2025-05-22 02:43 م

"بيت الأسرار" و"اللقاء المحرم"

2016-11-01
بقلم: سمير الفزاع
لا رهان جدي على خروج المسلحين من أحياء حلب الشرقية، ولا أوهام بخصوص وقف أدوات الغزو الإرهابي هجماتها على نقاط ومواقع الجيش العربي السوري وحلفائه حول مدينة حلب وفيها... إنهم جيش واشنطن الجديد، وأداتهم "الإسلامية" في الغزو وتغيير الوقائع وموازين القوى... وصولاً لإنتاج خرائط تلبي مصالح واشنطن، وتضمن سيطرتها وتفردها في إدارة العالم، وهزيمة –أو مشاغلة وإستنزاف في الحد الأدنى- كل من يقف في وجه هذه المصالح. لم تخرج "ملحمة حلب الكبرى" عن هذا الوصف قيد أنملة، وهنا سأدلل على هذا الإفتراض بمحاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: من إتخذ قرار المعركة، متى، وأين؟ ما هي مصلحة واشنطن وحلفائها في "ملحمة حلب الكبرى"؟ بعض من أبرز نتائج المعركة؟. * القرار: تصاعد الخلاف التركي-العراقي حول "مشاركة" تركيا في تحرير مدينة الموصل، وهذا الخلاف ليس أمراً يتعلق بالسيادة فقط، وإنما له خلفيات بالغة الخطورة قد تطيح بإدارة اوباما وبفرص نجاح مرشحة الحزب الديموقراطي، هيلاري كلنتون، وبحزب أردوغان ونظامه، وسيشكل فضيحة مدوية لحكام السعودية وقطر وباريس وبرلين ولندن وتل أبيب... والكثير من الأحزاب والشخصيات العراقية المحسوبة على هذا المحور. ومن أهم خلفيات هذا القرار، أسرار الموصل التي يحتفظ فيها عدد من قادة داعش، وألآف الوثائق والتسجيلات الصوتية والمصورة... لتجارة النفط مع تركيا وعبرها إلى بلدان معروفة، والتعاون الإستخباري –الإقليمي والدولي- مع داعش، وصفقات السلاح والذخيرة الموردة إلى داعش والبلدان التي جاءت منها وطرق نقلها والمعابر التي سلكتها... لذلك يجب إيجاد طريقة ما لمنع العثور على "بيت الأسرار" هذا، ولن يكون ذلك إلا بتدخل تركي مباشر ليحكم السيطرة على هذا البيت، أو بتوفير سادة داعش ومشغلوها في الإقليم والعالم ممراً آمناً لأغلب قادتها وعناصرها من المجزرة المحتملة في الموصل؛ لتوظيفهم في معركة شرق وشمال سورية وضمان عدم البوح بالمحظور. وضعت خطة تحرير الموصل كما تريد واشنطن، بترك ممر آمن لداعش نحو الأراضي السورية، مع إصرار تركي على بقاء جيشه في بعشيقه... لكن جملة تطورات شكلت ضربة قاصمة للمشروع، وهذا بعضها: 1- فضح مخطط نقل داعش من الموصل إلى الرقة قبل الشروع في تحريرها، مما أدى لإرباك كبير في المخطط. 2- طرح إستبعاد "الحشد الشعبي" من تحرير المدينة، والحملة الشعواء عليه علامات إستفهام كبرى، فاتخذت قيادته قراراً تاريخياً بالتلويح بمواجهة الوجود التركي، وبدأت فعلياً بخطة تطويق الموصل من المحور الجنوبي-الغربي المقابل للحدود السورية. 3- نفذت طائرات الاستطلاع والقاذفة، الروسية والسورية، جدار مراقبة وخط نار على الحدود السورية-العراقية، لمنع تسلل داعش. 4- إنهيار دفاعات المسلحين في أحياء حلب الشرقية، وريف حماه الشمالي، وما تبقى من غوطة دمشق... ما ينبئ بتدهور دراماتيكي في مجمل مشروع غزو سورية، خصوصاً وأن التحضيرات الميدانية السورية-الروسية وحلفائهما في حلب، تؤكد قرب شنّ عملية واسعة نحو جبهات جديدة داخل حلب وخارجها، وخصوصاً نحو الباب شرق حلب، ونحو الطبقة ثم الرقة... وغرب حلب وجنوبها، للتقدم نحو ريف المدينة هناك وصولاً إلى إدلب. في الأثناء كانت أدوات الغزو الإرهابي حول حلب، وتحديداً في الجبهتين الشمالية والجنوبية-الغربية، تعلن المرة تلو الأخرى عن معركة حلب، ولكن القرار لم يكن بيدها لتباشر في تنفيذه. فجأة، يصل"أشتون كارتر" إلى أنقرة يوم الجمعة ويجتمع بأردوغان ورئيس وزرائه ووزير الدفاع ليعلن توصل بغداد وأنقره إلى تفاهم حول مشاركة تركيا في تحرير الموصل... بالتزامن مع إطلاق "ملحمة حلب الكبرى" بإشراف أمريكي-تركي مباشر، ومع إعلان الضابط الأمريكي "جون دوريان" قائد "التحالف الدولي"، قيام القوات العراقية بـ"التوقف" لمدة يومين عن شنّ هجمات بهدف "تثبيت السيطرة على المناطق" التي استُعيدَت من تنظيم "داعش"... ثم طار وزير الحرب الأمريكي "كارتر" إلى بغداد "لفرض" المشاركة التركية بعد إحراج بغداد بتصريحاته من أنقره، وضرورة إستبعاد الحشد الشعبي من المحور الغربي-الجنوبي للموصل... مهدداً بتجميد "الدعم" الإستخباري والجوي –الموجود بحدوده الدنيا فعلياً- للجيش العراقي، ولكنه فشل في تحقيق ما أراد. إنتقل "كارتر" إلى "أربيل" علّه يجد هناك ما ينقذ المخطط والمشاركون فيه، لكن المهمّة كانت أكبر من قدرة "مسعود برزاني". المصالح والأهداف: 1- بالتزامن مع إجتماع وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران، كانت رسالة واشنطن وأدواتها الأولى: لستم وحدكم من يرسم صورة الميدان. 2- أعلنت واشنطن تجميد "دعمها" للحكومة العراقية في تحرير الموصل لمدة يومين بحجة التثبيت والتأمين، لكن الهدف الحقيقي كان إنتظار الخرق الذي ستحدثه معركة حلب في جبهة حلب الجديدة والحمدانية بعد إجتياز مشروع (3000) شقه وأكاديمية الأسد العسكرية، ما يسمح لواشنطن بفرض إرادتها في حلب والموصل معاً؛ بل وفي ما هو أبعد من المدينتين. 3- عندما هددت سورية بإسقاط أي طائرة تركية تجتاز الأراضي السورية، ومعاملة أي قوات تركية تغزوا الأراضي السورية كقوة إحتلال، وتنفيذ هذه التهديدات بالإطباق الإيجابي على الطائرات التركية، واستهداف المروحيات الحربية السورية لعناصر "درع الفرات" المدعومة تركياً... كان يجب معاقبة سورية وحلفائها بشكل قاس، فكان الهجوم الأضخم على حلب منذ بداية الحرب على سورية العام 2011. 4- إنجاز خرق –ولو مؤقت- بوجه سورية ورئيسها، وعلى حساب روسيا ورئيسها، لترجمته أصواتا في الإنتخابات الأمريكية لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون. 5- وقف إنهيار الجماعات الإرهابية -أدوات الغزو- بمشاغلة الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب، ومنع تقدمه نحو مواقع جديدة قد تنهي المشروع برمته، مثل إدلب والرقة ودير الزور... . النتائج، ومستقبل الصراع: 1- صحيح بأن أعداء سورية من بادر للهجوم، لكن الصحيح أيضاً أن سورية وحلفائها كانوا بإنتظار هذا الهجوم، وأعدوا له ما يلزم... وهذا سبب الصمود الأسطوري أمام أكبر وأعنف هجمة إرهابية. 2- كان للإستعدادت الإستثنائية التي وفرتها سورية والحلفاء دور حاسم في إيقاع خسائر ضخمة في صفوف الإرهابيين، حيث تشير التقديرات إلى سقوط 1500 إرهابي بين قتيل وجريح، وتدمير العشرات من الآليات المدرعة ورباعية الدفع والراجمات... . 3- إستخدام جيشنا وحلفائه وضعية الدفاع لإستنزاف العدو وتدمير جزء هام من قوته الأساسية، سيكون له آثار إيجابية جداً لتحقيق التقدم السريع بأقل الكلف عند المبادرة للهجوم نحو معاقل الإرهاب في أرياف حلب وإدلب وحماه والرقة... . 4- صمود الجيش العربي السوري وحلفائه ساهم بتحرير القيادة والجيش العراقيين من الضغوط الأمريكية حول تحرير الموصل، كما يساهم أشقاؤنا العراقيون برفع سيف الضغط على دير الزور من خلال منع داعش من التسلل إلى الرقة وغيرها. 5- خلال إجتماعهم الثلاثي أعلن وزير الخارجية الروسي، لافروف، متحدثاً باسم نظيريه وليد المعلم وظريف: لا بديل عن زيادة الجهود لمكافحة الإرهاب وعكس ذلك نحن نخاطر بخسارة هذه المعركة ليس في سورية فقط بل في كل الشرق الأوسط... اتفاقنا مع واشنطن أساسه فصل المعارضة عن الإرهابيين ولا ننتظر منهم القيام بذلك قريبا... حان الوقت لإعلان أن المسلحين الذين يرفضون التنصل من "النصرة" هم أهداف مشروعة... واشنطن خرقت الاتفاقات مع موسكو بتوجيه ضربات للجيش السوري... لقد حددنا الخطوات التي سنتخذها على أساس ثلاثي لمحاربة "داعش" و"النصرة"... . هذا الإعلان السياسي الهام سيجد ترجمته العسكرية خلال الأيام القليلة القادمة. ربما لن نعرف بدقة متى سينتقل جيشنا وحلفائه من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، ليس لتحرير المواقع التي احتلها الإرهابيون مؤخراً، ولكن الهجوم لفتح جبهات جديدة نحو الباب وريف حلب الجنوبي-الغربي... خصوصاً وأن القوات التي صدت موجات الإرهابيين هي ذات القوات المشاركة في الدفاع عن المدينة منذ زمن مع بعض الدعم المحدود من التعزيزات التي وصلت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وحتماً لن تطول هذه الساعة. ومثل هذا الأمر يثير رعب واشنطن وأدواتها الإقليميّة والمحليّة التي تتابع هذه الحشود، وتنتظر لحظة تحركها بترقب. وإذا تنبهنا لأهميّة التكامل الذي يتجلّى يوميّاً بين فصائل الحشد الشعبي والجيش في الميدان العراقي ونظرائهم في سورية... سنستشرف بعض الآفاق والإحتمالات التي تمثل أسوأ كوابيس واشنطن وأنقرة وتل أبيب والرياض... إنه "اللقاء" المحرم منذ قرون.