2025-05-22 07:36 ص

وانبعث الدخان فأنجب السجال عوض الثعلب فأرا

2016-11-12
بقلم: د. أنور العقرباوي
"لقد دخلنا في نفق مجهول لكنه لا خيار آخر لنا سوى المضي قدما لكسب قوتنا اليومي"، " المهم أن يدرك أنه رئيسا لكل الشرائح الإجتماعية في الولايات المتحدة وأن لا يكون أسيرا لمعتقداته البالية". تلك كانت بعض من ردود الأفعال، اللتي عكست مزاج الكثيرين تعقيبا على نتائج الإنتخابات الأمريكية! ولد Donald Trump عام 1946 لعائلة ثرية، ما لبث بعد أن تولى زمام أعمال والده في مجال البناء وتجارة العقارات عام 1971, وتبنيه لمسابقة ملكة جمال الولايات المتحدة (1996-2015)، ورعايته للبرنامج التلفزيوني الشهير (2004-2015) "المبتديء" أو "The Apprentice"، حتى ذاع صيته في عالم النجومية، وغدا محور إنتباه الكثيرين على الصعيدين العام والشعبي! يصفه بعض المقربين منه بالشخصية الأنانية المتعطشة للعظمة والثناء و المديح، واللذي لا يرى فيما حوله غير نفسه، عنيد عند رأيه رغم تظاهره بالإصغاء لغيره، على النقيض تماما من الوجه الآخر لشخصية رجل العائلة، اللذي أحسن تربية وسلوك أبنائه وتقديرهم للعمل وتحمل المسؤولية! تبارت وسائل الإعلام على إستقطابه كوسيلة لزيادة رصيدها من المشاهدين، لكنه عرف كيف يتعامل مع كل منها على حدة، ومع حلول عام 2000 أفصح عن رغبته في خوض التصفيات الأولية للمرشح عن الحزب الجمهوري في مواجهة المرشح عن الحزب الديمقراطي خلفا للرئيس المنقضية ولايته في حينه "Bill Clinton"، قبل أن ينسحب لاحقا قبل بدء التصفيات، فسرها المطلعون على شخصيته بأنها لم تكن سوى محاولة أخرى منه لشد الإنتباه إلى شخصيته المتمحورة على نفسها، واللتي على إثرها أصبح الضيف المنتظم صباح كل يوم إثنين على شبكة Fox News اليمينية، تستأنس بآرائه ومواقفه من أحداث الساعة رغم تقلبها بين الحين والآخر! في عام 2008 وعلى إثر فوز Barak Obama بالإنتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، تنادت بعض الأصوات للتحقق من مكان ولادة الضيف الجديد للبيت الأبيض ذو "الجذور الإفريقية"، حيث اجتاحت في حينها حملة عرفت "حركة الولادة" أو "Birther Movement" تزعمها Donald Trump قبل أن يساعد على تصعيدها حزب الشاي اليمني المتطرف، لاقت رواجا لدى قطاع لابأس به بين البيض الأمريكيين، انعكس لاحقا في عام 2010 على فوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، صرح على أثرها زعيم الأغلبية الجمهورية Mitch McConnell أن أهم أولوياته في المرحلة القادمة هي "إسقاط" الرئيس Obama! وعلى الرغم من ذلك الفوز الساحق في مجلسي الكونجرس، إلا أنه نتيجة تضارب مصالح الجمهوريين مع حزب الشاي المنبعث من رحمهم، فإنهم لم ينجحوا في إفراز وجه قيادي حقيقي، حتى غدا المعلق الإذاعي اليميني "Rush Limbaugh" في نظر الكثيرين منهم بإعتباره الناطق بإسمهم! توالت المناكفات بين الحزبين الرئيسيين، ومحاولات تمرير قوانين أو اعاقتها وفي أحس الأحوال الحصول على مقابل لها من تشريعات لصالح هذا الطرف أو ذاك لضمان تمريرها، ولعل أكثر مسألة حساسة نشأت على حين غرة، كانت شغور مقعد في المحكمة الدستورية العليا بوفاة القاضي المحافظ Antonin Scalia، ناهيك عن الهاجس من غياب آخرين نتيجة التقدم بالعمر أو إحالة أنفسهم على التقاعد، حيث تعتبر الموازين في المجلس المشكل من تسعة أعضاء، مسألة في كثير من جوانبها، لا تقل أهمية عن هوية المتربع على الكرسي في البيت الأبيض، اللذي يملك الحق وحده في ترشيح أسماء أعضاء المحكمة في حالة شغور أي مقعد. راح الزمن يسابق نفسه، وأضحت البلاد على عتبة إنتخاب رئيس جديد، ولما كان الحزب الديمقراطي يعول على ثقته الزائدة في مرشحته السيدة كلينتون، فقد كان من السهل عليها أن تمثل الحزب في الإنتخابات العامة، بينما بلغ عدد المتنافسون من الجمهوريين في مرحلة الفرز الأولى سبعة عشرة متنافسا، هاجسهم المشترك الحيلولة دون وصول مرشح ديمقراطي إلى سدة الحكم، لما سيمثله ذلك من تكريس إرث الرئيس المنصرف Obama، وما سيترتب عليه من بين أمور أخرى الهيمنة على المحكمة الدستورية العليا، إستمرار برنامج الرعاية الصحية، ومسائل تتعلق بالهجرة وقانون التجارة الحرة وإتفاقية المناخ وموضوع قانون الأسلحة الشخصية، والأهم من وجهة نظرهم مكانة الولايات المتحدة في العالم! في حزيران 2015, أطل Trump من باحة مجمعه الشهير في نيويورك، ليعلن على الملأ عن نيته الخوض في السباق على المقعد المتقدم في أمريكا، معلنا في الوقت نفسه عن الخطوط العريضة اللتي ستمثل برنامجه الإنتخابي، كان من أهمها قضية الهجرة وضرورة ترحيل جميع المهاجرين "اللاشرعيين"، إسقاط برنامج Obama للرعاية الصحية، والعمل على خلق المزيد من فرص العمل وتحسين الوضع الإقتصادي الأمريكي! لم يؤخذ إعلانه عن رغبته في خوض المعركة الإنتخابية على محمل الجد خاصة لدى أروقة المؤسسة الحاضنة للحزب الجمهوري "Establishment"، بينما راحت أجهزة الإعلام ومعها الكثيرين من تلك المؤسسة بالترويج، بأنها مناسبة أخرى يستغلها لتسليط الأضواء عليه، حتى بدأت أرقام استطلاعات الرأي بالظهور وتدل على تقدمه على جميع منافسيه في حزبه! التقط Trump المعروف عنه سرعة البديهة في استشعار ما يجول في عقول مناوئيه و مؤيديه والخبير بالمراوغة والمناورة، ميول قاعدة الأغلبية من البيض، عندما خرج مرة أخرى ليعلن على الملأ عن عزمه منع دخول المسلمين إلى أمريكا! وما أن حان موعد المناظرات المرئية، حتى كان يتقدم في نتائج الإستطلاعات على كل منافسيه، وراح بعد كل منافسة يطيح بخصم بعد الآخر، على الرغم من كل محاولات المؤسسة الحاضنة دعم بدائل له، حتى جاء موعد المؤتمر الجمهوري ويتم تسميت Trump، للمنافسة على السباق في مواجهة المرشحة عن الحزب الديمقراطي! بعد معركة طويلة من الحملات الإنتخابية والمناظرات المرئية، اللتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ السباق الرئاسي، من حيث تبادل الإتهامات والنزول إلى الحضيض في مفرداتها ومضامينها، استيقظ الأمريكيون والعالم معهم صباح يوم التاسع من نوفمبر على رئيس جديد للولايات المتحدة، لا يختلف إثنان حتى نفسه، عن افتقاره للخبرة والعمل في السياسة والحياة العامة، لكنه أحاط نفسه بخبراء ومنظرين ومستشارين على كل الصعد من العام والسياسي إلى العسكري، أقل ما يعرف عنهم أنهم على الطرف الأبعد حتى من مواقف حزب الشاي المتطرف اليميني، وأن مصير المهاجرين "اللاشرعيين" سوف يبقى معلقا في عالم من المجهول، وأن قضية منع المسلمين من القدوم إلى أمريكا قد استنفذ الغرض منها، عندما ستنشغل مراكز استطلاعات الرأي العام بأمور أخرى، وأن إلغاء برنامج الرعاية الصحية لن يكون من السهل مالم يتم إيجاد البديل له، وأن التعامل مع منظمة الأمم المتحدة سيتم على اعتبارها إحدى دوائر الخارجية الأمريكية، مالم يظهر العالم تمرده على الغطرسة والأنانية، وأن قضية الإستمرار في العبث بالسلم الأمني في الشرق الأوسط، وترجمة الوعود في الإعتراف بالكيان الصهيوني "دولة يهودية"، لن يجد له أيا من الحظوظ، ليس بالتأكيد لأن زعماء العرب لن يعارضوه طالما كان ذلك يخدم مصالحهم في البقاء على سدة الحكم، ولكن لأنه مالم تستيقظ الشعوب العربية على مصالحها وما يحكاك لها في الظلام بعلم حكامها وغالبا مشاركتهم فيها، فبشراك يا "إسرائيل" بمملكتك الموعودة من النيل إلى الفرات، وعلى أمة الضاد والتاريخ والأمجاد حتى حين السلام!!! 
كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن