بقلم: عميرة ايسر
تشهد المنطقة العربية من المحيط إلي الخليج أحداثا سياسية وتحولات أمنية لم تعد تخفي علي احد من المتابعين للشأن العربي,وتعكس حالة التخبط في الخطاب الرسمي العربي ,في ظل عجز جامعة الدول العربية عن حماية الدول التي تنتمي إليها,فهي لم تستطع حماية لبنان من القصف الإسرائيلي سنة2006او القصف المتكرر لقطاع غزة من قبل إسرائيل أو احتلال العراق من طرف الجيش الأمريكي وحلفاءه سنة2003,ولم تستطع حماية ليبيا من تدخل قوات حلف الناتو الذي أطاح بنظام دولة عربية يفرض ميثاق الدفاع المشترك علي هذه الدول التدخل لحمايتها في وجه ميليشيات مسلحة دمرتها وقتلت رئيس البلاد دون محاكمة عادلة كما هو متعارف عليه دوليا.وهي نفس الجامعة التي شرعت تدمير اليمن من قبل القوات السعودية ومن دخل معها في حلف من الدول العربية ومنها مصر التي يقع مقر الجامعة العربية فوق أرضيها,وللأسف تأمرت هذه الجامعة علي سوريا ونظامها وشرعت لمجموعات الإرهابية أن تنتشر فوق أراضيها وتعيث فيها فسادا وأعطت مقعد سوريا الدائم فيها إلي المجلس الوطني السوري الانتقالي, وجعلت منه ممثلا شرعيا لسوريا حتى دون استشارة الشعب السوري أو إجراء انتخابات يجري فيها استفتاء عام حول ذلك,فالجامعة العربية منذ نشأتها سنة1945بدعم ورعاية بريطانية دولية,حاولت أن تكون الغطاء للمشروع القومي العربي الذي ارسي قواعده زعماء ثلاث وهم الرئيس الجزائري هواري بومدين والمصري جمال عبد الناصر والعراقي صدام حسين ولا ننسي دور سوريا حافظ الأسد في ذلك ومنذ فشل مشروع الوحدة العربية بين سوريا ومصر سنة 1961اثر انقلاب عسكري في سوريا بعدما ارسي له الرئيس المصري جمال عبد الناصر والسوري شكري قوتلي في 22فيفري 1958وتم توقيع ميثاق الجمهورية العربية الموحدة .وتم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة و مقره في القاهرة,وكذلك تم صهر الوزارات الإقليمية في وزارة موحدة كان مقرها في عاصمة الفاطميين كذلك,وكان الانقلاب العسكري بإشارة وتمويل من وكالة الاستخبارات الأمريكية ,لإنهاء الوحدة بين البلدين ومنذ ذلك ومشاريع الوحدة العربية تعيش حالات من المد والجزر ولم تجد أفكار الوحدة العربية طريقها إلي التطبيق الفعلي واقعيا ,هذه الأفكار التي حملها القوميون العرابيون والوحدويون والذي انقسموا بين ماركسيين شيوعيون وبين آخرين يرون في الوحدة العربية بأنها يجب أن تأخذ شكل الفيدرالية الأمريكية ,مع اختلاف جوهري حول مفهوم هذه الوحدة واختلاف الرؤى والتوجهات الإيديولوجية الفكرية المؤطرة لها.
-ويري الأستاذ والكاتب قاسم قصير بان المشروع القومي العربي مر بعدة مراحل بنيوية أثرت علي تغيير العديد من المسلمات التي كانت في فترة الستينيات ,حيث تقوقعت هذه المشاريع إلي الاهتمام بتطوير وتنمية الدول القطرية ,وجعل ذلك النواة الأولي من اجل الانطلاق إلي أفاق أكثر لبناء اتحاد عربي مشترك ,واتجهت الدول العربية إلي الاهتمام بالجوانب الاقتصادية التنموية علي حساب الاهتمام بحل القضايا المركزية القومية العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية ,التي فقدت الكثير من زخمها ودعمها بعد توقيع مصر والأردن لاتفاقيات سلام مع العدو الصهيوني ,فيما اتجهت دول كالإمارات وقطر و المغرب إلي التطبيع التجاري معها وفتح مكاتب لشركاتها وممثليها في دولها,ولا تخفي إسرائيل أنها علي علاقة دبلوماسية غير معلنة مع كل الدول العربية تقريبا,وكانت دول الخليج العربي تري الحل لأزماتها ومشاكلها القطرية يكمن في منظمة التعاون الخليجي التي رأت النور بتاريخ25 مايو 1981 ,ليقترح الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز تحويلها إلي اتحاد خليجي سنة2001في القمة الثانية والثلاثين لانعقادها ,وجعلت منه هذه الدول منطلقا سياسيا واقتصاديا لبناء دولها وتطويرها اقتصاديا وتجاريا وسياسيا.ولكن في بلدان المغرب العربي الأمر مختلف تماما,هذا التكتل والمسمي بالاتحاد ألمغاربي الذي أعلن عن إنشاءه في 17فيفري 1987بمدينة مراكش المغربية والذي جمع بين 5 دول مغاربية ,ولكنه منذ ذلك الوقت يراوح مكانه نتيجة للظروف السياسية والإقليمية المتوترة والخلاف الجزائري المغربي العميق حول الصحراء الغربية.ويري الدكتور زياد حافظ ,أمين عام المؤتمر القومي العربي والذي يعتبر إطارا سياسيا ومنظمة تجمع شخصيات عربية ذات توجهات قومية وحدوية عربية,حيث اقر هذا المؤتمر في دورته الأولي في تونس سنة1990ضرورة إعادة بعث قيم العروبة و بناء المنظومة العربية الحديثة بما يؤدي إلي تنفيذ رؤية مركز دراسات الوحدة العربية ,فيما يخص تنفيذ أجندات سياسية وفكرية تؤدي إلي إعادة بعث الروح القومية وتحرير الأراضي العربية المحتلة والتصدي للمشروع الصهيوني الأمريكي الاستعماري ,والذي يهدف لطمس الهوية العربية لدولنا ومحوها,وإقامة حواجز فكرية وإيديولوجية وإحياء النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية وتغذيتها,من اجل تقسيم الدول العربية وهذا المشروع الذي تنبه له أول أمين عام للمؤتمر الأستاذ خير الدين حسيب,فالقومية العربية التي قامت علي أسس عادلة كان من أهدافها إلي جانب تحرير فلسطين والجولان السوري,منع تقسيم السودان وهذا ما حدث وبقرارات غربية أمريكية فيما بقيت الدول العربية تتفرج علي الغزو,فالمشروع العربي الذي كان يرنو إلي إقامة دول عربية تعتمد علي التنمية المستدامة الشاملة وتقوم علي أنظمة سياسية ديمقراطية وبناء مجتمعات عربية تسود فيها قيم العدالة الاجتماعية ,ويكون لكل المواطنين العرب داخلها نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات,ولكن الأنظمة العربية المستبدة والغزو الأمريكي وتحويل البلدان العربية بعد سنة2011,إلي دول مهددة امنيا ,وتم تهديد الأمن القومي العربي المشترك,فأوجدت تنظيمات دموية إرهابية في كل من العراق وسوريا وليبيا ,كان هدفها تخريب هذه الدول وإلغاء هوياتها القومية وإضعاف جيوشها,وبالتالي أصبحت هذه الأهداف التي حاول القوميين العرب تجسيدها بعيدة المنال ضمنيا.
-وتم تغيير الإستراتيجية من الدفاع عن الأهداف التي أقرتها المؤتمرات القمة العربية المتعاقبة ,إلي التفكير في كيفية إنقاذ هذه الدول وإنهاء وجود هذه التنظيمات المسلحة الإرهابية ,والتي تجد في دول عربية وإقليمية الداعم الأساسي لاستمرارها في تنفيذ مخططات الدول الغربية,فهذه التنظيمات التي لم تسلم حتى أراضي سيناء المصرية من بطشها تحاول إقامة حكم إسلامي شرعي حسب ما هو مرسوم في مخططاتها ,وهذا ما يدفع الشباب العربي الذي أصبح لا يؤمن بشعارات الديمقراطية والعروبة وباتت بالنسبة له من الزمن الماضي ,وهذا ما يدفعه إلي الانضمام لهذه التنظيمات الإرهابية إذ يحاول هؤلاء الشباب قراءة المتغيرات السياسية في المنطقة العربية حسب مستوياتهم الفكرية والثقافية المحدودة,فهذه التنظيمات التي خرجت من رحم تيارات إسلامية عرفت تحولا فكريا جذريا بعد ما عانته في سجون الأنظمة العربية طوال 40سنة ,من قمع وتعذيب وقتل مما جعل قياداتها لا يؤمنون بالأفكار الوحدوية. التي كانت هذه الأنظمة تجعل منها الشماعة التي تعلق عليها إخفاقاتها في حل المشاكل التي تواجه مجتمعاتها التي ترزح تحت ظروف اجتماعية قاهرة,في ظل غياب منابر لحرية التعبير ترعاها وتضمنها الحكومات العربية ,والتحول التكنولوجي والمعرفي والمعلوماتي التي عرفه العالم منذ بداية القرن الحالي ,ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في تحريك الثورات العربية وإطلاقها والتي تتقاطع مع المشروع القومي العربي في نفس الأهداف تقريبا. حيث كانت تريد تحويل مسار الأمور في دولها بإسقاط الأنظمة العربية الدكتاتورية ,التي تري فيها أهم الأسباب في التخلف والرجعية التي تعيشها دولهم العربية,واستغلت هذه التنظيمات الإرهابية هذه الفترة من اجل تجنيد اكبر عدد من الشباب العربي الغاضب والناقم علي موجة الثورات العربية المضادة ,التي قامت في دول كمصر واليمن وليبيا وتونس .والتي رأي فيها هؤلاء الشباب محاولة من طرف الدولة العميقة التي كانت الرحم الذي خرجت منه هذه الأنظمة الفاسدة,والتي اعتبرت بان هذه الثورات تشكل تهديدا مباشرا لمصالحهم المالية والاقتصادية وارتباطاتهم بالدول الغربية الاستعمارية .
-التي فعلت المستحيل من اجل إسقاط هذه الثورات ,فالمشاريع العربية السياسية الوحدوية يري أساتذة كالدكتور عزمي بشارة الذي يعد واحد من المنظرين الكبار لرؤية العربية الوحدوية, والتي تجعل من الإطاحة بالأنظمة العربية المستبدة أول خطوة في طريق طويل وشاق,والذي لن يتم حسب الكاتب الأمريكي نيكولاس بارز ,إلا بالتصادم الحتمي بين القوي المتصارعة في هذه الدول ,فالوحدويون القوميون العلمانيون العرب لن يقبلوا بحكم الإسلاميين ووصولهم إلي تسلم مقاليد السلطة في الدول العربية .وهذا هو احد الأسباب المهمة برأيه لقيام القوى النخبوية العلمانية في هذه الدول بمهاجمة الإخوان المسلمين في مصر والتحريض للانقلاب عليهم وإفشال حكمهم ,ولكن التجربة التونسية الثرية والتي عرفت تنظيم انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وعندما خسرت حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي الانتخابات الرئاسية في تونس مؤخرا قامت بتسليم الحكم بطريقة ديمقراطية وحضارية إلي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي, وعقدت تحالفا سياسيا أصبحت بموجبه احد الأركان الأربع لحكومته ,هذه الحركة السياسية ذات التوجهات الإسلامية الأصولية التي تتبني أفكار تنظيم الإخوان المسلمين .أعطت نموذجا لما يمكن أن تكون عليه الحياة السياسية التشاركية في الوطن العربي إن وجدت هناك إرادات وبيئات عربية تضع امن دولها وتقدما وازدهارها علي رأس أولوياتها القومية,وتوحد جهودها من اجل وضع أهداف ورؤى المشاريع الإنمائية العربية ووضعها قيد التنفيذ,ويجب كذلك أن يعقد مؤتمر يجمع بين مختلف التيارات القومية والحزبية والإسلامية العربية, من اجل تبني إستراتيجية واضحة عربية يكون علي سلم أولوياتها التصدي للهجمة الإرهابية الشرسة التي تستهدف كل الدول العربية .ودون استثناء وتفعيل ميثاق الدفاع العربي المشترك وجعل مهام القوات العربية وجيوشها والتي شكلت في قمة القاهرة العام الماضي في مؤتمر الأمن القومي العربي الذي عقد برعاية الجامعة العربية سنة2015,تقوم بحماية الأمن العربي الإقليمي وتضافر جهودها من اجل تصفية الوجود الإرهابي ,بمختلف تنظيماته ومسمياتها ,مع الحفاظ علي الأنظمة العربية القائمة في هذه المرحلة التاريخية المفصلية بالنسبة للوجود العربي في هذه الأراضي ,وبعد الانتهاء من خطر الإرهاب يجب علي هذه الأنظمة تفعيل نقاط وأهداف القومية العربية ,وأهمها التداول السلمي علي السلطة وبناء مجتمعات يكون المواطن محوها ,واهم ركائزها التي تدور حولها برامج التنمية المستدامة لمجتمعاتها.*كاتب جزائري