العلاقات المصرية السعودية تصدرت العناوين واحتلت اهتمام الجماهير العربية لاسباب متفاوتة، يمكن ان نذكر منها ونصنفها كما يلي:
اولا : جماهير متشوقة لاستقلال مصري بعيد عن القيود السعودية التي ابعدت مصر كثيرا عن مواقعها الصحيحة وانحيازاتها التاريخية وقيادتها الطبيعية، وهذه الجماهير تنتظر يوميا هذا الانفلات من القيد السعودي املا في عودة مصر لمكانتها ومكانها.
ثانيا: جماهير حائرة استطاع التشويش واستطاعت البلبلة حرف بوصلتها وافقادها ذاكرتها التاريخية حتى ظنت ان العلاقات المصرية السعودية صمام امان للوطن العربي بالفعل وان انهيارها كارثي وسيفسح المجال لاعداء الامة والمتربصين بها للانقضاض عليها!
ثالثا: جماهير غائبة عن الوعي التاريخي وعن الساحة الاقليمية والدولية واصطدمت بالتلاسن المفاجئ بين الطرفين وفوجئت بان الصحف المقربة من النظامين تشن كل منها حملة اعلامية على الطرف الاخر وهي حملة غير مسبوقة منذ عقود.
والحديث هنا لا يشمل بالطبع المرتزقة والمنافقين اصحاب الرواتب من السفارة السعودية ولا اتباع اللوبي السعودي من الاحزاب الوهابية ولا الاخوان الذين يتصورون ان النظام سيسقط فور تخلي السعودية عنه اقاموا الافراح وكان حلمهم باستعادة السلطة اوشك على التحقق!
وهنا تنبغي وقفة قبل مناقشة الازمة وهل هي بالفعل ازمة ام زوبعة في فنجان ومدى عمقها، لوضع بعض النقاط على الحروف وتفنيد بعض الافكار الضالة المغلوطة والتي يتعامل معها البعض وكأنها مسلمات:
اولا: المسلمة الاولى ان العلاقات المصرية السعودية علاقات استراتيجية وتاريخية وهو ما ينبغي تصحيحه، فقد تناقضت على الدوام هذه العلاقات عندما كانت مصر قائدة للتحرر الوطني وسعت المملكة دوما لحربها واضعافها وتشكيل الاحلاف لمواجهتها وهناك فارق كبير بين القومية العربية وادبياتها التي تفرض التكتل واقامة العلاقات الوطيدة مع كل الاقطار العربية سعيا للوحدة وبين العلاقات مع انظمة وكيانات مغتصبة للاقطار ومحلقة باستراتيجيتها بعيدا عن الامن القومي العربي مثل نظام ال سعود بحكم نشأته وطبيعة تكوينه ككيان وظيفى خادم للاستعمار ورأس حربة لمصالحه وخاصرة في الجسد العربي.
ومنطق القائلين بان القومية والعروبة تفرض اقامة علاقات طيبة مع هذا النظام تتشابه مع المنطق القائل بالتطبيع مع الصهاينة لصالح القضية الفلسطينية حيث النظام الصهيوني مغتصب لارض عربية فهل نقيم علاقات استراتيجية مع النظام المسيطر على فلسطين ايا كان حتى لو كان صهيونيا؟!
نعرف ان هذا الكلام قد يستغربه البعض وقد يراه من قبيل المبالغات الا ان ممارسات ال سعود منذ النشأة مرورا بالتجربة المريرة لعبد الناصر والانظمة القومية العربية مع هذا النظام وانتهاء بالوضع الحالي الذي لا توجد فتنة او مجزرة او تفجير الا ووراء كل هذا اصابع هذا النظام بشكل مباشر تمويلي ولوجستي او غير مباشر من حيث المرجعية الفكرية التكفيرية، فبمراجعة هذا وتدقيقه لا نرى هذا الكلام مستغربا بل على اقل تقدير جدير بالمناقشة.
ثانيا: مسلمة اخرى تقول ان الغرب انقلب على مصر وان هذه الازمة عقابية تستخدم بها السعودية للضغط على مصر وافشال نظامها، وهو ما ينبغي ايضا تفنيده لان النظام المصري لا يعتمد في بقائه (كما يتصور الاخوان) على السعودية وليس الغرب المتآمر بطبيعته بهذه السذاجة الاخوانية ويعلم ان خطوات من هذا القبيل ستولد مشاعر التحدي وتوحد الفرقاء بالمجتمع المصري وتذيب مشاعر التململ الشعبي من الاوضاع المعيشية الصعبة، وقد ثبت ذلك عمليا واستغله النظام في ترميم شعبية متناقصة بفعل الاجراءات الاستفزازية والازمات الاقتصادية المتلاحقة، كما ان الغرب لو اراد الاذى الاقتصادي المباشر وقصير الاجل فانه لن يعدم وسائل اخرى هو سائر فيها عمليا عبر صندوق النقد وشروطه الكفيلة بخلق قلاقل اجتماعية وشيكة، ناهيك عن ان الغرب من البداية كان يستطيع باشارة منه ان يوقف الدعم السعودي لمصر حيث لا تمتلك السعودية رفاهية مخالفته!
ثالثا: مسلمة اخرى تقول ان مصر خرجت عن القيد السعودي وهو سر الغضب السعودي عليها، وهو ما لا تؤيده اي شواهد عملية، فمصر لم تستطيع حتى ابداء القلق بشأن مذبحة صنعاء والتي ادانتها امريكا وبريطانيا والامم المتحدة، ولم تتبرأ من الانضمام لتحالف العار المدمر والقاتل للشعب اليمني ولم ترفع اي مستوى من العلاقات مع سوريا او ايران زلم تفك الحظر عن فضائيات المقاومة ولم تغضب السعودية او تخرج عن فلكها سوى في الملف السوري بتباين لا تستطيع تمريره لانه يتعلق مباشرة بشرعية النظام المصري القائمة على محاربة الارهاب ويتعلق مباشرة بأمنها القومي، لكنها تختلف مع السعودية بكل ادب وحياء وحرص على عدم استفزازها رغما عن الاستفزازات السعودية وعلاقاتها مع كل اعداء النظام المصري، بل ولازالت الحكومة المصرية ماضية في محاولات التخلي المخزي عن اراض مصرية للسعودية تحديا لكل الثوابت المصرية ولا زال اللوبي السعودي المشكل من مرتزقة الاعلام يعمل بحرية، ولا زال التيار السلفي التابع للمملكة يصدر بيانات مخالفة للموقف المصري الثابت من سوريا دون محاسبة !
مناقشة مايتم تناوله كمسلمات امر في غاية الضرورة للوصول لتحليل سليم لطبيعة الخلاف ودرجته وبالتالي تداعياته ونتائجه.
والسؤال الان هل هي ازمة حقيقية قادرة على العصف بالعلاقة، والاجابة انه من المرجح ان تكون كذلك الا ان الطرف المتحكم في تصعيدها او اخمادها هو الطرف السعودي، فاذا تخلى عن غروره ولم يستغل الظرف المصري وسوء ادارة النظام لملف الازمة وللمرحلة وتعامل مع مصر كما يليق بها بمعزل عن الظرف والنظام واستوعب التباين والخطوط التي لايمكن للنظام تجاوزها فانها ستكون زوبعة في فنجان وتنتهي سريعا.
اما اذا كان الطرف السعودي مصرا على المهانة والذلة للنظام المصري، فستنتهي القضية بقطيعة وللنظام بدائل اخرى واوراق ضغط يستطيع بها ايذاء السعودية ونرى الرئيس المصري قد لوح بذلك عندما ذكر ان هناك فارق بين الساكت عن ضعف ولا يستطيع فعل شئ وبين الساكت عن ادب وهو يستطيع عمل كل شئ.
وبالتالي فان الرهان على انتقال ميكانيكي فوري من المحور السعودي للمحور المقاوم هو رهان خاطئ، وغاية ما في الامر هو تسيير الامور بما لا يصطدم بالخطوط الحمراء للنظام المصري وهي المساس بشرعيته القائمة على محاربة الارهاب، وبالتالي سيدعم سياسيا محاربة الجماعات الارهابية في سوريا وليبيا والعراق وقد يجمد عضويته في التحالف باليمن، وان كنا نرى ان هناك بوادر لتغير شكل الصراع باليمن في القريب العاجل حيث يعد الغرب لشكل باشر من التواجد في البحر الاحمر وربما تصدر قرارات اممية بوقف اطلاق النار وتواجد عسكري امريكي بالاساس للمراقبة او الاعداد لمواجهة عسكرية امريكية صريحة تحت اي ذريعة لاتخاذ قاعدة متقدمة في باب المندب وبالقرب من هرمز لاطباق حصار متقدم على ايران.
مانريد قوله هو التروي وعدم الاندفاع العاطفي وتغليب الاماني على الشواهد الواقعية والعملية، وكلنا وكل المقاومين ينادون ويستدعون مصر لاستعادة الدور القيادي الا ان الخيارات الاقتصادية الداخلية لا تنبئ عن مشروع مقاوم بل مشروع معتمد على الغرب، والخيارات الثقافية والفكرية لاتنبئ عن الثورة على الوهابية والانفكاك من القيد السعودي وغاية الامر تعبر قط عن التململ ولا تجرؤ على مواجهة اللوبي السعودي حتى اللحظة.
البلدان سيجنيان ثمار اخطائهما، كل على قدر ذنبه، ستجني السعودية ثمار جرائمها وغرورها خزيا وسقوطا قريبا، وستظل مصر في سنوات التيه لمخالفتها ميثاقها ودورها .
قد تكون هناك استفاقة لكن لا شاهد لها.
أوهام وحقائق الخلاف المصري السعودي
2016-10-15
بقلم: إيهاب شوقي