2025-05-22 09:53 م

اجتماع لوزان وورقة مبادرة دي ميستورا...ما الذي تحمله في طياتها؟

2016-10-15
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ما زالت الاجتماعات في لوزان دائرة في هذا اليوم والمخصصة لدراسة الأوضاع في حلب على وجه التحديد وإمكانية الاتفاق الى تفعيل وقف "الاعمال العدائية في حلب" وإدخال "المساعدات الإنسانية" الى حلب الشرقية المحاصرة من قبل الجيش العربي السوري. والموضوع على الطاولة على ما يبدو من وسائل الاعلام على الأقل هو مناقشة الورقة التي تقدم بها المبعوث الدولي دي ميستورا بين الفرقاء الدوليين والاقليميين الذين لهم دور فاعل سواء سلبيا أم إيجابيا على الساحة السورية. ويحضر هذا الاجتماع كل من روسيا والولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر(ربما) والأردن (ربما) وإيران الى جانب مصر والعراق والتي أصر الجانب الإيراني على حضورهما كشرط أساسي للمشاركة الإيرانية في الاجتماعات في لوزان وهذا بحد ذاته له أهمية ربما سنتعرض اليها في مقال قادم. ما رشح من البنود التي تقدم بها السيد ميستورا لها دلالات مفاعيل خطيرة ولا يمكن للطرف الروسي أو الإيراني أو الدولة السورية الغائبة الحاضرة في هذا الاجتماع القبول بها. ولا بد من تسجيل بعض النقاط الأولية على هذه الورقة أو المبادرة كما يحلو للبعض ان يطلق عليها. أولا: ان هذه الورقة تأتي بعد فشل تطبيق الاتفاقية الامريكية-الروسية التي وقعت من قبل وزير الخارجية الامريكية كيري ونظيره الروسي لافروف في التاسع من سبتمبر الماضي. وقد فشلت هذه لاتفاقية لعدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها بفصل ما أسمتهم "بالمعارضة المسلحة" وفك ارتباطها بجبهة النصرة التي تمسك بزمام الامور وهي المصنفة ضمن المجموعات الإرهابية تبعا لائحة مجلس الامن. وهو ما تم التوقيع عليه كشرط مسبق لتنفيذ بنود الاتفاقية وتشكيل غرفة عمليات مشتركة تنفيذية وتبادل المعلومات الاستخبارية لمحاربة تنظيمي النصرة وداعش في سوريا. لم تستطع الولايات المتحدة الإيفاء بوعودها والتزاماتها بهذا الغرض الى جانب رفض المسلحين المتواجدين في حلب الشرقية للالتزام بوقف العمليات العدائية وقيامهم بالاعتداء على القوافل الإنسانية وحرق حافلات وقتل حوالي 20 فردا من رجال الأمم المتحدة المشرفين على ادخال المعونات الى حلب الشرقية. بالإضافة الى هذا فقد قامت طائرات التحالف التي تقوده الولايات المتحدة بارتكاب مجزرة عندما قصفت مواقع للجيش العربي السوري في محيط مطار دير الزور تمهيدا لمساعدة تنظيم داعش لاحتلال مواقع الجيش والسيطرة على مدينة دير الزور المحاصرة، تمهيدا لنقل مسلحي داعش من الموصل الى دير الزور والرقة في مرحلة قادمة. عندها وبكل وقاحة اتهمت الولايات المتحدة روسيا بعدم الالتزام بتعهداتها وعدم وضع الضغط على النظام السوري ووقف تقدمه على جبهة حلب الشرقية. وأوقفت المباحثات مع روسيا وهددت وتوعدت كعادتها عندما تفقد في الميدان. ومن هنا فان هذه الورقة/المبادرة تأتي للالتفاف على الاتفاقية الموقعة رسميا من قبل الولايات المتحدة وروسيا سابقا وإعطاء الفرصة للإدارة الامريكية للتنصل من التزاماتها السابقة وإعادة جولات من المفاوضات والمماطلة للوصول الى اتفاقية جديدة تسعى من خلالها الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية التي تدور في فلكها من تحقيق ما لم تقدر على تحقيقه على أرض الميدان. ولعل هذا ما أدى لافروف الى التصريح بأن روسيا لن تطرح اية مبادرة أو بنود جديدة غير تلك التي اتفق عليها مع أمريكا سابقا وتم التوقيع عليها، وأعاد الإصرار على ضرورة القيام بالفصل بين المجموعات التي تدعي أمريكا انها معتدلة عن جبهة النصرة وعلى ان يتم هذا خطيا بتعهد هذه المجموعات عن فك علاقاتها وارتباطاتها مع جبهة النصرة. ثانيا: بخصوص أعداد المسلحين من جبهة النصرة الذي يريد السيد ميستورا إخراجهم مع عائلاتهم من شرقي حلب. الذي يبدو أن السيد ميستورا أو بالأحرى السيد جيفري فيلتمان والذي يشغل منصب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ما زال يتلاعب بالأعداد الحقيقة لمسلحي جبهة النصرة المتواجدين في حلب الشرقية. ولا بد لنا من التذكير بالكلمة التي القاها السيد دي ميستورا في مجلس الامن الدولي والتي ذكر بها أن ما يقرب من نصف اعداد المسلحين في حلب الشرقية ينتمون الى جبهة النصرة. هذا عندما كانت التقديرات بوجود 8000 مسلح فيها. تناقص هذا العدد مؤخرا بحسب دي ميستورا الى 900 مسلح ثم الى 900 بما فيهم عائلاتهم. وبحسب "الاحصائيات" الجديدة فان عدد مقاتلي النصرة لا يتجاوز بين 150-300 مسلح. والسؤال اين ذهب ما يقرب 4000 مسلح من جبهة النصرة الذي أفصح دي ميستورا منذ البداية بتواجدهم إذا لم يتم ذوبانهم في المجموعات الارهابية القاعدية الأخرى وذلك لتلاشي تصفيتهم من قبل الجيش العربي السوري وحلفاؤه؟ السيد دي ميستورا يريد ان يقنعنا أن بضع مئات من مسلحي جبهة النصرة يتحكمون في حلب الشرقية التي يتواجد بها عشرات آلاف من المسلحين. للأسف يا سيد ميستورا ان البسطاء من أمثالنا ليسوا بالأغبياء كما تعتقد، فكفاك عدم احترام لعقول الناس واهانة قدراتهم العقلية والتي هي بالتأكيد تفوق قدراتك الذهنية وان لم يتمكنوا من حضور مثل هكذا اجتماعات والتأقلم على حياة الفنادق سبعة نجوم. من الواضح أن الولايات المتحدة تسعى للإبقاء على مقاتلي جبهة النصرة لكونهم يشكلون الفصيل الأكثر عدد وعدة في مقاتلة الدولة السورية في هذه المرحلة وعلى ان يتم توظيفهم في المستقبل في مناطق أخرى في الإقليم أو خارج الإقليم. وهذا ما كان أمير الارهاب السعودي بندر بن سلطان يحاول ان يقنع الإدارة الامريكية به عندما كان مسؤولا عن الملف السوري ومحتضنا جيش الإسلام الذي كان يرأسه زهران علوش قبل عملية اغتياله. ثالثا: وربما هذا هو أخطر ما جاء من البنود في هذه الورقة المقدمة من السيد دي ميستورا تتلخص في ان "المبادرة تتطلب عدم المس بالإدارة المحلية المستقلة الحالية وأن تكون قادرة على مواصلة العمل بدون أي تدخل أو عائق من قبل الحكومة". وعلى أن يسمح لهذه الإدارة" تقديم العديد من الخدمات والوظائف القضائية... وإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات وبرامج توفير فرص عمل وعمليات إعادة اعمار ". وعلى ان "يسمح ببقاء الأسلحة المناسبة للقيام بهذه المهام بيد مجموعات المعارضة المسلحة". ومن هي هذه الإدارة المحلية التي يتحدث عنها السيد دي ميستورا؟ شرقي حلب تدار حاليا من إدارة محلية مكونة من قيادات الفصائل المسلحة المتواجدة في المنطقة وهي بغالبيتها تنتمي الى القاعدة وكما ان بعضها أعلن انضمامه الى جبهة النصرة التي سيبقى العديد من مسلحيها داخل احياء حلب الشرقية. فماذا يعني الإبقاء على الإدارة المحلية ان لم يكن ببساطة هو تحويل المجموعات الإرهابية الى سلطات محلية منفصلة عن سلطة الدولة السورية؟ والبدء هنا في حلب الشرقية ومن ثم اتخاذه كأسبقية للتطبيق على مناطق أخرى. وربما هذا يفسر الغضب الذي أبداه السيد دي ميستورا من عدم اشراك "الأمم المتحدة" رسميا وفعليا في المصالحات التي مضت وخاصة في منطقة داريا عندها سجل دي ميستورا اعتراضه واعتراض "الأمم المتحدة" وكان المقصود اعتراض جيفري فيلتمان على موضوع المصالحات التي من خلالها عادت السلطة المركزية للدولة السورية للعديد من المناطق، لان الهدف كان على ما يبدو هو تسليم هذه المناطق الى "الإدارة المحلية" للمجموعات الإرهابية. ولا بد لنا من التساؤل هنا إذا لا يسمى هذا تمزيق الوطن السوري وذلك بخلق بؤر غير خاضعة للسلطة المركزية للدولة وعلى انه بذلك اعلانا عن بداية لتقسيم الوطن السوري، فماذا يمكن ان يطلق عليه؟ السيد دي ميستورا يريد أن يغري السكان المدنيين في شرقي حلب بان حالما يتم الاتفاق على ورقته المسمومة سيباشر بالإعمار وسيجد الناس فرص للعمل وتحسين وضعهم الاقتصادي وضمان الامن والسلام ..الخ، على أمل ان "هونكونج" الذي سيخلقها في شرقي حلب ستؤدي الى انتفاضة الناس في العديد من المناطق ليكون لهم "هونكونج" الخاصة بهم وهكذا تتكاثر "جزر الأرخبيل الحرة والمستقلة" عن سيطرة الدولة السورية. نعود ونقول أن الشعب السوري لن تمرر عليه هذه الارهاصات والمقترحات التي تغلف بالطابع الإنساني والتباكي على الأوضاع المأساوية لسكان حلب لانهم يدركون بحسهم العفوي والوطني والقومي بأن هذا الغلاف انما يحمل في طياته تدمير الوطن والأرض والهوية والانتماء، وهو لأجل ذلك قدم قوافل من كواكب الشهداء للدفاع عن واسترجاع كل ذرة تراب من هذا الوطن الغالي.