2025-05-23 03:11 ص

التصعيد والتهويل - استراتيجية النزول الأمريكي عن الأشجار

2016-10-06
بقلم: ميشيل كلاغاصي
وقف إطلاق النار في سورية وفي حلب حصريا ً, يعتبر من أغرب الإتفاقات القطبية للراعيين الروسي و الأمريكي , وأكثرها غموضا ً, ولنا أن نعتبره سابقة ً لا مثيل لها في تاريخ الحروب. فكل المعطيات السياسية والميدانية للإتفاق وما يحيط بها من مواقف إقليمية ودولية , معقدة وصعبة , بعد سقوط المراهنة والتعويل على أية هدنة جديدة بعد "هدنة" الخداع الأمريكي في شباط الماضي, وأصبح الإتفاق فكرة ً خيالية,لا تملك أيا ً من فرص النجاح والتطور نحو تطويق الحرب وإنهائها..خصوصا ً ما حدث بعد لحظات من بدء سريانه , وسط إلتزام الدولة السورية به , ومعاودة الإرهابيين الهجوم على مواقع الجيش لإستعادة ما فقدوه في القتال على محور الكاستيلو وغيره , لفك الحصار عنهم في أحياء حلب الشرقية. لقد تأرجح الإتفاق بين تفاؤل الرئيس الروسي, وحَذر البيت الأبيض, وسط قبول و رفض بعض الفصائل والتنظيمات الإرهابية , فيما وافقت عليه الدولة السورية من خلال دبلوماسية عالية. ويأتى الإتفاق في سياق محاولات الإدارة الأمريكية لإستدامة الحرب على سوريا كهدف ٍ استراتيجي , عبر سياستها اللا أخلاقية - دون خجل -, اعتمدت فيها الكذب والنفاق والخداع والمراوغة ونقض الإتفاق مع موسكو وإيقاف العمل به , بعدما سعت لحماية إرهابييها ومنع إنهيار صفوفهم خصوصا ً في حلب.. وتدخلت بشكل مباشر وقصفت مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور, وأعادت تسخين الأرض في مدينة حماة للتعويض عن هزيمتها في جبهة أحياء حلب الشرقية.. ناهيك عن سياسة الحقد و الإنتقام من الدولة والشعب و محاولاتها المستمرة في تخريب البنى التحتية وتدمير الجسور. لم تكتف واشنطن "بتجميد" الإتفاق , وأطلقت سلسلة رسائل تصعيدية لوقف تقدم الجيش السوري في حلب , و بإنتقالها إلى الخطة B , لكن الرد السوري لم يتأخر, فالرئيس الأسد أكد تحرير " كل شبر" , والسيدة شعبان " كل ذرة تراب " و الدكتور الجعفري" كل إنش" من سورية. فبعد إدعائها لسنوات أنها تحارب الإرهاب , وتشكليلها تحالفا ً ستينيا ً لا يحمل أي صفة ٍ قانونية , مارست تدخلا ً سافرا ً مباشرا ً على الأراضي السورية واعتدت على سيادتها ,.. وتهربت مرارا ً من فصل المعارضة المعتدلة المسلحة عن التنظيمات الإرهابية, فعشرة أشهر ٍلم تكن تكفيها لذلك ؟ ..وامتنعت عن تنفيذ بنود الإتفاق , و اختبأت وراء خلافات ٍ أمريكية - أمريكية داخلية تعكس مدى وقاحتها و طبيعتها الشريرة , بما لا يدع مجالا ً للشك بأنها رأس الشر في العالم. كان توقيت تعطيل الإتفاق مرتبط ببدء إنهيارات المجموعات الإرهابية في حلب , وسقوط مخيم حندرات وحي الفرافرة ومشفى الكندي وأجزاء واسعة من حي سليمان الحلبي وغيرها من الإنجازات. بات من الواضح أن التوافق الدولي- الظاهري- حول الحل السياسي في سورية لم يرتق إلى حيز القناعة ولا زال يقبع في خانة المراوغة والخداع وإعادة التموضع للإدارة الأمريكية و أدواتها الإرهابية , بعد فشلها الذريع في منع المد الهجومي الكبير للحسم العسكري في حلب - أكبر المدن السورية مساحةً ً-, وإخراجها تماما ً من خارطة التقسيم . كان لا بد للإدارة الأمريكية أن تفعل المستحيل لمنع هزيمتها وإنهيار سياستها في حلب وسورية وربما لما هو أبعد من ذلك..في ظل إدارة ٍ تزداد ضعفا ً يوما ً بعد يوم , أخذ عامل الزمن يلاحقها ليصبح عاملا ً ضاغطا ً على الرئيس أوباما , الأمر الذي يفسر تصعيدها الكبير قبيل تصدير ملفاتها للإدارة اللاحقة , واقترابها من سن التقاعد, فالإنتخابات الأمريكية على الأبواب , وقدرة الرئيس أوباما على إتخاذ القرارات الإستراتيجية تنخفض أكثر فأكثر , وعليه نعتقد أنها تُبالغ في تهويلها وتهديدها , وهي أعجز من تنفيذه , ونعتقد أن لعبة الصقور و الحمائم في مراكز صناعة القرار الأمريكي الخمسة , ما هي إلاّ خطوة مرتبكة أخرى , تدفع ثمنها عبر استعداد سورية و روسيا و إيران في تحصين دفاعاتهم , و في تسريع إستقدام الصواريخ الدفاعية S300 ونشرها في سورية , لتصبح في عهدة القوات المسلحة السورية , ناهيك عن استقدام روسيا ما تحتاجه اليوم للدفاع عن سورية , ومستقبلا ً للحفاظ على علاقتها وتواجدها في سورية والبحر الأبيض المتوسط.. وتضع واشنطن في مأزق الخطة B الروسية, وما يدفعنا لهذا – التفاؤل – عدول "الصقور" عن مهاجمة سورية في 2013 بعيدا ًعن التواجد والمشاركة العسكرية الكبيرة لموسكو في الحرب على الإرهاب يدا ً بيد مع دمشق , بالإضافة للواقع الميداني الذي كان يميل بوضوح لصالحها وإرهابييها , ونعتقد بعودتها إلى الإتفاق الروسي في فصل مشابه للنزول عن الشجرة في أغسطس/ 2013 , يبدو أنها إعتادت على التصعيد والحرد أملا ً منها بالحصول على بعض النجاحات . يبدو أن الأخطاء الإستراتيجية للإدارة الأمريكية تحسم هزيمتها في سورية والمنطقة , وتكبّل الإدارة القادمة في خطة تسعى لإظهارها في موقع العاقل , وإنتهازها مناسبة لإلقاء اللوم على الرئيس أوباما وتحميله وإدارته تبعات السمعة والمظهر السيئين اللذان أوصلاها إلى درك من الإنحطاط و جعلاها تضع بيضها في سلة الإرهاب التكفيري وتراهن على شراكة دول ٍ يحتقرها العالم ولن يتوان عن محاسبتها , كتركيا ونظام الكيان السعودي المدان رسميا ً وشعبيا ً في أمريكا و العالم. فكما إنهار الإتحاد السوفيتي في عصر الرئيس الضعيف ميخائيل غورباتشوف , وخضع العالم إلى النظام الأحادي ..ها هي أمريكا تسقط في عهد الرئيس الأضعف في تاريخها , وعليها إقناع صقورها بالنظام العالمي الثنائي الجديد, قبيل إنعقاد مؤتمر السلام العالمي في تايلاند في 7-10 فبراير/ شباط 2017 القادم . فيما يؤمن السوريون "بحوار" الميدان وببنادق الجيش العربي السوري, وبثقتهم بقيادتهم الشجاعة والحكيمة, و بالحل العسكري حلا ًوحيدا ً أمام خديعة "الحل السياسي" الأممية المزيفة , وبالحل السياسي الحقيقي عبر حوار سوري - سوري في دمشق و دون تدخل خارجي , وبإستبعاد كل من حملوا السلاح ضد الدولة والشعب السوري.. وهذا بحد ذاته يختزل إنتصارها وحلفائها اللذين صدقوا ما عاهدوا عليه في المقاومة اللبنانية و دولة إيران الإسلامية و دولة روسيا العظمى.