ليس ثمة صورة أبشع وأقذر من تلك التي تبدو عليها الحرب الحاصلة اليوم في المنطقة، مآلات كارثية ومشاهد يندى لها الجبين في الاقتتال والاحتراب كانت يد العدو الطولى في الإشراف على تصنيعها وتغذيتها واستثمارها وتوظيفها وتصييرها لصالحه، مع إيماننا اليقيني بحق الشعوب في أن تحيا حياة ديمقراطية مسؤولة، وتنعم بحرية وطنية، أساس المسؤولية والوطنية فيها هو العقيدة القومية التي تؤمن بوحدانية المسار ومسلك البوصلة التي تشير دوماً لفلسطين.
مايحدث اليوم وتحديداً في الساحة السورية، هو أشبه بالمَثل الذي استطاع من خلاله العدو ( أن يتغذى بنا قبل أن نتعشى به)، فصاغ من ضعفنا ووهن بيتنا الداخلي، كل مقومات استهدافنا من الداخل، وهو الذي كنا نعده في خطاباتنا الأوهن من بيت العنكبوت، نؤمن بضروة بناء التحالفات وصياغتها بما يحفظ السيادة والقرار المستقل، ففي لعبة الأمم وصراع المحاور إن لم تحجز معقداً محورياً فترقّب أن تذروك الريح يوماً، وربما تقتلعك من جذورك، هذا ما حدث تماماً مع الزعيمين الراحلين صدام حسين ومعمر القذافي وبرغم كل اختلافنا مع سياساتهما الديكتاتورية، لكننا نصمت أمام شكل النهاية التي آلا إليها، والتي كانت بإشراف النيتو وأصدقاء الأمس، فغدا الراحلان في ميزان العقيدة القومية شهداء، طالما كان القاتل أميركياً أو عدواً تاريخياً لأمتنا، سورية التي صاغت تحالفاتها بالشكل الأمتن والأكثر حضوراً، استطاعت نعم أن تصمد بمؤسستها العسكرية، ومن رحم الحرب المشنة عليها، ظهّرت الائتلاف المناوئ للهيمنة الأميركية، لكن بكلف باهظة وباهظة جداً، من دماء أبنائها ومواردها واقتصادها وبناها التحتية، ولاندري إلى أي حد سيصل هذا الفقدان المرعب في العباد والبلاد, وكيري وبلاده لايزالون يقدمون أنفسهم كمنتصرين للشعب السوري ولن يتخلوا عنه مطلقاً، بحسب تعبير كيري عقب تعليق الاتفاق مع موسكو، وهم من كانوا المهجر والقاتل والراعي لسفك دماء هذا الشعب، تتوالى الخطط ومن الخطة أ إلى الخطة ب وربما إلى الخطة ياء, يصوغون أبلستهم، في حين يمضي تحالفنا هو الآخر في صياغة الخطط المضادة الذي لايجد فيها الروسي أي حرج ليعلن أنه سيدعم الحكومة السورية إلى حد كبير من القوة النارية عند الضرورة، في الوقت الذي كنا لن ندفع فيه ربع هذه الكلف، والأهم لن تطفح الصورة بهذا التشوه، لو كنا في جبهتنا الصحيحة ومسارنا الذي يجب أن نكون فيه، ولكُنّا نحن السباقون لأن نتغذى بعدونا قبل أن ينال منا بربيعه العربي.
نعم مايحدث في سورية سيؤثر على الخارطة السياسية للعالم تماماً كما قال الرئيس الأسد، لكنه التغيير والتأثير الذي يُولد من رحم معاناتنا وتدمير أوطاننا ومن موقع يفرد فيه الإسرائيلي رجليه وهو يطرب لسماع مايرده من أرضنا ومايشاهده من عواجل سفك دمائنا.
في حرب تشرين كانت الطائرات الإسرائيلية تتساقط كالعصافير على الجبهة السورية، كما كان يروي لي والدي، والسلاح المفاجأة كان صاروخ ( السام 6) الروسي الصنع، واليوم تقصف روسيا مواقع لتنظيم داعش الإرهابي من السفن الحربية بصواريخ كاليبر في حين تقصف الطائرات الإسرائيلية والأميركية مواقع للجيش العربي السوري، مثال بسيط لادراك المفارقة وتبدل الصورة.
قلناها ونقولها ونعيدها، لم نكن يوماً في الصف الآخر ولن نكون، لكن هي الحرقة التي تأكل أرواحنا، ونداءات قلوبنا قبل أفواهنا بضرورة تعديل الاستراتيجيات وتغيير نمط المجابهة كلياً، فلن نخسر أكثر مماخسرناه، هذه المجابهة التي يجب أن تعتمد في جوهرها على تهديد حقيقي لمصالح المعتدين , " فقد بلغ السيل الزبى" , وطفح كيل الدبلوماسية , ولم يعد يُجد إعلاء الصوت و لا توجيه الرسائل المتطابقة ولاغير المتطابقة, لمحافل العهر الدولية, وضاقت نفوس جمهمور المقاومة ذرعاً بالتشوه الحاصل في بنية الفكر القومي , تتوق ومع هبوب نسمات تشرين, إلى لحظات العزة , وروائح الانتصار, يقتلها الشوق لإعادة البوصلة وتصحيح المسار, الذي بات يحكمه الانحرافات والتآمر والأبلسة والنفاق والتقاعس , وأكذوبة الربيع, وبرودة الرد.
تشرين أقبل , والصدور بات يجتاحها " تسونامي الأمل" بعودة الأيام الخوالي , وكأني به يهمس في مسامع أصحابها " خبطة أدمكن" , " خلي السلاح صاحي ", " سورية ياحبيبتي"، تشرين أقبل، الفرصة ذهبية, والجمهور على أحر من الجمر ينتظر الوعود للاحتفال في الجليل والدخول إلى القدس , لسان حاله يصدح : افعلوها كرمى لعيون الثكالى وانتصاراً لدماء الشهداء.
* كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com