2025-05-22 10:56 ص

السيد راسموسن يضم صوته الى قارعي طبول الحرب من المحافظين الجدد

2016-11-07
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
كثرت الأصوات الغربية وخاصة الامريكية منها التي تندد بالسياسة الخارجية التي اتبعها أوباما فترة رئاسته وخاصة فيما أسموه بسياسة "التردد" في اتخاذ سياسة أكثر عدوانية بالتهديد وبالتدخل العسكري المباشر في بعض المناطق في العالم "لمنع نشوب الحروب والنزاعات في العالم". هذا المنطق الاعوج والذي لا يستقيم ولا يمكن كيف أن شن الحروب والتدخل العسكري المباشر يمنع من نشوب الحروب. وكأن الداعين والمناصرين لهذ السياسة العدوانية والتي مارستها الولايات المتحدة وبشكل فج ورعونة وعنجهية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات بحاجة الى ضم المزيد من الأصوات ها هو السيد راسموسن الأمين العام السابق لحلف الناتو يوجه الانتقاد الى سياسة الرئيس أوباما ويعيب عليه "تردده" في التدخل في الصراعات بمختلف أنحاء العالم ويذهب الى أبعد من ذلك ليعيب عليه أيضا عدم لعبه دور "الدركي". ففي معرض حديثه في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية مؤخرا قال "إننا بحاجة إلى أمريكا كدركي العالم. إننا بحاجة إلى زعامة أمريكية عالمية حازمة" (روسيا اليوم 3 نوفمبر 2016). ولم يخفي السيد راسموسن وهو من أكبر صقور الناتو سابقا والداعي لجعل هذا الحلف اليد العسكرية الضاربة لمصالح الامبريالية الغربية وخاصة الامريكية، نقول لم يخفي ما الذي يقصده من حديثه وعن أي المناطق كان من المفترض على إدارة أوباما ان تتدخل عسكريا. فها هو يستعرض قائلا: "القوى العظمى لا تتقاعد. أنظر حولك، فسترى العالم وهو يشتعل. سوريا تتمزق بسبب الحرب والصراعات، والعراق على وشك الانهيار. ليبيا دولة فاشلة في شمال إفريقيا. روسيا تهاجم أوكرانيا وتعمل على زعزعة استقرار أوروبا الشرقية. أما الصين فتستعرض عضلاتها، بينما تهدد الدولة الفاسدة في كوريا الشمالية بهجمات نووية". ولا بد لنا من تذكير السيد راسموسن الذي كغيره هذه الأيام قد أصيب بعدوى الزهايمر ربما بسبب وصول بعض من البترودولار اليه. من الذي أشعل الحرب الكونية على سوريا ومن هي الدولة أو الدول الغربية التي ما زالت لغاية الان تمد الإرهابيين بالوقود من أحدث أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي تنتجها المجمعات العسكرية الصناعية في هذه البلدان لإبقاء الاتون السوري مشتعلا عن طريق الصفقات التي تقدر بعشرات أو حتى مئات المليارات من الدولارات من البقر الحلوب من أنظمة الخليج العربي؟ ومن الذي ساهم في تجنيد عشرات الالاف من "الجهاديين" من كل انحاء العالم من أكثر من 80 دولة بحسب تقارير استخباراتية غربية؟ الا يعتقد السيد راسموسن أن ما تفعله الولايات المتحدة ودول حلف الناتو في سوريا هو تدخلا عسكريا مباشرا؟ ماذا يبغيه السيد راسموسن أكثر من هذا حتى يسميه تدخلا ام أنه بسبب عدم مقدرة الولايات المتحدة وحلفاؤها وأذنابها وادواتها في المنطقة وعلى مدى أكثر من خمسة أعوام متتالية من حرب عسكرية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية وإعلامية مكثفة لم يسبق لها مثيل في التأريخ المعاصر فشلت فشلا ذريعا في لوي ذراع الوطن السوري كما فشلت سياسة "تغيير الأنظمة" في سوريا التي ما زال شعبها وقيادتها وجيشها صامدا وبدعم من حلفاءها المخلصين. السيد راسموسن يرى على أن "العراق على وشك الانهيار". الذي يبدو ان السيد راسموسن كان يريد أن يرى مزيدا من القوات الامريكية في العراق تفوق 5000 جندي (العدد المعلن) من القوات الخاصة والخبراء العسكريين حتى يعاد احتلال العراق من جديد. فربما السيد راسموسن لديه القناعة بأن العراق يجب أن لا يتمتع بهامش من الحرية للدفاع عن أراضيه وتحريرها من الارهاب الجاثم على صدر الامة والذي كان من احد نتائج غزو العراق عام 2003 وتحويل دولة من أغنى دول المنطقة وأكثرها تطورا في العديد من المجالات العلمية والبحوث والطبابة والتصنيع المدني والعسكري والزراعة...الخ ويستحوذ على نخبة وخيرة من العلماء والباحثين التي تم تصفيتهم جسديا من خلال اغتيالات من قبل الموساد الإسرائيلي، وتدمير بناه التحتية بالكامل وحل كل مؤسسات الدولة، ليتم تحويله الى دولة فقيرة تستجدي القروض والهبات من صندوق النقد الدولي ويحرم أهلها من مقومات الحياة البسيطة كتوفير ماء الشرب النظيفة والكهرباء على سبيل المثال لا الحصر. وفوق كل هذا فقد أقامت سلطات الاحتلال الأمريكي نظاما سياسيا قائما على أسس محاصصة طائفية ومذهبية مبشرا بإنشاء الشرق الأوسط الجديد وبناء الديمقراطية " بالبساطير الامريكية" في المنطقة. وعندما لاحت بعض الظواهر والمؤشرات بأن العراق قد يبدا في مرحلة الشفاء من التقسيم والشرخ الطائفي والمذهبي كما تشير المعارك التي توحدت فيها مكونات الشعب العراقي في محاربة الارهاب على أراضيه، يأتي السيد راسموسن ليقول بأن العراق على حافة الانهيار ربما لان في بداية التعافي لدولة مما تسببه التدخل العسكري المباشر والذي كان يسعى الى تقسيم البلد الى طوائف ومذاهب وأعراق، نقول بداية التعافي في قاموس الناتو تعني بداية الانهيار لان من المفترض أن تكون الدولة تابعة كلية للإملاءات الغربية وعلى رأسها الاملاءات الامريكية لأن أمريكا من المفترض أن تلعب دور "الدركي العالمي" بحسب راسموسن وأوباما فشل في هذا. ولهذا فهو يقدم نصيحته الى الإدارة الامريكية المقبلة "إنه بغض النظر عن الفائز في الانتخابات المقررة يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني، ليس أمام واشنطن أي خيار سوى العودة إلى طريق التدخلات بشكل أوسع نطاقا عبر العالم". وهو لا يخفي دعمه للسيدة كلينتون لان يرى في مجيء الجمهوري ترامب "هذا الأمر قد يكون خطيرا جدا". من الواضح انه يفضل كلينتون الأكثر عدوانية كما يبين تأريخها الأسود وكذلك ارتباطها الوثيق بالمؤسسات المالية الكبرى وصقور البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري وشركات الطاقة الكبرى وكلهم يجوبون العالم كالذئاب الجائعة يبحثون عن فريسة تحقق لهم مزيدا من الأرباح والسلطة والنفوذ والسيطرة لإقامة الإمبراطورية الامريكية. السيد راسموسن أيضا يبدو أنه نسي أو تناسى بحكم مرض الزهايمر على ما يبدو أنه كان الأمين العام لحلف الناتو عندما قام حلف الناتو وبدعم أمريكي كامل وعندما كانت السيدة كلينتون المفضلة لديه بمعركة الرئاسة الامريكية، قام الحلف بالعدوان العسكري والتدخل المباشر في ليبيا واسقاط نظام معمر القذافي والوعد بإقامة الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات الليبية التي ستوفر الامن والاستقرار والرفاهية للشعب الليبي. فماذا كانت نتيجة هذا التدخل العسكري لحلف الناتو؟ تحولت ليبيا الى بؤرة للإرهاب والإرهابيين ومصدر تصديرهم الى الدول العربية وخاصة سوريا ومصر وكذلك الى الدول الأوروبية والقيام بعمليات إرهابية هناك. هل يقرأ السيد راسموسن الجرائد أو يستمع الى النشرات الإخبارية ام أنه يحاول استغباء البشرية بأكملها؟ ألم يكن هذا الارهاب ونموه وتمدده الى ليبيا هو سببا مباشرا للتدخل العسكري المباشر ومحاولة لعب دور "دركي العالم" الذي ينادي به السيد راسموسن؟ وماذا عن رحلات المهاجرين واللاجئين من السواحل الليبية الى الشواطئ الأوروبية في قوارب الموت؟ ألم يكن هذا نتيجة العدوان العسكري المباشر في شؤون دولة ذات سيادة؟ وماذا عن التناحر والحروب في الداخل الليبي الذي لم ينقطع منذ 2001 بين أمراء الحرب والمجموعات الإرهابية، وتواجد حكومتين في البلاد؟ ألم يكن هذا نتيجة تدخل قوات الناتو مباشرة في ليبيا، أم أن طائرات الناتو كانت تقوم بإسقاط الحلوى والألعاب من السماء الليبية لأطفال ليبيا؟ وأين هو الاستقرار والديمقراطية والرفاهية ودولة المؤسسات التي وعد بها الشعب الليبي مع تغيير النظام؟ من حول ليبيا الى دولة فاشلة هو تدخلكم يا سيد راسموسن ولأنكم أردتم مساعد الولايات المتحدة في لعب دور "الدركي العالمي". السيد راسموسن وأمثاله يبدو انهم يعتقدون ان ذاكرة الشعوب لا تتعدى ذاكرة الطير، وان هم الخيرة والنخبة التي يجدر بها أن تقود العالم وتشكله على مقاساتها باعتبار أن البقية هم القطيع الذي يجب أن يساق لأنه لا يدرك أين تكمن مصلحته. ولا ينسى السيد راسموسن طبعا إتهام روسيا بزعزعة الاستقرار في أوروبا الشرقية، متناسيا من أن حلف الناتو وبتوجيهات من الولايات المتحدة كان قد صعد مؤخرا من اجراءاته العسكرية تجاه روسيا وقام بالسماح لأمريكا بنشر الدرع الصاروخي الموجه الى روسيا. كما قام الناتو بأخذ القرار بنشر أربعة فرق عسكرية وبمعداتها في دول أوروبا الشرقية المحاذية الى روسيا وزيادة عدد الطلعات الجوية لطائرات الناتو الاستطلاعية والقاذفة منها في تلك المناطق. الناتو لم يوقف تمدده باتجاه الحدود الروسية في محاولة تطويقها منذ بداية التسعينات بعدما تفكك الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وزوال حلف وارسو. وكان من المفترض ان يتم الغاء حلف الناتو في المقابل ولكن هذا لم يتم، وأن لا يسعى الغرب على ضم جمهوريات الاتحاد السوفياتي بعد تفككه الى حلف الناتو وعدم التوجه نحو روسيا بالقواعد العسكرية وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الرئيس السوفياتي جورباتشوف آنذاك والرئيس الامريكي الجمهوري ريغان، ولكن كل هذه التعهدات ضربت بعرض الحائط مع مجيء الرئيس الديمقراطي كلينتون. ولكن الذي يبدو أن راسموسن كما ذكرنا أصيب بالزهايمر السياسي ليتنكر لكل هذه الاحداث التاريخية لتبرير السياسة العدوانية لحلف الناتو والغرب بشكل عام تجاه روسيا. ماذا يريد السيد راسموسن من روسيا هل يجب عليها التخلي عن أمنها القومي والسماح لحلف الناتو بان يثبت مواقع عسكرية له على الحدود مباشرة مع روسيا دون أن يكون هنالك ردا روسيا على هذه الإجراءات العدوانية التي تتصاعد وبشكل كبير خاصة في المرحلة الأخيرة. لقد وصلت الوقاحة ببعض المسؤولين في حلف الناتو بالقول ان هذا يأتي ردا على الموقف الروسي مما يحدث في سوريا وأن دول الحلف دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا تسعى الى فرض مزيد من العقوبات على روسيا. أما أمريكا فتضع روسيا على رأس قائمة من تعتبرهم أعدائها. فما هو المطلوب من روسيا؟ ان تسكت وتذعن للإهانات والتهديدات الغربية وتقبل أن تعامل كدولة موز؟ من الواضح ان الولايات المتحدة تشعر بأن زمن الأحادية القطبية في طريقه الى الزوال مع صعود تكتلات عالمية ودول مثل روسيا والصين التي أصبحت تقف وتتصدى لهذه العنجهية والرعونة الامريكية وخروقات المبادئ والأعراف والتفاهمات الدولية التي مارستها الولايات المتحدة على مدى أكثر من عقدين من الزمن. ويكفي أن نرى ردود فعل السيدة سامانثا باور في مجلس الامن الدولي ووقاحتها المتزايد وغطرستها وحنقها في حالة انتقاد المواقف الامريكية في سوريا على سبيل المثال لنرى مدى الانزعاج الأمريكي من فقدان الاريحية في تنفيذ سياساتها العدوانية التي كانت تتمتع بها سابقا مثل عند غزوها لأفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 على سبيل المثال. وقبل أن نختتم نسأل لماذا أسقط السيد راسموسن اليمن من قائمته في منطقتنا. فالحرب فيه مشتعلة والبلد دمرت والأوضاع فيها منهارة والوطن اليمني ممزق. فهل كان اسقاطها من القائمة نابع من أن أصدقائه في الرياض هم المسؤولين مباشرة كما يعلم القاصي والداني وكل من لديه أي شعور بالإنسانية ولو بحدودها الدنيا وخاصة وأن الشاشات الصغيرة تنقل صورا لأجساد الضحايا من المدنيين الممزقة والمتفحمة نتيجة القنابل العنقودية والفسفورية المحرمة دوليا الى جانب الصواريخ التي تطلقها طائرات "التحالف العربي الإسلامي"!!!! الذي يقوده آل سعود؟ للسيد راسموسن نقول في النهاية أن زمن تولي أمريكا دور "الدركي" الذي ينادي به قد ولى، وأن الساحة الدولية والاعبين الفاعلين فيها قد تغير، وأن العالم ذو القطب الواحد الى الانهيار والزمن لن يعود الى الوراء. ويستطيع السيد راسموسن أن يجلس في خلوة ليردد المثل القائل " يا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب" ليعبر عن حسرته عن الأيام الخالية.