2025-05-22 10:05 ص

يا أمة ضحكت من فرقتها الأمم

2016-11-04
بقلم: أنور العقرباوي 
أتابع كما يتابع الكثيرون من المهتمون في شؤون الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وقائع الحملات والنقاشات والمناظرات بين المتنافسون وممثلوهم على المقعد الرئاسي، وقد شد إنتباهي هذا المساء كلمة السيدة ميلانيا ترومب زوجة المرشح اليميني السيد دونالد ترامب. أما سر إهتمامي في كلمتها هذا اليوم، فإنه يعود لما تضمنه خطابها الإنتخابي في خضم التنافس الشديد بين زوجها الجمهوري وخصمه الديمقراطي السيدة كلينتون، في محاولة من الأولى لإستنهاض همم المترددين في التصويت لزوجها من خلال العزف على اللحن "القومي" بالقول "أننا أمة تعتز بإرثها التاريخي والحضاري...........إلخ"، واللذي لا شك أنه كان قد تعزز إثر حرب 1812 مع بريطانيا، وزاد من ثقتها بنفسها كدولة حديثة العهد وهي تواجه إمبراطورية عريقة عظمى في حينه، وراح ذلك الشعور يزداد مع مرور الزمن بعد أن خرجت أمريكا عن حيادها عام 1914 لتأخذ على عاتقها دور الشرطي الدولي! وبغض النظر عما يجمع الكثيرون عليه عن المفهوم القومي ومقوماته، فإنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن مواطنوا الولايات المتحدة الأمريكية، وبصرف النظر عن إختلاف منابتهم ومعتقداتهم وحتى ميولهم السياسية، فإن الجميع في ظل دستورها وأمام القانون يفترض أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، لدرجة أن كل من حمل الجنسية الأمريكية يتولد لديه الإنطباع بأنه على قدم المساواة مع أي مواطن آخر، إلا عندما يأخذ البعض على عاتقه التصرف بغوغائية وأنانية في ظروف غالبا ما تطفو على السطح في المواسم الإنتخابية، كما هو حاصل في الظرف الحالي عندما جاهر المرشح عن الحزب الجمهوري بعدائه الواضح للمسلمين، ناهيك عن زعمه بالرغبة في بناء حاجز اصطناعي بين بلاده وجارته الجنوبية المكسيك! ولدت ميلانيا في سلوفينيا وقامت بزيارتها الأولى للولايات المتحدة عام 1996 قبل أن تحصل على بطاقة الإقامة الدائمة (Green Card) عام 2001, ومع قدوم عام 2006 حصلت على الجنسية الأمريكية بعد عام على زواجها من المليونير الأمريكي! ولا يعقل لأحد أن يشكك في مفاهيمها أو أقله انطباعاتها عن العيش في المجتمع الأمريكي، وهي اللتي كانت قد ولدت وتررعرت في مجتمع مزقته الصراعات قبل أن تنفصل سلوفانيا عن يوغوسلافيا عام 1991، في ظروف معيشية لا مجال لمقارنتها مع الحياة الرغيدة اللتي تعيشها اليوم في كنف زوجها الثري! بعد أن انتهت الساعية لمقام "السيدة الأولى" في البيت الأبيض من كلمتها، أقفلت التلفاز وقد إنتابني شعور بالغيظة والحيرة، وأنا أتفكر في حالة أمة، يجمعها من خليجها إلى محيطها، لغة وتاريخ وتراث وتقاليد واحدة أو أقله متشابكة، مهبط لكل الديانات السماوية، ومحور لأطماع كل العالم من غربه حتى شرقه على حد سواء، وبدون رهبة أو سكينة! رحت أسترجع في مخيلتي وأعقد المقارنات بين تاريخ ونشأت الحضارات والمدنيات، وبين تاريخ ونشأت "قوميات" مزعومة و "حضارات" حديثة الولادة، قبل أن أعود إلى إستعراض الصحف العربية، لأقرأ لما جاء على لسان "خليفة المسلمين" وهو يحث أتباعه بالقول " حولوا ليل الكافرين نهارا واجعلوا دمائهم أنهارا"، وتغريدة لمفتى يدعو المسلمين فيها إلى "عدم التنابز والشقاق" وهو اللذي ما انفك يوما عن التحريض على الفتنة الطائفية، وعنوان آخر يقول أن واشنطن وأنقرة قد اتفقتا على أن تحرير الرقة سيكون على عاتق "قوات سورية الديمقراطية"، وكأن سورية قد غدت مشاعا لكل من هب ودب بلا سيادة لنفسها على اراضيها، ثم تستعرض رأيا من الآراء بدل أن يستنهض وعي الجماهير، وإذا به يبشر بالحرب القادمة من تحت الأرض، وإلى آخره مما لا يسر بالا أو يريح ضميرا..........حتى أيقنت أنه لن تقوم لنا قيامة مادمنا أمة قد غضت الطرف عن الذل والهوان بديل المزعوم عن "الأمن والأمان"، و لا يحركها ساكنا إزاء هكذا نظما وحكاما، إلا إذا استيقظت من سباتها، أو عجل ربنا علينا بيوم القيامة، وفي الأثناء فلا عجب إن ضحكت على فرقتنا باقي الشعوب والأنام!!
كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن