بين تعليق واشنطن لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية مع موسكو، وبين ماسُرب من تصريحات لكيري لبعض المعارضين السوريين نقلتها نيويورك تايمز لجهة الأسف لعدم تمرير الخيار العسكري في سورية والاعتراف بأن تقديم المزيد من الدعم للمعارضة سيؤدي لمزيد من التدخل الإيراني وحزب الله، يجعل الأمر ملتبساً حول ماهية السلوك الأميركي في المرحلة القادمة سواء لجهة التسليم والانكفاء أم المزيد من المواجهة مع الروسي؟
لن يختلف المضي الروسي في الميدان السوري في اعتقادنا بعد قرار التعليق، عما قبله، إذ وفي الوقت الذي كانت فيه الدعوات الروسية حاضرة لهدن جديدة وأن الإتفاق مع الأميركان قد دخل غرفة العناية الفائقة وثمة أمل لإعادة إحيائه، كان القصف الروسي مستمراً في حلب بالتوازي مع تقدم الجيش العربي السوري واستعادته لمناطق مهمة هناك، ما يجعل الخطاب الروسي حول ديمومة الاتفاق في إطار المناورة ووضع الخصم الأميركي على المحك، وعليه فإن الروسي سيستمر في استراتيجيته العسكرية وبنفس واحد وبذات الوتيرة إن لم يكن أكثر، سببان رئيسان وصّفهما بدقة يعقوب عميدرور في مقال نشره في صحيفة إسرائيل اليوم حول استمرارية الروسي في نهجه العسكري وعدم التنازل أو التراجع.
النقطة الأولى: أن جزء كبير من خطوات روسيا في سورية موجهة ضد الولايات المتحدة ولكن ضعف الإدارة الأميركية الحالية وخشيتها من مواجهة عسكرية مباشرة ( بحسب عميدرور) يدفع روسيا لعدم التنازل.
النقطة الثانية : الإيقاع الإسرائيلي المضبوط روسياً وتالياً حصر وتقويض اي امتدادات تجعل حلفاء روسيا في مواجهة مع حليفتها إسرائيل، يقول عميدرور " هناك فهم إسرائيلي بأن إسرائيل لا تستطيع منع التعاون بين إيران وحزب الله وسورية وإن اعتمدت على الأمل بأن روسيا ستقيد حزب الله وإيران في العمل ضد إسرائيل فإن على إسرائيل التعايش مع القوات الروسية بالقرب منها وتوضيح مصالحها ولكن بدون تصادم مع روسيا لا بل محاورتها على كافة المستويات ".
لا نعرف إن كان ما تم إعلانه من قبل جيش الفتح لجهة النفير العام لفك الحصار عن حلب وما أعلنه القيادي في أحرار الشام أبو أحمد الأنصاري بأن هناك عملاً عسكرياً ضخماً يتم التحضير له على كافة الجبهات والقطاعات وأن الأيام القادمة ستشهد مفاجآت تغير المعادلة في حلب ، يأتي في سياق الانعكاسات الأولية لتعليق الاتفاق الروسي الأميركي من جانب واشنطن وأن أسلحة مضادة للطائرات قد باتت في حوزة هؤلاء، أم يندرج في إطار الصراخ الذي لا تُسمع نداءاته وعويله أصحاب " الحمية والنخوة ".
تعليق الاتفاق من الجانب الأميركي، لن يتطور في اعتقادنا إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، وإن السقف الأعلى لمفرزات هذا التعليق هو بقاء السيناريو الحالي على وضعه على قاعدة استمرار الاستثمار الأميركي في جملة الأوراق التي تواجه الخصوم على أمل الوصول لنقطة تحدث عنها عميدرور في ذات المقال وهي النقطة التي تتصادم فيها طموحات روسيا بجدار قدراتها المادية نتيجة تدخلها العسكري في سورية، بينما سيكون سقفه الأدنى مدلولات ماأعلنه وزير الخارجية البريطانية التي لا تشي إلا بقلة الحيلة وعدم القدرة على المواجهة وايقاف السيل الروسي، لجهة أن السلاح الوحيد الذي تبقّى لتتراجع موسكو هو سلاح الخجل فكان رد ماريا زخاروفا حاضراً بقوة عندما طالبته بإشهاره أولاً إضافة لما صاغته من حوار افتراضي في تغريدة لها بين وزيري الدفاع والخارجية الروسيين في تحدي واضح وحرب كلامية من العيار الثقيل.
قيل نقلاً عن مصادر سورية إن عملية حسم المعركة في حلب تحتاج لأسبوع واحد فقط، هذا الأسبوع الذي لن يأخذ فيه الروسي أي نفس في وتيرة العمليات العسكرية، فيما تبدو المعارضة وصراخها متقطعي الأنفاس، جل ما تخشاه جدية ما تحدث به كيري وعندها سيكون فأس الانكفاء قد أصاب حتماً الرأس، ولعل الأيام القليلة القادمة ستبوح ربما بمسار الصراع.
* كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com