2025-05-23 12:25 ص

قراءة في الميدان السوري

2016-10-09
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
تعليق المفاوضات الامريكية - الروسية بشأن الوضع في سوريا وعلى وجه الخصوص وقف العمليات العدائية على الجبهة الحلبية والذي جاء من طرف واحد وهو الإدارة الامريكية، سبقها حملة إعلامية شعواء من الصحف الامريكية والغربية بشكل عام الى جانب الصحافة الصفراء في منطقتنا والتي حاولت فيها الإدارة الامريكية أن تضع اللوم في انهيار إتفاقية "وقف اطلاق النار" وافساح المجال لوصول المساعدات الإنسانية الى حلب الشرقية والتي وقعت من قبل وزيري الخارجية الروسي والامريكي في 9 سبتمبر الماضي على الجانب الروسي لعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة بين الطرفين. وفي حقيقة الامر أن هذا لا يعدو عن كونه هراء واكاذيب ربما لثلاثة أسباب رئيسية: أولا أن مدة "وقف الاعمال العدائية" المتفق عليه في الاتفاقية قد انتهى ولم يتم العمل على تمديده لان كلا الطرفين لم يتفقا على ذلك. ومن هنا فان العمليات العسكرية التي بدأها الجانب السوري والروسي بعد الانتهاء من المدة المحددة لا يمكن اعتبارها خرقا للاتفاقية الموقعة. حقيقة الامر ان جانب المسلحين المحاصرين في حلب الشرقية وجلهم من جبهة النصرة القاعدية أعلنوا عدم التزامهم منذ البداية بالاتفاقية الموقعة الى جانب رفضهم ادخال المساعدات الى المناطق المحاصرة عن طريق الكاستيلو وهو الطريق الذي وافقت عليه روسيا وأمريكا والأمم المتحدة. وقام المسلحون المحاصرون بالتهديد باعتقال السائقين في حالة دخولهم الى المناطق المحاصرة. وجاء الاعتداء على قافلة المعونات بالصواريخ من قبل المسلحين وقتل حوالي 20 من رجال الإغاثة ليعطل الاتفاق. هذا الى جانب تسجيل ما يقرب من 300 من الخروقات من قبل المسلحين المحاصرين بحسب وسائل الرقابة الروسية من الأرض والجو. أما الحدث الأكبر والذي أفشل الاتفاق هو القصف المتعمد التي قامت به طائرات التحالف الامريكية لمواقع الجيش السوري في محيط مطار دير الزور الذي أدى الى استشهاد ما يقرب من 80 جنديا سوريا وجرح ما يقرب من 100 جندي هذا بالإضافة الى تدمير الاليات والعتاد لوحدة الجيش السوري المرابطة في الموقع. واغتنمت داعش الفرصة وانقضت على الموقع مباشرة بعد القصف الذي استمر ما يقرب من الساعة وقامت باحتلال التلال المحيطة بالمطار والمدينة قبل ان تتمكن وحدات من الجيش السوري التي أرسلت الى المواقع وقامت باسترداد العديد من المناطق التي استولى عليها تنظيم داعش. ولقد اعترف الجيش الأمريكي بعد مناورة تملص من المسؤولية ولكنه ذكر ان هذا كان نتيجة خطأ. أما ثانيا، وهي نقطة أساسية وفي صلب الاتفاقية وهي على ان الاتفاقية كانت تستوجب أن تقوم الولايات المتحدة بعملية الفصل بين ما تسميهم "بالمعارضة المسلحة المعتدلة" عن جبهة النصرة حتى يتسنى للطيران الروسي والامريكي المشترك بعد ذلك من استهداف مقارها ومسلحيها كما نصت عليه الاتفاقية والقيام بتشكيل غرفة عمليات مشتركة لهذا الغرض. ويجدر التنويه هنا الى أن القوات الروسية كانت ان تقدمت بطلب الى الجانب الأمريكي بتزويدها بإحداثيات أماكن تواجد "المعارضة المسلحة معتدلة" المدعومة من الإدارة الامريكية حتى يتم تجنب قصفها بالطائرات الروسية منذ قبل عام تقريبا. ولغاية الان لم تقدم الولايات المتحدة هذه الاحداثيات وبقيت تماطل طيلة هذه المدة لأنها ارادت ان تستخدم جبهة النصرة لكونها التنظيم الأقوى عدة وعتادا الذي يحارب الجيش السوري ويعمل على اسقاط النظام. وفي آخر التصريحات الامريكية أن عملية الفصل بين ما أسمتهم بالمعارضة المسلحة المعتدلة وجبهة النصرة أو مسماها الجديد جبهة "فتح الشام" مستحيلة نظرا للتداخل الشديد في مناطق السيطرة لهذه المجموعات. والجميع بات يدرك ان عمليات المماطلة كانت وما زالت تنطوي على حماية النصرة الإرهابية من الضربات الجوية الروسية والسورية وعدم تصدي الجيش العربي السوري وحلفاؤه لعناصرها. وثالثا، أن الولايات المتحدة لم يكن ولن يكون لها اية نية صادقة لإيقاف النزيف السوري وانهاء الازمة السورية بالبحث الجاد عن حلول سياسية لها لان هذا يتعارض مع استراتيجيتها المتوسطة المدى والبعيدة المدى للمنطقة وان كل ما ارادته من هذه الاتفاقية هو محاولة كسب الوقت وإعطاء الفرصة لجبهة النصرة ومن لف لفها في أحياء حلب الشرقية لإعادة التموضع والتسلح علهم يحققون بعض المكاسب على الأرض في الميدان والذي من خلاله يتسنى الذهاب الى جنيف في جولة جديدة للمفاوضات وهي تمتلك أوراق ميدانية تؤهلها لانتزاع بعض المكاسب في سوريا. هذا على المدى المتوسط على الأقل أما على المدى الطويل فإنها لا تريد التعاون مع روسيا أو إعطائها دورا مميزا الذي تبدو فيه وكأن لها اليد الطولى في سوريا التي تمكنها من فرض بعض الاملاءات على الولايات المتحدة في حل الازمة السورية. بالإضافة الى ذلك فان رضوخ الولايات المتحدة للمواقف الروسية بحكم خسارتها في الميدان حيث لم تحقق الأدوات التي شغلتها المكاسب المتوقعة قد يؤخذ كأسبقية ويؤثر على بقية الملفات في المنطقة وقد ينعكس هذا على بقية الملفات الدولية أيضا وخاصة في أوكرانيا. الولايات المتحدة لم توفر مناسبة الا وأكدت من خلال تصريحات هنا وهناك انه في حالة عدم نجاح "اتفاقية وقف الاعمال العدائية" أو "وقف إطلاق النار" فان الإدارة الامريكية ستلجأ الى خيارات أخرى والكثيرون تحدثوا عن وجود خطة "ب". وما تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في اجتماعه مع 20 شخصية سورية من المعارضة مؤخرا من أنه كان مع الخيار العسكري منذ البداية الا دليل على وجود هذا التوجه. وظهر العديد من المقالات في الصحف والمجلات الامريكية تنادي بالتدخل العسكري وتوجيه الضربات الى الجيش العربي السوري كمدخل للضغط على الدولة السورية وبالتحديد على الرئيس الدكتور بشار الأسد للتخلي عن السلطة. وكان أن أشار المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي في احدى لقاءاته اليومية مع الصحفيين(بتاريخ 28 سبتمبر) وفي الماضي في معرض الإجابة على سؤال احدى الصحفيين عن النتائج المترتبة على روسيا في حالة فشل الاتفاق الامريكي-الروسي بشأن سوريا، "من ان النتائج ستكون استمرار الحرب الاهلية في سوريا، وعلى ان المجموعات المتطرفة ستستغل الفراغ الحاصل في سوريا لتوسيع عملياتها والتي ستتضمن دون سؤال هجمات على المصالح الروسية وربما على مدن روسية وعلى ان روسيا ستستمر في ارسال القتلى من قواتها الى روسيا في أكياس وعلى أنها ستستمر في خسارة امكانياتها قدراتها بما فيها ربما مزيد من طائراتها". وهو نوع من التهديد الواضح من أنه في حالة عدم رضوخ روسيا للمتطلبات الامريكية بالشأن السوري فان الحرب ستنتقل الى الداخل الروسي والمصالح الروسية ولعل الاعتداء على السفارة الروسية بالقصف المدفعي والصاروخي بعد ذلك مباشرة من قبل المجموعات الإرهابية جاء ليرسل رسالة فيما سيكون عليه الحال لاحقا. ومؤخرا قامت السلطات في انغوشيا بقتل 5 من العناصر المتشددة الإرهابية المسلحة الى جانب مبعوث داعش القادم من سوريا. ولعل الضرب بقوة للمجموعات الإرهابية المحاصرين في حلب الشرقية من قبل الطيران الروسي والسوري والتقدم السريع الذي أحرزه الجيش العربي السوري وحلفاءه وإعادة سيطرته على مزيد من المناطق في حلب الشرقية وتضييق الخناق على المجموعات الإرهابية هناك أثار جنون الولايات المتحدة وحلفاءها وادواتها في المنطقة التي باتت على قناعة بان حلب بكاملها ستعود الى الوطن والدولة السورية وبالتالي القضاء على آخر بؤرة التي ما زالوا يحلمون أن يتم تقسيم الوطن السوري من خلالها أو على الأقل استخدامها كورقة ضاغطة لتحقيق ما يمكن تحقيقه على طاولة المفاوضات فيما اذا ما انعقد مؤتمر جنيف الموعود والمؤجل الى اشعار آخر. هذا بعد ان تبخرت آمالهم في انشاء بؤرة للحثالة المسمية بالمعارضة المسلحة المعتدلة لتقيم عليها "سلطتها" وتقيم بنغازي أخرى على الأراضي السورية. ولعل " الانهيار العصبي" الذي أصاب الولايات المتحدة وحلفاءها كما وصفها بريماكوف نائب وزير الخارجية الروسي هو ما استدعى الدول الغربية لعقد جلسة لمجلس الامن لمناقشة ما يدور في حلب الى جانب تحرك السيد دي ميستورا من قبل مشغليه الغربيين والتصريح بان شرق حلب ستختفي خلال أسابيع إذا لم يتم وقف إطلاق النار وقام بتقديم مبادرته وتعهده شخصيا بإخلاء مسلحي جبهة النصرة الذي قدر عددهم 900 مسلح الى أي مكان يختارونه لإنقاذ "المدنيين". اما كيف اتى السيد دي ميستورا بهذا العدد القليل لمسلحي جبهة النصرة في حلب الشرقية لا ندري وهو الذي كان قد صرح أمام مجلس الامن الدولي في جلسته المنعقدة بتأريخ 25 سبتمبر الماضي بان مقاتلي جبهة النصرة يشكلون نصف عدد المسلحين في حلب الشرقية. هذا في الوقت الذي قدرت فيه عدد المسلحين في حلب الشرقية بما يقرب من 20000 مسلح ان لم يكن أكثر من هذا. وتحرك الجانب الفرنسي وقدم مبادرة أخرى وقام كيري بالاتصال بلافروف بالرغم من تعليق المباحثات الثنائية بين الطرفين الأمريكي والروسي من قبل كيري في 3 أكتوبر. والهدف هو وقف تقدم الجيش العربي السوري ووقف القصف المكثف الروسي والسوري لمواقع الإرهابيين من جبهة النصرة وغيرها في حلب الشرقية للحفاظ على هؤلاء المجاميع الإرهابية. وبالطبع كل هذا غلف بالوضع الإنساني المتدهور وضرورة ارسال "المساعدات الإنسانية" للمدنيين المحاصرين في حلب الشرقية. وحقيقة الامر أن وضع المجاميع الإرهابية قد وصل الى مرحلة حرجة وخطيرة ويهدد بالانهيار الكامل والمتسارع لهذه المجاميع ولا بد من محاولة إيقاف هذا بأي شكل من الاشكال. وهذا التحرك كان متوازيا مع تحركات لمجلس الامن القومي الأمريكي الى جانب اجتماعات في البيت الابيض بين أمنيين من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة من القوات المسلحة الامريكية والذي نوقش به "تنفيذ ضربات عسكرية محدودة ضد "نظام الأسد" لكي يدفع ثمن خروقاته لاتفاقية وقف اطلاق النار، وتحجيم قدرته على الاستمرار في ارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين في حلب ووضع الضغط على النظام للعودة الى طاولة المفاوضات بصورة جدية.." (واشنطن بوست 4 أكتوبر). الصحيفة طبعا لم تذكر من الذي خرق وقف اطلاق النار ورفض الالتزام به أساسا وأعلن انهم سيقاتلون الى جانب جبهة النصرة في حلب وقاموا بالاعتداء على قوافل المساعدات الإنسانية ورفضوا الانسحاب من محيط شارع الكاستيلو كما نصت عليها الاتفاقية. ولم تذكر الصحيفة من أن الذي انسحب من المفاوضات في جنيف في آخر جولة كان وفد الرياض الذي اعقبه الهجوم الواسع المبيت للمجموعات الإرهابية ( في شهر آب الماضي والذي اطلق عليه "ملحمة حلب الكبرى" ) بعد ان وصلت اليها أسلحة حديثة ومتطورة عبر الأراضي التركية ودخول 5000 مسلح عن طريق تركيا للمشاركة في المعركة آنذاك. والحديث يدور فقط عن حلب الشرقية دون الإشارة الى أن أكثر من مليون ونصف المليون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري يعيشون تحت القصف المتواصل والعشوائي للقذائف الشديدة الانفجار والصواريخ التي تم تزويد هذه المجموعات الإرهابية بها عن طريق تركيا بتمويل سعودي وقطري وبمباركة أمريكية. الولايات المتحدة الان باتت تتحدث عن ضرب مواقع للجيش السوري وغارات على مدارج القوات الجوية الروسية بواسطة صواريخ كروز وغيرها من الأسلحة البعيدة المدى تطلق من طائرات وسفن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من دون الإعلان عن ذلك رسميا أو بالسر كما اقترح بعض أعضاء مجلس الامن القومي الأمريكي وكأن هذا الامر يمكن ابقاءه سرا. والذي يبدو ان أمريكا عازمة على فعل شيء لمنع خسارة المجموعات الإرهابية في حلب وخاصة مع التأكيد القادم من وكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة من " ان سقوط حلب من شأنه أن يقوض الأهداف الامريكية لمكافحة الارهاب في سوريا". والمقصود بالطبع تقويض الأهداف المخطط لها أمريكيا لسوريا والتي تتمثل بإسقاط النظام على غرار ما حدث في ليبيا وتقسيم الوطن السوري. لا شك أن هنالك تنامي للدعوات في أوساط صنع القرار الامريكية وخاصة من رجالات البنتاغون ومجلس الامن القومي لمزيد من الدعم لعمل عسكري ضد النظام السوري والجيش العربي السوري بالمقارنة مع الفترات السابقة ويبقى الخلاف القائم الان ربما حول طبيعة وماهية وحجم هذا التدخل والدعم للخيار العسكري بهدف فرملة اندفاع الجيش العربي السوري وحلفاؤه لاسترجاع حلب الى حضن الدولة السورية لما تمثله حلب من الناحية الاستراتيجية ضمن المخططات الجيوسياسية في المنطقة بأكملها. ولقد بلغت الوقاحة الامريكية بتصريحات انه يجب حظر الطيران الروسي والسوري على الأراضي السورية والاعتراض على ما جاء على لسان الرئيس الدكتور بشار الأسد في مقابلته مع التلفزيون الدنماركي مؤخرا من أن الدولة السورية عازمة على استرجاع كل شبر من الأرضي السورية ودحر الارهاب. ضمن هذا الاندفاع المحموم للولايات المتحدة وحلفاؤها وادواتها في المنطقة أتى الرد والموقف الروسي المبدئي والواضح والصارم الذي لا يشوبه أي شك أو غموض أو تردد بالإعلان ان روسيا ستقف الى جانب سوريا والى جانب وحماية الجيش العربي السوري من أي عدوان أمريكي. وعلى أن أي غارات تشنها الولايات المتحدة على الجيش السوري تشكل تهديدا لنا (أي تهديد لموسكو). وعلى ان موسكو لن تسمح بإسقاط الدولة السورية. هذا على مجال التصريحات السياسية والعسكرية الاتية من وزارة الدفاع الروسية. وبالمقابل أقدمت روسيا على الخطوات العملية العسكرية لدعم ما جاء على لسان مسؤوليها من السياسيين والعسكريين وقامت بإرسال منظومة صواريخ س-300 بالإضافة الى ثلاثة مدمرات حديثة وسفن حربية روسية الى شرق المتوسط ومقابل الشواطئ السورية وهذا يعني فرض غطاء على الأجواء السورية كاملة والتصدي لأي صواريخ قد تطلق على الأراضي السورية سواء من البحر أو الجو. وقال وزير الدفاع الروسي انه لن يكون لدينا الوقت لمعرفة من أطلق الصاروخ والى أين ولذلك ستقوم وسائل الدفاع الجوي بإسقاطه. وهذا الموقف الصارم عسكريا يقابله موقف صارم سياسيا حيث أعلن وزير الخارجية الروسي لافروف "أن واشنطن لن تتمكن من التعامل مع روسيا من منطلق القوة وبلغة العقوبات والانذارات النهائية..." (روسيا اليوم 3 أكتوبر 2016). التدخل الروسي يأتي ليس فقط لحماية سوريا بل هو تدخلا يهدف الى أبعد من ذلك لأنه يأتي لتثبيت الدور الروسي في المنطقة الى جانب تثبيت مواقعها على الساحة الدولية. وهي بهذا التدخل الجريء والمبدئي تريد ارسال رسالة الى الولايات المتحدة بأنها لم تعد قدرا ولم تعد في الوضع التي تستطيع ان تفرض ارادتها وسلطتها ورعونتها على العالم دون رادع أو حساب وعلى انها لا تستطيع التلاعب أيضا بأمن الاتحاد الفيدرالي الروسي، أو ان تتجاوز المصالح الروسية في المنطقة أيضا. أمام هذا التصعيد الاعلامي الأمريكي والتحدي والتصدي الروسي وتقدم الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض وتراجع المسلحين في حلب الشرقية يطرح السؤال كيف ستتصرف الولايات المتحدة ضمن هذه المعادلة التي أصبحت فيه روسيا والدولة السورية اليد الطولى على الساحة السورية؟ تبقى كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها وبالغم من أن الكثيرون يستبعدون حدوث مجابهة عسكرية بين روسيا وأمريكا الا أن هذا الاحتمال قائم وربما هذا ما يفسر التصريحات الروسية أن موسكو في وضع وجهوزية تؤهلها للتعامل مع أي احتمال فيما قررت بعض الرؤوس الحامية في دوائر صنع القرار الأمريكي ارتكاب حماقة لا يحمد عقباها لتشعل النار في المنطقة بأكملها وتفتح الباب على مصراعيه لحرب عالمية وان تكن من نوع آخر. الاحتمال الاخر أن تنكفىء الولايات المتحدة في المرحلة الحالية وتقبل بهزيمتها في سوريا وتحاول بشكل أو بآخر أن تفتش على طريقة لحفظ ماء الوجه وتنطلق لتركز على العراق والمشاركة في تحرير الموصل هذه المعركة التي أجلت بقرار أمريكي وربما الايعاز للسيد ميستورا بتقديم مبادرته الى جانب ما تقدمت به فرنسا والخروج بصيغة معدلة للاتفاقية قد يكون مخرجا لحفظ ماء الوجه الأمريكي. ولكن لافروف استبق ذلك بالقول على أن موسكو لن تقبل بتعديل الاتفاقية التي وقعت بينه وبين كيري وأصر على عملية الفصل بين المجموعات المعارضة "المعتدلة" وجبهة النصرة وهذا ربما يستدعي تعريف المجموعات الإرهابية وهو ما لم يتفق عليه بعد بشكل رسمي بعد، وخاصة وأن بعض المجموعات المسماة بالمعتدلة مثل حركة الدين زنكي التي دعمت بالسلاح من قبل الادارة والمخابرات المركزية الامريكية أعلنت مبايعتها لجبهة النصرة على سبيل المثال. ولكن نود أن نؤكد هنا أن حتى لو انكفأت الولايات المتحدة الان، فان هذا لا يعني البتة تخليها عن استراتيجيتها في سوريا بل ستبقى محاولاتها قائمة وان كان بأساليب وطرق أخرى. أما الاحتمال الاخر هو أن تصعد الولايات المتحدة من دعمها للمعارضة المسلحة بمزيد من الأسلحة ومن ضمنها أسلحة نوعية وخاصة مع وجود أصوات داخل المؤسسة العسكرية والسياسية باتت تدعو الى تسليح المعارضة بصواريخ محملة على الكتف ضد الطائرات ومزيد من التدريب والتجنيد لعناصر إرهابية جديدة وجر روسيا الى حرب استنزاف طويلة وإعادة التجربة الأفغانية زمن الاتحاد السوفياتي. والبعض تحدث ويتحدث عن "المستنقع السوري" والمراهنة على استنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا. ولكن البعض هنا يتناسى بأن روسيا الاتحادية اليوم ليست الاتحاد السوفياتي سابقا وأنها في هذه المعركة ليست لوحدها فهنالك المارد الصيني الذي وإن بدى بعيدا عن الساحة العسكرية فانه متواجد على الساحة السياسية والاقتصادية مع إمكانية دخوله بشكل فعال على الجانب العسكري وخاصة مع وجود ما يقرب من 5000 مقاتل من الايغور المتواجدين في سوريا يقاتلون الى جانب المجموعات الإرهابية وبالأخص داعش. هذا الى جانب إيران وقدراتها التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار. وبمعنى أن هذا الحلف الروسي الصيني السوري الايراني وحزب الله لا يمكن الا أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل دوائر صناع القرار في الولايات المتحدة. وتبقى الاحتمالات قائمة ومفتوحة ولا شك أن الايام القليلة القادمة ستحمل في طياتها إجابات على العديد من الأسئلة المطروحة.