إلى أي مدى تعكس التقارير التي تنشرها المواقع الالكترونية الأمريكية المصداقية والموثوقية في المعلومات التي تنشرها يوميا ً ، أليست تلك المواقع موجودة بالأساس لتصدير السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية ، وخاصة أنها تندرج ضمن المواقع الالكترونية الهامة في العالم وضمن الوسائل الإعلامية التي يتم تسريب المعلومات لها كي تنشرها لتصل إلى كافة أنحاء العالم ؟!
موقع كلونال ريسرتش نشر مؤخرا ً تقريرا ً عن السياسة الخارجية الأمريكية المعلنة للمرشح الجمهوري لكرسي البيت الأبيض "دونالد ترامب" الذي تحدث في خطابه عن حكمه الذي سيكون بمنزلة قائد مؤسسات مؤكدا ً في الوقت نفسه عن نيته هزيمة الإرهاب المتطرف تاركا ً الباب مفتوحاً للمناورة تحت ذريعة محاربة الإرهاب .
نتساءل في البداية هل يمكن لترامب فيما إذا أصبح رئيسا ً للولايات المتحدة الأمريكية أن يحارب الإرهاب ، أم أنه سيكون موظفا ً مطيعا ً ينفذ سياسة الإدارة الأمريكية لأنه ليس هو من يحدد السياسة الخارجية أو الداخلية بل مجرد أداة لما تمليه الإدارة الأمريكية التي تضم عشرات الآلاف من الموظفين والباحثين والدارسين ممن يخططون لعشرات السنوات القادمة، ويضعون الخطوط العريضة التي يجب أن يسير عليها الرئيس الأمريكي ولا يمكن أن يقرر بنفسه أي موضوع هام على مستوى العالم دون أن تقوم الإدارة الأمريكية بالاتجاه الذي لايمكن أن يخرج عنه ومن يظن أن الرئيس الأمريكي بيده كل شيء فهو لا يعرف أي شيء عن أساليب وطرق صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، فالرئيس السابق جورج بوش لم يكن ليأخذ قرار الحرب على العراق وحيدا ً وهو ماظهر على الإعلام، لكن الواقع أن الإدارة الأمريكية كانت تخطط للحرب على العراق منذ عشرات السنين ولم يكن القرار وليد الزمان والمكان وكل ماجرى قبل ذلك من أحداث أهمها أحداث الحادي عشر من أيلول وإعلانه الحرب على الإرهاب والقرارات التي جاءت بعدها كانت ضمن مجموعة من السيناريوهات التي وضعتها أدمغة وعقول الإدارة الأمريكية وحتى يأتي القرار الذي يبدو أن الرئيس الأمريكي هو من اتخذه ولكن الواقع أن القرار كان قد اتخذ قبل ذلك بسنوات .
وهذا أيضا ً مايرسم إشارات استفهام كبيرة حول الإرهابيين الذين ينضوون تحت راية طالبان والقاعدة وداعش وبوكوحرام بالإضافة إلى مجموعات مشابهة أنشئت ودعمت واستخدمت من أمريكا كقوة امبريالية يتم نشرها لاستبدال الأنظمة المستقلة ذات السيادة بأنظمة تابعة أميركيا ً، واعتراف المرشحة للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون بأن أمريكا هي من أوجدت هذه العصابات المجرمة لتنفيذ سياساتها في العالم .
مما يؤكد أن أمريكا هي الداعمة والراعية للإرهاب ولا يمكن للرئيس الأمريكي أن يكافح الإرهاب الذي تصنعه دولته وما يقال عن محاربة الإرهاب من الرئيس ومن بعض المتفذلكين ليس إلا ترويجاً إعلامياً هدفه كسب الرأي العام ليس إلا وإذا عدنا لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية نرى جذورها راسخة بالإرهاب منذ نشوئها ، وبعد ذلك في الحرب على فيتنام والمراحل اللاحقة التي جاءت لم تكن عبرها إلا داعمة وراعية للإرهاب حول العالم بدرجة امتياز ولعلنا ربما نتفق مع التقرير الصادر مؤخراً بأن أمريكا ليست في حرب مع الإرهاب المتطرف بل هي من تدعمه بقوة كوسيلة لتمرير سياساتها العدائية ضد الدول ، حيث أن هذا المشهد ليس بجديد تعود جذوره لزمن طويل استمر مع عهد كارتر مروراً بريغان وكلينتون وبوش الأب والإبن وحتى اليوم .
ولهذا لا يمكن لدونالد ترامب أن يفيد شيئاً في السياسة الأمريكية وسيسير على الخط الذي يرسم له وإلا سيكون مصيره كمصير جون كنيدي الذي أشيع أن أحد المهووسين هو من قام بقتله لكن الواقع يقول غير ذلك وذلك بسبب مواقفه وسياسته التي كادت تخرج عن الخط العام للإدارة الأمريكية الصهيونية التي ترى في أمن الكيان الإسرائيلي خطاً أحمر .
إذاً تلك التصريحات التي تبجح بها دونالد ترامب ليس لها أي رصيد على أرض الواقع فهو لن يغير في الواقع أي شيء ولن يستطيع أن يكافح الإرهاب لأن الإرهاب هم من صنعوه ، وهم من أوجدوه ولذلك سيكون راعياً وداعماً للإرهاب الذي يمكن أن يكون هو أحد الذين يخططون ويوجهون لتوسيعه في المنطقة العربية لأن تاريخ الإدارة الأمريكية موغل في الإرهاب وليس في محاربته وهذا يتبدى من خلال سياسة المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية التي عمدت لتنفيذها للهيمنة على العالم من خلال إشعال الحروب وأثاره الصراعات الداخلية ولذلك فالبديهي أن ترامب لن يعمل على محاربة الإرهاب ولن يكون مختلفاً عن أي من الرؤساء السابقين بل سيكون زعيماً للإرهابيين في العالم .
أخيراً كل ما تفعله الإدارة الأمريكية وكل رؤسائها السابقين واللاحقين لن يغير في الواقع أي شيء وخاصة في المنطقة العربية فالهزيمة ستلحق بها عاجلاً أم آجلاً لأن الواقع يقول أن ليس الإدارة الأمريكية هي من تملك العقول الذكية فهناك أيضاً من لديه عقول أذكى وأدهى من عقولهم التخريبية العفنة .
*كاتب وصحافي سوري
marzok.ab@gmail.com