلي لنتنياهو وهو يزور احدى المستشفيات ويقابل جرحى من الإرهابيين بعض خضوعهم لعمليات نتيجة إصاباتهم في المعارك مع الجيش العربي السوري. وكان أن تقدم الجيش الإسرائيلي سابقا الى المنطقة المنزوعة السلاح وقامت بطرد قوات الأمم المتحدة هناك وتسليم المنطقة الى مقاتلي جبهة النصرة، على أمل ان تلعب هذه المنطقة كمنطقة عازلة أو حزاما أمنيا على غرار الحزام الأمني الذي أقامته في الجنوب اللبناني بدعم الجيش اللبناني الحر. ويأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في الوقت الذي منيت به المجموعات الإرهابية المسلحة بالهزيمة وافشال ما أطلق عليه معركة "قادسية الجنوب" بتحقيق أي خرق لدفاعات الجيش العربي السوري في المنطقة. ولهذا فان الغارات الإسرائيلية على مواقع الجيش العربي السوري كانت تستهدف رفع المعنويات المنهارة لهذه المجموعات الإرهابية. كما ويأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في الوقت الذي تم فيه الاتفاق على وقف الاعمال العدائية في سوريا وخاصة في منطقة حلب وذلك تحت اشراف روسيا والولايات المتحدة لمدة 48 ساعة وعلى أمل أن تمدد هذه الفترة في حالة الالتزام من قبل كل الأطراف بهذا الاتفاق ( وقد سجلت أربعة خروقات للمجموعات الإرهابية لغاية الان ). وبالتالي فان التدخل الإسرائيلي العسكري المباشر وفي هذا الوقت بالذات الذي يسعى فيه العالم الى تحقيق نوع من التهدئة في سوريا وحقن الدماء للوصول الى طاولة المفاوضات وإعطاء فرصة للحوار السوري-السوري، يأتي ليؤجج من الاشتباكات وعدم الاستقرار ضمن الاستراتيجية للكيان الصهيوني المرتكزة على ادامة الصراع والحرب في سوريا وعلى سوريا لإنهاك القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية للدولة السورية والعمل على تقسيم الوطن السوري وهي الاستراتيجية التي اتبعها الكيان الصهيوني منذ بدء الازمة السورية. والذي يبدو أن الكيان الصهيوني ومن خلال هذا العدوان يريد أن يؤكد عدم رضائه على الاتفاق الأخير بين الطرف الروسي والامريكي على وقف الاعمال العدائية وإمكانية التنسيق فيما بينهم وإقامة "مركز عمليات مشترك" لضرب النصرة القاعدية وداعش على الأراضي السورية، حيث إعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن هذا نصرا لروسيا وتراجع أمريكي واضح. وهذا الاختراق الجوي الإسرائيلي هو الأول من نوعه منذ دخول القوات الروسية الى سوريا، حيث حرم على الطائرات الإسرائيلية اختراق الأجواء السورية ولهذا كانت عادة الطائرات الإسرائيلية تقصف الأراضي السورية من داخل فلسطين المحتلة، كما كان الحال عند اغتيال المناضل والاسير المحرر سمير القنطار. وبالتالي فالحدث الأخير يعتبر خرقا للتفاهم مع روسيا وتعهد إسرائيل بعدم اختراق الأجواء السورية. وربما هذا ما يفسر التصريحات الروسية عبر وزير خارجيتها الذي أيد ضمنيا الرد السوري على التعدي على سيادة الأراضي السورية. فقد صرح لافروف،" يوجد ارهابيون في الجولان ويجب محاربتهم" وأن "محاربة الإرهابيين في الجولان يجب أن تتم وفق الالتزام بقرارات مجلس الامن". بمعنى وقف إطلاق النار ووجود منطقة عازلة يشغلها جنود من الأمم المتحدة للمراقبة وليس المجموعات الإرهابية الى جانب محاربة الارهاب وليس تقديم الدعم العسكري واللوجيستي وفتح المستشفيات الى جرحاهم كما تفعل إسرائيل التي تدعي أنها تحارب الارهاب. من الواضح أن الرد وبهذه الطريقة تدلل على ان القيادة السورية قد اتخذت القرار السياسي بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية وكانت القيادة قد أبلغت الجانب الروسي أنها سترد على أي اعتداءات اسرائيلية اذا ما تم اختراق مجالها الجوي وهذا ما فعلته بالفعل. هذا الرد له دلالات كبيرة وخاصة إذا ما أخذت القيادة السورية وحلفاؤها هذا المسار. من الواضح ان استخدام الصواريخ لإسقاط طائرة F-16 الأميركية الصنع يدلل على إعادة بناء وتفعيل منظومة الدفاعات الجوية السورية في الجولان بالقدر الذي يسمح لها باستخدامها بهذا الشكل الفعال ومما لا شك فيه أن هذه القدرات ستقلق الجيش الاسرائيل الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على سلاحه الجوي واعتقد ولفترة طويلة الى الان بانه يستطيع ان يسرح ويمرح في الأجواء السورية واللبنانية دون منازع ودون تعرض طائراته للأذى. ومما لا شك فيه ان الدوائر العسكرية في الكيان الصهيوني بدأت تحسب أيضا ماذا سيكون الحال في حالة شن عدوانا على الجنوب اللبناني وبالتحديد على حزب الله وهي تدري الان أن محور المقاومة يمتلك من الصواريخ الجاهزية التي تؤهله لإسقاط طائراته المغيرة. كما وأن أخذ مثل هذا القرار السياسي في الرد يشكل تحولا استراتيجيا وجوهريا في قواعد الاشتباك على جبهة الجولان ويأتي هذا أيضا بالتزامن مع تغير قواعد الاشتباك التي أعلنها سماحة السيد حسن نصرالله. بمعنى ان قواعد الاشتباك قد تغيرت على الجبهتين السورية واللبنانية. وفي هذا الصدد أيضا لا بد من الإشارة الى اعلان تشكيل مقاومة لتحرير الجولان. واذا ما أخذت هذه الركائز الثلاث سويا فإنها تبشر بالخير لمحور المقاومة وخاصة مع ما يحققه الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض السورية. التصرف الإسرائيلي الارعن التي قامت به إسرائيل من خلال التصعيد العسكري يستدل عليه ليس فقط بعدد الغارات والقصف والتعدي على سيادة الأراضي السورية، بل وأيضا بحجم الخسائر البشرية التي منيت بها المجموعات المسلحة وعدد الجرحى التي نقلتهم سيارات الإسعاف الاسرائيل الى المستشفيات الإسرائيلية في خلال اليومين الماضيين والذي بلغ ما يقرب من 260 جريحا والذي يدلل على شدة المعارك بين المجموعات الإرهابية والجيش العربي السوري. هذا من المؤكد انه يطرح تساءل مشروعا الا وهو هل قامت إسرائيل بهذا التحدي للتفاهمات والتعهدات التي قدمها نتنياهو لبوتين لوحدها دون ابلاغ الطرف الامريكي؟ أم إن هذا تم بعملية منسقة وتبادل أدوار لإفشال الاتفاق الروسي الأمريكي لوقف الاعمال العدائية على الأراضي السورية؟ يأتي هذا السؤال على خلفية التصريحات الأميركية بان واشنطن ليست متأكدة من ايفاء روسيا للاتفاقات بشأن سوريا. لا شك أن الايام المقبلة ستحمل الإجابة على هذا السؤال.