2025-05-23 04:15 ص

بوضوح.. أبعاد ودوافع مشاركة عباس في جنازة بيرس!!

2016-10-04
بقلم: اسلام الرواشدة
الآن، وبعد أن هدأت بعض الشيء عاصفة ردود الفعل على مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جنازة رئيس اسرائيل السابق شمعون بيرس، يمكن بهدوء ووضوح وصراحة، تناول هذا الحدث بحيادية تامة بعيدا عن الحزبية، والردود غير المدروسة وليس دفاعا عن أحد، وانما لتبيان الأبعاد والأهداف والنتائج، ودعوة للحريصين الذين انتقدوا المشاركة لاعادة الدراسة والتقييم من جديد، في ضوء ما سنطرحه حول هذه المسألة، حتى لا تستغل من جهات وقوى لا تريد خيرا واستقرارا ونجاحا لأبناء شعبنا.
بداية، نحن ندرك تفاصيل تاريخ شمعون بيرس وهو سيء حاقد، وما ارتكبه من مجازر، تاريخ لا ينسى، وان كان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قد دخل قبل سنوات مرحلة البحث عن سلام كان بيرس أحد روادها، في عملية، لم تؤد الى نتيجة بعد، بفعل تعنت القيادات الاسرائيلية المتعاقبة، لكن، هذه المرحلة، لا يمكن تجاهلها. 
وأيضا، لا بد من التأكيد هنا، وليس الاشارة فقط، الى أننا في حرب سياسية مشتعلة مع اسرائيل تغطي الساحة الدولية بكاملها، وتناول مسألة مشاركة الرئيس عباس في جنازة بيرس الذي شارك بشكل رئيس في ابرام اتفاق أوسلو الذي لم تلتزم به اسرائيل حتى الان يجب أن لا تغفل هذا العامل، فمشاركة الرئيس عباس، هو في اطار هذه الحرب السياسية، المفروض خوض كل معاركها، أيا كانت الأحداث والمواقع والساحات، ما دامت هناك آمال وفرص لقطف مكاسب ودرء أخطار وتفنيد ادعاءات وأباطيل.
والمؤكد هنا، أن رئيس وزراء اسرائيل لم يكن راغبا، في حضور الرئيس محمود عباس، ولم يكن يخطر في باله أن الرئيس الفلسطيني سيطلب المشاركة في الجنازة، حتى يواصل "تحطيبه" وادعاءاته التي تمس بحرص الفلسطينيين على السلام، وكان سيستغل هذا الحدث، وهذه المنصة لتوجيه الاتهامات مبررا اياها بعدم حضور الرئيس محمود عباس.
لقد طرحت اجتهادات في دوائر صنع القرار، عنوانها، هل يحضر ويشارك الرئيس، أم يتجاهل ذلك، والاجتهادات كانت محكومة، بعوامل، منها، المصلحة الشخصية، والتوريط، دون أن ننكر أن البعض اجتهد بضرورة المشاركة وأهميتها لأسباب قد لا تكون مستوفاة، ونظرا لتميز الرئيس عباس بتفكيره الاستراتيجي قرر المشاركة، تاركا كل من اجتهد أيا كانت الاسباب يردد اجتهاده ويصفه بالأفضل والأسلم، وطروحات بعض المجتهدين دون الغوص في النوايا، كانت منطلقة من الخوف وردات الفعل، وهذا النوع لا يمتلك أيا من صفات القيادة، أو حتى أن يكون في دائرة صنع القرار.
ذهب أبو مازن للمشاركة متجاوزا السد الذي بناه اليمين في اسرائيل خلال سبع سنوات من حكم نتنياهو ، أي منذ تسلمه الحكم، سد يرتفع باستمرار، وعليه يافطة تقول: "أن لا فرصة للتوصل الى سلام مع الشعب الفلسطيني الواقع خلف الجدار، وأن الحلول هي فقط أمنية، فهذا الشعب غير راغب بالسلام"، وهذه الادعاءات صدقتها دول عديدة، وتمكنت اسرائيل من اختراق ساحاتها، وباتت معادية لشعبنا، بفعل الادعاءات والأكاذيب التي تطرحها تل أبيب.
بنيامين نتنياهو، يردد على مدار الساعة بأنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام، ومشاركة أبو مازن كانت رسالة واضحة للاسرائيليين والعالم أجمع بأن الشريك الفلسطيني ما يزال موجودا، وهذه تعرية لنتنياهو وتفنيد لأكاذيبه.
ان هناك فجوة كبيرة في الثقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ولو لم يشارك الرئيس الفلسطيني، لتعمقت هذه الفجوة واتسعت، وواصل اليمين في اسرائيل استثمارها واستخدامها، فالمشاركة قلصت هذه الفجوة، ويمكن فلسطينيا البناء على هذا التقليص بما يخدم أهداف الشعب الفلسطيني.
إن طبيعة الكلمات والصيغ التي وردت في أحاديث المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، وحتى أفراد عائلة بيرس، وحقيقة غياب أي ذكر أو اشارة لاتفاق أوسلو، تؤكد حقيقة أن كل الذين أعدوا لهذه الجنازة، ونظموا لهذا الحفل هم من اليمين وباشراف كامل من نتنياهو نفسه، فحرصوا على أن لا تكون هناك اشارة لاوسلو، أي ان الترتيب وفحوى الكلمات وكل الاجراءات تعكس ايديولوجية اليمين، وجاءت مشاركة محمود عباس لتكسر هذا الترتيب المعد سلفا، ويعطي الرئيس الامريكي فرصة الاشارة الى عملية السلام، وبأن الشريك الفلسطيني ما يزال موجودا، واضطر نتنياهو لمصافحته، وتصدر الرئيس محمود عباس بصورة ايجابية وسائل الاعلام الاسرائيلية، رغم أن غالبيتها يمينية الهوى والتوجه.
ولو استمع الرئيس عباس لأصحاب مقاطعة المشاركة، عن وعي أو عدم وعي، حرصا أو لاهداف شخصية، لكان هناك تشكيك عالمي بقدرة أبو مازن على اتخاذ القرار، وعجزه عن المواجهة في احدى معارك الحرب السياسية الهامة، لكن، عباس حضر ليعلن أمام العالم وأمام الاسرائيليين وبوضوح وصراحة وثبات: أنا جئت لأن شعبي محب للسلام.. ولا تصدقوا نتنياهو الرافض للسلام، والمتعنت الذي يواصل سياسة القمع والتهويد والاعدامات الميدانية، فالمشاركة من جانب الرئيس الفلسطيني فضحت نتنياهو واليمين في اسرائيل، وجلوسه على مقاعد الصف الأول مع قادة الدول ذات التأثير، جاء ليؤكد أن نتنياهو أعجز من أن يشطب الشريك الفلسطيني وعلى العالم تحمل مسؤولياته، ولجم الاحتلال وكنسه.
كذلك، قطع الرئيس محمود عباس بمشاركته الطريق على مقولة نتنياهو وغيره من القادة الاسرائيليين بأن الحل هو عبر الباب العربي، مؤكدا بحضوره أن لا حل للصراع الفلسطيني الاسرايلي الا عبر الباب الفلسطيني. مع التأكيد هنا، واستنادا الى معلومات، أن نتنياهو كان يتمنى حضور شخصيات فلسطينية بعينها، والمشاركة في جنازة بيرس، حتى يصار الى "ترسيم" مستقبلي لاحدى هذه الشخصيات على قمة المشهد السياسي الفلسطيني، بتنسيق وتعاون مع أنظمة عربية، تنتظر سقوط هذا المشهد.
واسرائيليا، فان أي تشكيك حكومي اسرائيلي، ومن الجهات اليمينية في اسرائيل بالرئيس الفلسطيني وبأنه معاد للسلام، فان الشارع الاسرائيلي والاعلام الاسرائيلي لن يتعامل معه بجدية، فمشاركة محمود عباس أثبتت أنه شريك موجود وقائد حقيقي، وأن لا صحة لادعاءت نتنياهو ومن هم حوله، والمشاركة الفلسطينية فضحت ادعاءاته وكشفت أكاذيبه، ومن يتابع الاعلام الاسرائيلي، الان، سيجد أن النقاشات والتعليقات داخل الساحة الاسرائيلية، هي في صالح الفلسطينيين، وأن الرئيس محمود عباس سيكون نجم هذا الاعلام، الذي على الاقل سيتوقف عن الأخذ بمواقف وادعاءات نتنياهو كمسلمات وبديهيات!! أما المعارضة الاسرائيلية، وحزب العمل تحديدا الذي أمضى بيرس معظم سنوات عمره وعمله السياسي داخل صفوفه، فسوف يصعد من انتقاداته لنتنياهو خاصة أن هذا المعسكر المعارض لم يدعوه نتنياهو لالقاء كلمة، واضطره نتنياهو الى الاكتفاء بوضع اكليل من الزهور!!
لقد شهدت الساحة الفلسطينية، ردودا غاضبة على المشاركة الفلسطينية في جنازة شمعون بيرس، بعضها لمجرد التجني والهجوم من جانب المنتظرين والمتصيدين لأية حركة أو موقف من جانب السلطة والرئيس، وبعضها صادرة عن عدم وعي، وردود نابعة من الحرص الحقيقي، وهنا، كان يحب على قيادة السلطة، وفتح، وأي مسؤول يدرك أهمية المشاركة أن يخرج على وسائل الاعلام لتبيان الاسباب والاهداف ومغزى هذه الخطوة، ووضع الاخوة الطلبة خاصة في صورة حقيقة الأمر والدوافع بصراحة ووضوح، بل دعوة ممثليهم الى لقاء مع الرئيس للغرض نفسه، لكن، كل هذا لم يحدث، ولذلك، أسبابه ودوافعه، بعضها بريء والاخر شيطاني، مع التأكيد هنا، على حقيقة أن الاعلام الرسمي، لم يرتق بعد الى مستوى المسؤولية والقدرة والتعاطي مع الحدث، ونجزم هنا، أيضا، أن هذه السلبيات لن تتم معالجتها، لأن بعض، ان لم تكن غالبية من هم في دائرة صنع القرار والمتشارين على اختلاف تسمياتهم ومهامهم، اما عجزة، واما لهم أهداف خاصة، و "منتظرون" والاقلية غير قادرة على الافلات من هيمنة الاكثرية، وهذه المسألة، تفتح لطرح الكثير من المسائل والقضايا، لكن، ليس الان، وليس في سياق المسألة التي نتحدث عنها، وعنوانها مشاركة الرئيس في جنازة شمعون بيرس.
ويبقى لكل رأيه في مسألة المشاركة في الجنازة، بعيدا عن الاستغلال والتجني والاصطياد في المياه العكرة، مع تقديس حرية الرأي والانتقاد البناء، عندما يمكن التلاقي على قاعدة الاختلاف في وجهات النظر حق، لكن، دون تشويش وشائعات، ما دام الهدف النهائي للجميع واحد، والتمسك بالثوابت لا فكاك منه.