2025-05-23 02:44 ص

سيباع بأرخص الأثمان

2016-10-06
بقلم: عبد الحكيم مرزوق‏
يذكر التاريخ بكثير من الفخر والاعتزاز الأبطال والعظماء الذين كانت لهم بصمات واضحة في مختلف جوانب الحياة لأنهم رفعوا أسماء بلادهم في كافة الأنحاء ، وصارت أسماؤهم مقرونة بمواطنهم الأصلية التي خرجوا منها ، وعلى الصعيد الوطني فإن الأوطان لا تنسى شهداءها الذين ضحوا من أجل استقلال الوطن من الاستعمار الذي جثم على صدره طويلاً ، وقوبل برفض وبمقاومة عنيفة من قبل الشعب الذي نظم صفوفه وقاوم الاستعمار حتى تم جلاء المحتلين الذين لم يخرجوا طواعية بل بسبب المقاومة الوطنية وكفاح الوطنيين الأحرار الذين قدموا قوافل الشهداء فداء للوطن الذي يستحق أن نبذل تجاهه الغالي والرخيص في سبيل بقائه حراً كريماً .‏ ففي سورية كلنا يذكر حسب ما روى لنا آباؤنا وأجدادنا وحسب ما ورد في كتب التاريخ التضحيات الجسام التي قدمها المناضلون ورموز سورية الذين قادوا الثورات في أكثر من منطقة و منهم نذكر يوسف العظمة وحسن الخراط والشيخ صالح العلي وخيرو الشهلي ونظير النشيواتي وسلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وغيرهم من الشهداء والمقاومين البواسل الذين لقنوا الاستعمار دروساً في المقاومة والوطنية مما اضطرهم في النهاية للخروج من سورية صاغرين تحت ضغط ارتفاع وتيرة المقاومة الشعبية للاحتلال ورفضها كافة أشكال السيطرة على الوطن وخيراته التي كانت مطمعاً من مطامع الاستعمار الذي جاء محتلاً وغازياً معتمداً على بعض الخونة والمتآمرين الذين تعاونوا معه على أبناء جلدتهم فباعوا الوطن مقابل المال الذي كان يعطيهم إياه المحتل الذي تخلى عنهم حينما خرج بعد أن تم تنظيف الأرض السورية منهم ومن آثارهم ونجاساتهم التي خلفوها .‏ لم تكن هذه النتيجة من المستعمر مستغربة ، فقد كان من الطبيعي أن يتخلى عن العملاء بعد انتهاء مهمته لأنهم خدموه بالمال الذي قبضوه ، أي أنهم باعوا أنفسهم بثمن بخس مقابل المال ، ولذلك فمن يبيع نفسه ويبيع وطنه للغريب مقابل المال فكيف سيتم الاعتماد عليه والاطمئنان له ولذلك فقد لفظهم المستعمر لأنه أدرك أن هؤلاء منحطون ووضيعون لا يمكن الوثوق بهم ، ومسيرة المتآمرين والخونة تبدو واضحة في بعض الأقطار العربية حيث أن أعداداً كبيرة منهم في أقطار المغرب العربي والجزائر وبعد انتصار الثورات في بلدانهم وطرد المستعمر منها هربوا إلى فرنسا خوفاً من عمليات انتقام ومحاكمة قد تجري بحقهم، حيث استقبلتهم فرنسا وأصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة بمعنى أنهم لا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة ولا يستطيعون التحرك بشكل طبيعي ولا يحق لهم التوظيف في مؤسسات الدولة المختلفة وما زالوا يدفعون ثمن عمالتهم وخيانتهم لبلدانهم حتى الآن وهناك أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها ، وأذكر أن أحد الناس سأل هتلر: من أحقر الناس الذين قابلتهم بحياتك فأجاب أولئك الذين ساعدوني لاحتلال بلدانهم....ويذكر التاريخ نابليون بونابرت وهو أحد أعظم الرجال العسكريين في التاريخ أنه وبعد احد انتصاراته دخل إليه الجاسوس البريطاني الذي كان له الفضل في انتصار نابليون على بلاده - فرفض نابليون مصافحته ورمى له بكيس النقود قائلاً: تأبى يدي أن تصافح الخونة !‏ وبعد أعتقد أننا حين نتذكر تاريخنا المضيء نذكر الأبطال والشهداء الوطنيين الذين ناضلوا من أجل استقلال وطننا وتخليصه من المستعمر المقيت وقدموا أنفسهم قرابين على مذبح الوطن ليعيش وطننا حراً كريماً وعزيزاً وبفضلهم وبفضل تضحياتهم عاشت سورية مرحلة ذهبية من الأمن والاستقرار، وبذات الوقت فإننا نلعن الخونة والعملاء والمتآمرين الذين أعانوا المحتل وساعدوه على احتلال بلدنا وقدموا له العون على ذلك .‏ الوطن غالٍ ولا يمكن أن نبيعه بحفنة من الدولارات إرضاء لمخططات العم سام وحلفائه ، ومن يعقد الصفقات ويبيع وطنه باليورو والدولار سيباع غداً بأرخص الأثمان ومن لا يصدق فليعد إلى التاريخ ويقرأ ما آلت إليه مسيرة البائعين من الخونة والمتآمرين .
*كاتب وصحافي سوري 
marzok.ab@gmail.com