بعدما خسرت أمريكا في الوصول نحو أهدافها في المنطقة، خلعت القناع الثاني قناع العنف وسفك الدماء الذي يعد البديل الحاقد عن الفشل الذي يتعاظم يوماً وراء آخر في سورية، ويستنزف أمريكا، مالياً وعسكرياً وأخلاقياً، في حرب طويلة لا يستطيع الأمريكيون، تحمّل نتائجها، ولكن هل تدرك أمريكا أنها ألقت بنفسها في المستنقع، وأن مصيرها في سورية كمصيرها في فيتنام؟ وهل تدرك أيضاً المخاطر التي سوف تترتب على ضربها لسورية؟ .
فبعد مضي اكثر من خمس سنوات على بدء الحرب على سورية يبدو أن السياسات الأمريكية في المنطقة قد تحولت الى سياسات تستند الى إستخدام القوة والأستفادة من الأدوات الإقتصادية والإيديولوجية والتحالف مع الغرب ومعظم الدول العربية، فالذي يتابع أخبار أمريكا وتحليلات منظريها يعرف حجم التخبط والجنون الذي أصابها، بعد أن أصبحت المنطقة كلها معادية للأمريكان وان حلفاؤها مثل تركيا صارت مهددة بالسقوط بسبب العدوان على سورية والتدخل في شؤونها الداخلية.
ولأن الإنتصارات التي تحققت في سورية قد ساعدت على تبديد أمل أمريكا وحلفاؤها في خلق شرق أوسط جديد بالطريقة التي تريدها يضمن لها مصالحها، نرى أن أمريكا إختارت اللجوء الى هجوم جوي سريع في محافظة دير الزور لتغيير موازين القوى في سورية لصالح داعش وأخواتها لكن هذا الهجوم أدى الى إمتداد دائرة الخطر حتى الى داخل حلفاؤها من التنظيمات الإرهابية والقوى المتطرفة وبهذا أدرك الأمريكيون أن الهجوم على سورية لها تكلفة عالية لا يمكن التعويض عنها حيث اصبح كل حلفاؤها في مرمى النيران.
ان الخيبة الأمريكية تأتي بعد أن كانت تظن بأنها ستحقق أهدافها في آن واحد في الهجوم على سورية، فواشنطن كانت تريد القضاء على التهديد المزعوم الذي يشكله حزب الله المدعوم من إيران وتقسيم سورية وتفتيتها عبر وكلائها الإقليميين، كما كانت تعتزم إعلان زعامتها مجدداً على المنطقة وبناء معادلة إقليمية وتوازن قوى جديد بينها وبين إسرائيل، لكن هذا الإمر لم يحصل، بل على العكس فقدت مكانتها الإستراتيجية في المنطقة، وبذلك دفعت ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في سورية، وبسبب ذلك تحولت الأضواء الى سجلها الذي يرثى له في مجال حقوق الانسان.
بدأت معالم هزيمة أمريكا في "معركة حلب" تظهر جلية في الأفق، وهو ما أربك حسابات الدول المشاركة بالعدوان على سورية، فأخذت كل دولة تحاول إبعاد شبهة الهزيمة عن نفسها، وترمي بالتهم ومسؤولية الفشل على أعوانها، وهو ما أدى إلى تعميق الخلافات بين هذه الدول وبعضها البعض التي ربما تصل إلى تفكك التحالف الدولي برئاسة أمريكا، فقد شهدت محافظة حلب خلال الأيام الماضية تقدماً كبيراً للجيش السوري وحلفاؤه بالتزامن مع سيطرتهما على مواقع مهمة وإستراتيجية، بالرغم من تزايد الإمدادات للمتطرفين، من حيث وصول تعزيزات عسكرية كبيرة وقوات من جنسيات مختلفة إلى حلب لمساعدتهم وغك الحصار عنهم، لكن رغم كل هذه التحضيرات إلا أن حسم المعركة هناك أصبح أمر وشيك، خاصة بعد أن فر المتطرفين من هناك تاركين هزيمة ثقيلة وراءهم، وأصبح الجيش العربي السوري يسترجع الأراضي التي فقدها بعدما كان مطوقاً من الإرهاب ومن تركيا وحلفاؤها والأطلسي.
في هذا السياق يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية باتجاه الأحياء الشرقية لمدينة حلب عبر بوابة حي بستان الباشا، حيث تمكن الجيش من السيطرة على عدد من الأبنية من بينها المعهد الرياضي ومبنى المرسيدس ومدرسة العلماء الصغار، كما أجبر المسلحين على الهروب تاركين خلفهم عددا من العبوات الناسفة والألغام، إضافة الى عدد من مدافع قذائف الهاون وقذائف ما يسمى "مدفع جهنم"، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من رقعة السيطرة والضغظ على المسلحين لحصرهم ضمن عدد أقل من الاحياء الشرقية لحلب.
اليوم أصبح الشعب السوري يدرك أن التحالف الذي تقوده أمريكا ليس ضد داعش وأخواتها وإنما هو لضرب البنية التحتية السورية وإسقاط سورية وتجريدها من دورها، وضرب الجيش السوري بهدف تقوية تنظيم القاعدة وخلق توازن بين المليشيات المتحاربة، وإغراق سورية بحرب الطوائف والجماعات المسلحة.
في المقابل رفض الرئيس الأسد رفع الراية البيضاء والإستسلام ورفض الإنهزام ، وإستطاع قلب المعادلة وأثبت بأن سورية أرض العزة والكرامة ستبقى مرفوعة الراية عالياً مهما كانت قوة وقدرة المؤامرة التي حيكت وتحاك في الغرف السوداء التي يديرها رعاة لا يعرفون للإنسانية أي معنى، ولم تستطع أمريكا كسر إرادة السوريين وباتت أحلامها التي كان يطلقها أوباما في بداية العدوان هباءاً منثوراً ، وسط تصاعد في الرد السوري في الجبهات، لينكسر بذلك عنجهية االمتطرفين وداعميهم، ويستمر الجيش السوري بتحرير المناطق من قبضة الجماعات المسلحة، وسط إنهيارات وهزائم متتالية تتكبدها هذه الجماعات ومرتزقتها في مختلف الجبهات، وأخيراً أخلص الى القول إن أمريكا في ورطة ولا تدري كيف تتخلص منها، لكن الحل الوحيد لإخراج واشنطن من هزيمتها هو التوقف عن التدخل في شؤون سورية والتعامل مع القيادة السورية لمحاربة الإرهاب قي المنطقة،وبإختصار شديد، إن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها في سورية، والتي وضعت بها كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، جاءت في غير صالحها وفشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها، وإنهارت المؤامرة الغربية في المنطقة.
khaym1979@yahoo.com